موارد ساحل أفريقيا.. من «كنوز منهوبة» إلى «سلاح سيادي»

كيف تحوّل اقتصاد المناجم في دول ساحل أفريقيا، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، إلى ورقة سياسية بيد الدولة؟
خبراء يرون أن هذه الدول لم تعد تنظر إلى ثرواتها المنجمية كمجرد مصدر للعائدات الاقتصادية، بل باتت تديرها كأداة سيادية تهدف إلى كسر التبعية وإعادة تشكيل العلاقات مع القوى الخارجية.
- محاولة «انقلاب» بوركينا فاسو.. صراع على النفوذ أم عدوى الساحل؟
- تحالف الساحل.. نظام أمني بديل أم «عسكرة بلا إمكانات»؟
كما اعتبروا أنها تسعى لإعادة رسم العلاقات مع الشركات المنجمية عبر إصلاحات ضريبية جذرية تهدف إلى استرداد جزء أكبر من الأرباح المستخرجة من أراضيها وسيادتها على مواردها الطبيعية.
«إرادة سياسية جديدة»
في تعقيبه، يقول الدكتور مامادو كوني، أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة باماكو بمالي، إن «تحول إدارة الموارد الطبيعية إلى مسألة سيادية يعكس إرادة سياسية جديدة».
ويوضح كوني، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن هذه الإرادة «تسعى إلى استرداد السيطرة على القرار الاقتصادي، ومواجهة إرث الامتيازات التاريخية التي منحت الشركات الأجنبية نفوذاً غير متكافئ داخل دول الساحل».
أما المحلل السياسي المقيم في باماكو إبراهيم تراوري، فأكد لـ«العين الإخبارية» أن «استعادة زمام المبادرة في القطاع المنجمي توجّه رسالة واضحة: لم تعد الموارد أداة استغلال، بل ورقة في معركة التحرر السياسي والاستقلال الاستراتيجي».
وفي هذا السياق، يتابع أن «تشريعات المناجم الجديدة، وزيادة الضرائب على الشركات، وفرض مساهمة الدولة في رأس المال، تعتبر خطوات ملموسة لترسيخ مفهوم السيادة الاقتصادية والذي بدأ يحلّ محل الاستثمار الأجنبي غير المشروط».
وفي خضم موجة السيادة المتصاعدة في غرب أفريقيا، تبرز دول الساحل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، كقوة جديدة تقلب معادلة السيطرة على الثروات.
فبعد عقود من هيمنة الشركات الأجنبية على المناجم، اختارت هذه الدول خوض معركة السيادة الاقتصادية، عبر تعزيز التشريعات وتوسيع حصة الدولة في رأس مال شركات التعدين.
فهل تتحول الموارد الطبيعية من «لعنة استعمارية» إلى أداة للتحرر الجيوسياسي؟ وهل بات الاقتصاد في الساحل يُوظَّف كسلاح استراتيجي في وجه الامتيازات التاريخية التي كبّلت المنطقة؟
إصلاح وتحديات
في موازاة التصعيد الدبلوماسي الأخير مع الجزائر، شرعت كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر في مراجعة شاملة لتشريعاتها المنجمية، حيث تم تعديل القوانين المحلية لتمكين الدول من الحصول على ما يصل إلى 50% من العائدات الناتجة عن استغلال المناجم.
وتستند هذه الاستراتيجية إلى مبدأ «العدالة الاقتصادية»، من خلال زيادة الضرائب المفروضة على الشركات المنجمية، وفرض رسوم جديدة على رقم المعاملات الإجمالي للمشاريع الاستخراجية.
وتهدف هذه الإجراءات إلى تصحيح خلل تاريخي طالما استفادت منه الشركات الأجنبية التي عملت لسنوات طويلة تحت مظلة ضريبية مخففة وشروط تعاقدية مجحفة بحق الدول المضيفة.
لكن هذه الإصلاحات الطموحة لا تخلو من العقبات، إذ يُلزم تطبيقها الفعلي الدول الثلاث بإعادة التفاوض حول العقود القديمة مع الشركات متعددة الجنسيات.
وهذه عملية شاقة ومعقدة كثيرًا ما تفتح المجال لنزاعات قانونية، كما ظهر في بعض قضايا التحكيم الدولي التي رفعتها شركات منجمية بعد تعليق أنشطتها.
وعلى الرغم من تعزيز المنظومة القانونية، لا تزال تحديات كبرى تلوح في الأفق، أبرزها ممارسات التحايل الضريبي والتهرب المالي التي تلجأ إليها بعض الشركات، ما يحدّ من قدرة هذه الدول على استرداد كامل حصتها من العائدات المنجمية.
«وعي سيادي»
من جانبه، قال البروفيسور سليمان ديارا، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة باماكو، لـ«العين الإخبارية»، إن ما يحدث هو «تحول جذري يعكس رغبة واضحة لدى النخب السياسية في كسر منطق التبعية التاريخية».
وأضاف ديارا: «لم تعد المعادلة مقبولة: موارد محلية تُنهب بأيادٍ أجنبية دون عوائد حقيقية على الشعوب».
من جهته، قال الباحث الفرنسي مارك لافوازييه، المتخصص في اقتصاد الموارد الأفريقية، لـ«العين الإخبارية»، إن «التشريعات الجديدة تشكل إنذاراً للمستثمرين الأجانب، لكنها أيضاً تمثل بداية لوعي سيادي جديد قد يغيّر موقع الساحل في خارطة التنافس العالمي على الثروات».
وأشار لافوازييه إلى أن منطقة الساحل تشهد تحولات عميقة، حيث تسعى دول الساحل الثلاث – مالي وبوركينا فاسو والنيجر – إلى انتزاع سيادتها الاقتصادية والسياسية في وجه النفوذ الأجنبي المتغلغل.
ولفت إلى أنه في الوقت الذي تعزز فيه هذه الدول قبضتها على الثروات المنجمية وترفض الخضوع لشروط الشركات متعددة الجنسيات، تشتعل أزمة دبلوماسية جديدة مع الجزائر، على خلفية إسقاط طائرة مسيرة تابعة للجيش المالي داخل الأراضي الجزائرية.
فهل تتجه المنطقة نحو استقلال فعلي أم إلى مزيد من التوترات العابرة للحدود؟
aXA6IDMuMTQ3LjEzLjIzMyA= جزيرة ام اند امز