أفريقيا ترسم خريطتها المالية.. تريليون دولار تحت إدارة وطنية وبداية عهد اقتصادي جديد
تشهد القارة الإفريقية تحولا اقتصاديا لافتا يعكس مرحلة جديدة من تعزيز الاستقلال المالي، وفق تقرير حديث صادر عن مؤسسة GlobalSWF.
مع تقلّص المساعدات الخارجية واعتماد الدول الإفريقية على مواردها الذاتية، بدأت الحكومات والمؤسسات الوطنية في إحكام السيطرة على أصول مالية ضخمة تُقدَّر بنحو تريليون دولار، وهي أعلى قيمة تُسجَّل حتى الآن.
ووفقًا لتقرير موقع بيزنس إنسايدر أفريقيا، يشير التقرير إلى أن المؤسسات العامة — وعلى رأسها صناديق التقاعد الحكومية والبنوك المركزية وصناديق الثروة السيادية — أصبحت تتولى إدارة الجزء الأكبر من هذه الأصول. ويعكس هذا التوجّه تغيّرًا جذريًا في طريقة تعامل القارة مع تحدياتها الاقتصادية، إذ تتجه الدول نحو بناء نماذج تنموية أكثر اعتمادًا على الداخل، بعد سنوات طويلة من الاتكال على التمويل الأجنبي.
وكان تقلّص المساعدات الدولية دافعًا رئيسيًا وراء هذا التحول، حيث اضطرت الحكومات إلى البحث عن حلول ذاتية لتمويل خططها التنموية وتغطية احتياجاتها المتزايدة.
ويؤكد تقرير GlobalSWF أن "المؤسسات الأفريقية بلغت مستويات غير مسبوقة، مع اقتراب حجم الأصول المُدارة من نحو تريليون دولار"، مشيرًا إلى أن أغلب هذه المؤسسات صُمِّمت من الأساس لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتحفيز تدفق رؤوس الأموال إلى داخل القارة.
ورغم أن صناديق التقاعد والبنوك المركزية تشكّل الحصة الأكبر من الأصول المُدارة، فإن التقرير يسلّط الضوء على نمو غير مسبوق في عدد صناديق الثروة السيادية في أفريقيا.
في عام 2025 وحده، شهدت القارة إطلاق خمسة صناديق جديدة: صندوق الثروة السيادي في بوتسوانا (BSWF)، وصندوق الاستثمار السيادي في جمهورية الكونغو الديمقراطية (FIS-RDC)، وصندوق إسواتيني (ESWF)، وصندوق كينيا (KSWF)، وصندوق ولاية أويو في نيجيريا (OSWF).
ويعكس هذا التوسع السريع رغبة متزايدة لدى الحكومات في الاستفادة من مواردها الطبيعية والمالية وتوجيهها نحو مشاريع تنموية طويلة الأمد. ولا تزال هيئة الاستثمار الليبية تتصدّر صناديق الثروة السيادية في القارة بإجمالي أصول يبلغ 68 مليار دولار، من بين نحو 33 صندوقًا سياديًا منتشرًا في الدول الإفريقية.
ورغم النمو المسجّل، يكشف تقرير GlobalSWF عن فجوة كبيرة بين أفريقيا وبقية مناطق العالم من حيث حجم الأصول المُدارة. فالقارة تملك 1% فقط من بين 17 تريليون دولار تديرها البنوك المركزية عالميًا، أي ما يعادل 170 مليار دولار — وهي نسبة ضئيلة مقارنة بآسيا التي تستحوذ على 49%، وأوروبا التي تمتلك 31%. وتتكرر النسبة ذاتها عند النظر إلى حصّة إفريقيا من أصول صناديق الثروة السيادية العالمية البالغة 14.3 تريليون دولار، إذ تدير القارة 143 مليار دولار فقط، أي ما يعادل 1% أيضًا.
وينطبق الأمر نفسه على صناديق التقاعد العامة حول العالم، التي يبلغ حجم أصولها 25.9 تريليون دولار، بينما لا تدير أفريقيا سوى 259 مليار دولار — بنسبة 1% كذلك — ما يؤكد حجم التحديات التي تواجهها القارة في مساعيها لتعزيز حضورها المالي العالمي.
ورغم هذه الفجوات، يرى التقرير أن الاتجاه الحالي نحو توطين إدارة الأصول يبشّر بمرحلة جديدة من تعزيز السيادة الاقتصادية، ويفتح الباب أمام نماذج أكثر كفاءة في استغلال الموارد، مع إمكانية خلق بيئة استثمارية أكثر استقرارًا على المدى الطويل.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTExIA== جزيرة ام اند امز