ما هي استراتيجية الحركات الإرهابية في أفريقيا؟
يعتقد منظرو الحركات الإرهابية أنهم يملكون الحقيقة المطلقة، وهو ما يفسر طبيعة خطابهم المتطرف في قارة أفريقيا.
استقبلت القارة الأفريقية الإسلام مع هجرة المسلمين للحبشة، حيث انتشر الإسلام فيها بفضل جهود الدعاة والتجار والطرق الصوفية، وقد عرف عن مسلمي القارة تسامحهم الديني، وتعايشهم السلمي مع أصحاب العقائد الأخرى، لكن منذ مطلع التسعينيات من القرن المنصرم تبلورت في أفريقيا كثير من الحركات التكفيرية، التي تمارس الإرهاب، حيث انخرطت تلك الحركات في ممارسات بالغة التطرف، باتت تشكل ظاهرة متنامية، خاصة بإقليمي الساحل والقرن الأفريقي، الأمر الذي يثير تساؤلات جمة بشأن عوامل انتشارها في أفريقيا، ومنطلقاتها الفكرية، وهياكلها التنظيمي، وممارساتها، وموقف الرأي العام الأفريقي منها، وآليات مواجهتها.
يرتبط انتشار تلك الحركات بعدد من العوامل أهمها: تردي الوضع الاقتصادي وغياب العدل الاجتماعي، ورخاوة الدولة وضعف سيطرتها على حدودها، وسياسات الدول الغربية تجاه العالم الإسلامي، والتأثيرات الفكرية لتنظيم القاعدة وتنظيم "داعش".
إذ توفر المعطيات سالفة الذكر بيئة حاضنة لأغلب الحركات التكفيرية، التي تؤمن بأن السياسات الحكومية بدول القارة قد أدت لإفقار الشعوب، والتمييز بين المواطنين، وإنكار حقوقهم في المشاركة السياسية، مع عدم السماح بتداول السلطة عبر الآليات الدستورية، وإضفاء الطابع العلماني على جميع مظاهر الحياة، خاصة في الثقافة والتعليم، وإقصاء الشريعة الإسلامية.
ففي الصومال، كان الافتقار لحكومة مركزية قادرة على بسط سيطرتها على البلاد حافزاً لنشأة وتغلغل تلك الحركات، التي اتخذها تنظيم القاعدة بالقرن الأفريقي قاعدة للانطلاق في دول الإقليم ككل، وفى نيجيريا لا يمكن فهم ظهور حركة بوكو حرام بعيداً عن الإحباط الذي أصاب الشباب نتيجة للواقع السياسي والاجتماعي المعقد بالبلاد، خاصة ظروف الفقر والبطالة والانقسام الإثني.
كما أدت سياسات الدول الغربية إلى انتشار الحركات التكفيرية، حتى إن كثيرين يعتبرون تلك الحركات صناعة غربية بالأساس، سواء بشكل مباشر من خلال أجهزة الاستخبارات الغربية التي تبنت ودعمت تلك الحركات في مواجهة الاتحاد السوفيتي إثر غزوه لأفغانستان، أو بشكل غير مباشر عندما تكونت أغلب تلك الحركات كرد فعل لسياسات الدول الغربية إزاء دول وشعوب العالم الإسلامي، وذلك في سياق الحرب ضد الإرهاب، عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث انتهجت الولايات المتحدة وحلفاؤها سياسات أدت لاستثارة غضب وكراهية المسلمين في ربوع العالم، بعدما أعلن الرئيس بوش أنه يخوض حرباً صليبية ضد الإرهاب تحت شعار "من ليس معنا فهو ضدنا".
كما كان تأثر الشباب الأفريقي بفكر التنظيمات الإرهابية العالمية "القاعدة – تنظيم داعش" سبباً مهماً لنشأة وتنامي الحركات التكفيرية بأفريقيا، حيث كانت العمليات المتوالية لتلك التنظيمات والظهور الإعلامي المتكرر لقياداتها مثاراً للإعجاب وعاملاً مهماً في خلق قدر من التعاطف معها، والتأثر بأفكارها، وزيادة قدرتها على كسب مزيد من التنظيمات الحليفة.
وفي هذا السياق، بايعت حركة الشباب المجاهدين الصومالية تنظيم القاعدة، وأنشأ عبدالمالك درودكال "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في يناير 2007، وتأسست جماعة "أهل السنة للدعوة والجهاد"، أو بوكو حرام، التي عرفت إعلامياً باسم "طالبان نيجيريا".
الإطار الفكري للحركات التكفيرية
تأثرت معظم تلك الحركات بتراث الإصلاح الديني بالعالمين العربي والإسلامي، وأفكار الجماعات الإسلامية بآسيا، والإخوان في بعض البلاد العربية، ومن أهم المراجع الفكرية التي تعتمد عليها: مجموع الفتاوى لابن تيمية، وكتب ابن القيم، وأبو الأعلى المودودي، وسيد قطب وغيرهم.
يعتقد منظرو هذه الحركات أنهم يملكون الحقيقة المطلقة، وهو ما يفسر طبيعة خطابهم المتطرف، الذي يأتي مغايراً لخطاب المؤسسات الرسمية بالدول الأفريقية، والذي تراه تلك الحركات جامداً تقليدياً يغفل قيمة العقل والاجتهاد، كما يختلف خطابها عن الخطاب الصوفي، ويناهض المكونات الغيبية التي يقوم عليها، وهو ما ألقى بظلاله على الخطاب السياسي للحركات التكفيرية.
فعلى المستوى الداخلي، تشترك هذه الحركات في السعي للتغيير الجذري للواقع القائم ببلادها، وترى أنه يشبه جاهلية ما قبل الإسلام؛ لذا فهي تنشد إقامة دول إسلامية "إمارات"، تكون نواة لإقامة دولة الخلافة الراشدة، وذلك بتطبيق الشريعة الإسلامية، واعتبار الإسلام دين ودولة؛ لذا ترفض هذه الحركات القوانين الوضعية والديمقراطية وتكفر الساسة المنتخبين عن طريقها.
تنظر هذه الحركات إلى نفسها باعتبارها الطائفة المنصورة أو الفقرة الناجية، بينما ترى أن حكومات الدول التي يعيشون فيها والمسيحيين يمثلون الفئة الباغية أو الطائفة المهزومة؛ لذا فهي تعارض الدخول في مفاوضات مع تلك الحكومات، وتعتبر ذلك مخالفاً لمبادئها، خاصة أنها تؤمن بمقولة ابن تيمية إن "قتال المرتد مقدم على قتال الكفار الأصليين".
استناداً لذلك، رفضت حركة الشباب الصومالية كل دعوات المشاركة أو الحوار مع الحكومة الصومالية، ورفعت الحركات السلفية الجهادية بالجزائر شعار "الدم والشهادة". وأكدت حركة بوكو حرام أن تحقيق أفكار الجماعة وتأكيد مبادئها لا يمكن أن يحدث إلا من خلال السلاح.
وعلى المستوى الخارجي، تقسم هذه الحركات العالم لقسمين هما: قسم الإيمان والحق، وقسم الكفر والباطل. وهي تصنف نفسها ضمن القسم الأول. فيما تصنف الدول الغربية في القسم الثاني. وتذهب إلى أن الصراع في عالم اليوم هو صراع هو بين الإيمان والكفر، وأن الحرب في الصومال وفلسطين وأفغانستان والعراق والجزائر والشيشان هي حرب واحدة، بين معسكر الإسلام ومعسكر الأمريكان والصهاينة وحلفائهم من النظم المرتدة العميلة.
وبالطبع، ترفض هذه الحركات كل ما هو مرتبط بالغرب من سياسات ومؤسسات وقيم فكرية، ومناهج دراسية؛ لذا فهي ترفض مفاهيم الوطن والمواطن، والحدود السياسية بين الدول، باعتبارها مفاهيم علمانية، وأن المعتقد الديني هو أصل المواطنة، كما ترفض مسألة القومية، بدعوى أنها مزقت الأمة الإسلامية، وهو ما يفسر طبيعة خطابها السياسى إزاء الغرب وسياساته، والذي يأتي مفعماً بالكراهية والروح الانتقامية.
تروج هذه الحركات لأفكارها عبر المحاضرات العامة والكتب والخطب المنبرية، والإذاعات المحلية وشبكة المعلومات الدولية. وهي تعلي من قيم الجهاد والشهادة والفوز بالجنة، بالاستعانة بالأناشيد الدينية، ومقاطع الفيديو. وتلك أمور تجد صداها لدى الشباب المتحمس غير القادر على التكيف مع مجتمعه.
الهيكل التنظيمي للحركات التكفيرية
لا تملك أغلب هذه الحركات هيكلاً تنظيمياً واضحاً -باستثناء القيادة العليا- ولا تملك برامج عمل محددة، فما يجمع بينها أكثر هو الانتماء للتيار السلفي الجهادي؛ لذا تتسم هياكلها التنظيمية باللامركزية، وبصفة عامة تتشكل الأطر التنظيمية لتلك الحركات من: القيادة العامة، ومجلس الشورى، والوحدة الإعلامية، والجناح العسكري.
يتولى القيادة العامة أشخاص من ذوي المكانة الدينية والتاريخي الجهادي، خاصة الذين سبق لهم المشاركة في الجهاد تحت لواء تنظيم القاعدة أو داعش، أو من المحسوبين فكرياً على التنظيمين، حيث تسند إليهم الإمارة من خلال البيعة، بما يمنحهم جميع الصلاحيات المتعلقة بالجهاد، وتحديد شروط السلم والأمن، كما يتخذ هؤلاء أسماء حركية يعرفون بها إعلامياً.
ففي إطار جماعة أنصار الدين في مالي تمت مبايعة إياد أغ غالي قائداً للحركة، وبالنسبة للشباب المجاهدين، عقدت البيعة لأحمد عبدي غودني، واسمه التنظيمي مختار عبدالرحمن، ويلقب بأبي الزبير، والذي خلفه أحمد ديري "أبو عبيدة" في سبتمبر 2014. كما بويع حسان حطاب زعيماً للجماعة السلفية للدعوة والقتال.
وتحرص تلك الحركات على تعيين "مجلس شورى" للنظر في سياساتها العامة، وبحث الأمور الطارئة، وإصدار القرارات الملزمة لكل أعضائها، بما فيهم قائدها العام. ومن الحركات التي أخذت بهذا الأمر جماعة بوكو حرام، وحركة التوحيد والجهاد بغرب أفريقيا.
كما تؤسس تلك الحركات وحدات إعلامية، وتعين متحدثين رسميين بأسمائها، يختصون بإصدار البيانات والتعبير عن مواقفها من الأحداث والتطورات السياسية، وبث عملياتها القتالية. وعلى سبيل المثال عينت الشباب المجاهدين مختار روبو "أبو منصور"، متحدثاً رسمياً باسمها. فيما يتولى الشيخ "أبو القعقاع" هذه المهمة في حركة بوكو حرام.
وبالنسبة للأجنحة العسكرية لتلك الحركات، فتتكون من فرق أمنية مدربة على تنفيذ العمليات القتالية، لكن أعدادها لا تزال أمرا يكتنفه الغموض، نظراً لتوخي الأمن وكثرة الانشقاقات، وعلى سبيل المثال تملك حركة الشباب المجاهدين جيشين أولهما هو جيش العسرة، الذي يتولى المهام القتالية. وجيش الحسبة وهو ذراعها الإداري المسؤول عن فرض النظام والقانون وتقديم الخدمات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة، وغالباً ما تتمركز تلك الحركات بالمناطق الحدودية والوعرة، كما تلجأ لإقامة معسكرات تدريبية متنقلة ومؤقتة توخياً للأمن. ففي نيجيريا مثلاً تتمركز بوكو حرام بـ3 ولايات حدودية، بشمال شرق البلاد، توخياً للأمن، ورغبة في تأسيس المجتمع المسلم الذي تنشده.
وبالنسبة لمصادر التمويل، فتتركز في 4 مصادر على الأقل هي: عوائد إدارة المرافئ الواقعة بمناطق نفوذها، والتجارة غير المشروعة وتهريب البضائع والسلاح والمخدرات، والفدى التي يتم تحصيلها مقابل إطلاق سراح الأسرى أو الرهائن، والتبرعات من المصادر الداخلية والخارجية. فبالنسبة للشباب المجاهدين، تعد رسوم إدارة ميناء كسمايو وعائدات تصدير الثروة الحيوانية والفحم هي أهم مصادر تمويلها. فيما تعد أموال الفدى هي أهم مصادر تمويل بوكو حرام وحركتي التوحيد والجهاد وأنصار الدين في مالي.
ممارسات الحركات التكفيرية
انخرطت هذه الحركات في مجموعة من الممارسات التي ترمي لتحقيق أهدافها، وذلك بالهجوم على الأهداف التابعة للحكومات القائمة بالدول التي يتمركزون فيها، ومهاجمة المصالح والمؤسسات الغربية، باستخدام وسائل جديدة على الأفارقة، يبدو فيها أثر تنظيمى القاعدة وداعش، ومنها تفجير العبوات الناسفة، والعمليات الانتحارية أو الفدائية، التي تسميها تلك الجماعات العمليات "الاستشهادية". وهنا كان تنفيذ الهجمات يتم من خلال أسلوب الكر والفر، لكن ارتباط بعض هذه الجماعات بداعش جعلها تنتقل من هذا الأسلوب إلى احتلال القرى وحرقها، وإنشاء إمارات إسلامية، تبايع أبي بكر البغدادي، مؤسس تنظيم الدولة الإسلامية كخليفة للمسلمين. وبوجه عام تتمثل أهم ممارسات الحركات التكفيرية بأفريقيا في:
- التغيير وفرض الشريعة الإسلامية بالقوة:
هنا يبرز مسعى حركة الشباب المجاهدين لإحداث تغيرات ثورية في بنية المجتمع الصومالي، تتجاوز بنيته العشائرية والقبيلة، عبر التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية، حتى ولو بالقوة، مع التركيز على جانب الحدود والجزاءات، كما سعت الحركة لكسب ود المواطنين بالاعتماد على نظام المحاكم الشرعية لفرض النظام والقانون وسد فراغ السلطة.
- إقامة إمارات إسلامية على غرار إمارة طالبان:
تشترك معظم الحركات السلفية الجهادية في هذا الأمر، وقد نجحت بعض الحركات بالفعل في الوصول إلى هدفها، ومن ذلك مشاركة كل من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة أنصار الدين، وحركة التوحيد والجهاد للحركة الوطنية الأزوادية في إعلان شمال مالي دولة للطوارق في أبريل 2012.
- مهاجمة المنشآت والمسؤولين وأتباع الديانات الأخرى:
أصبح هذا النمط من الممارسات أمراً اعتيادياً لدى تلك الحركات، ففي الجزائر مثلاً يجري التركيز على ضرب صناعة البترول والغاز بالبلاد، وذلك لإضعاف الحكومة، حيث يوفر قطاع الهيدروكربونات نحو 60% من الدخل القومي. كما تهاجم بعض الحركات أتباع الجماعات الإسلامية الأخرى أو الديانات الأخرى. ومثال ذلك مهاجمة حركة الشباب المجاهدين للطرق الصوفية. وتفجير بوكو حرام للكنائس بالشمال النيجيري. لكن تجدر الإشارة لحدوث تحول نوعي في ممارسات بعض هذه الحركات، بعدما امتد تعريفها للأعداء ليشمل المسلمين أيضاً. ومثال ذلك انخراط بوكو حرام في مهاجمة المدنيين المسلمين منذ 2014، بدعوى تعاملهم مع مؤسسات التعليم التي تتبنى القيم الغربية.
- استهداف الحلفاء الإقليميين:
سعت بعض الحركات لتحقيق أهداف تقع خارج حدود دولها، حيث أعلنت حركة الشباب المجاهدين استعدادها للمشاركة في القتال دعماً لعناصر تنظيم القاعدة باليمن، كما نفذت الحركة العديد من العمليات بأوغندا وكينيا، عقاباً للدولتين على مشاركتهما ضمن قوات الاتحاد الأفريقي بالصومال، وأهمها تفجيرات كمبالا في يوليو 2010، وعمليتي ويست جيت وجامعة جاريسا بكينيا في سبتمبر 2013 وأبريل 2015.
- مهاجمة مصالح الدول الغربية والمؤسسات الدولية:
ومن أبرز تلك الممارسات اختطاف الأجانب واتخاذهم كرهائن أو اغتيالهم، وضرب المنشآت الصناعية، وخطوط النفط والغاز، ومقرات المنظمات الدولية، والسفارات. ومثال ذلك تفجير بوكو حرام لمكتب الأمم المتحدة بأبوجا في أغسطس 2011، وهجوم جماعة أنصار الشريعة بليبيا على القنصلية الأمريكية ببنغازي في سبتمبر 2012.
كما تشارك تلك الحركات في مقاومة الوجود الغربي بالعالم الإسلامي، حيث أرسلت الجماعة السلفية للدعوة والقتال فرقاً من الجهاديين إلى العراق لمقاومة الاحتلال الأمريكي الغربي، كما سعت بعض الحركات لتجنيد عناصر أفريقية تعيش بالدول الغربية، وذلك لضرب مصالح الغرب في عقر داره، وأهمها: تفجيرات مدريد ولندن وغيرها.
• خامسا - آليات مواجهة الحركات التكفيرية:
تراوحت آليات مواجهة تلك الحركات بين الضربات الأمنية من جانب الحكومات في الدول المعنية، والحلفاء الإقليميين والدوليين، والمواجهة الإعلامية، وتدعيم الجماعات الإسلامية المعتدلة، وذلك على النحو التالي:
1- المواجهات الأمنية من خلال الحكومات الأفريقية:
هنا تلجأ الحكومات إلى توجيه ضربات أمنية تستهدف تصفية قيادات وأعضاء الحركات التكفيرية، وتدمير مراكز التدريب، ومخازن الأسلحة الخاصة بها. ففي نيجيريا، قامت الحكومة بتصفية واعتقال عناصر بوكو حرام، فاغتالت مؤسسها محمد يوسف في يوليو 2009. وفي الجزائر، لجأت الحكومة للضربات الأمنية المباشرة، وتكوين شبكة من المرشدين الأمنيين، بما مكنها من إبعاد تلك الحركات من المراكز الحضرية، وعزلهم بالمناطق الجبلية خارج العاصمة.
2- التدخلات العسكرية الإقليمية والدولية:
تنظر القوى الإقليمية والدولية للحركات التكفيرية باعتبارها خطر كبيراً على الاستقرار السياسي والأمني بأفريقيا؛ لذا فهي تتخوف من سيطرتها على السلطة بدولها، خاصة مع الدعم الذي تتلقاه من الأطراف الخارجية. كما تخشى نجاحها في ضم عناصر أجنبية، وامتداد تأثيراتها لدول الجوار. ولذلك قدمت تلك القوى أشكالاً مختلفة من الدعم للحكومات الأفريقية أهمها: نشر قوات تابعة للاتحاد الأفريقي "عملية أميصوم بالصومال"، والتدخل العسكرى من جان الدول الحليفة " التدخل الكيني في الصومال، والتدخل الإقليمي ضد جماعة بوكو حرام، والتدخل الأجنبي: ومن أمثلته التدخل الفرنسي ضد متمردي الطوارق والحركات التكفيرية المتحالفة معهم في مالي في يناير 2013.
3- تدعيم الجماعات الدينية المعتدلة:
تحرص الحكومات على تدعيم الجماعات الدينية المعتدلة، وذلك لتقديم خطاب ديني معتدل ومستنير، يمكن من خلاله دحض أفكار الجماعات التكفيرية. ففي الصومال دعمت الحكومة جماعة أهل السنة والجماعة، وهي جماعة صوفية معتدلة، لمواجهة الشباب المجاهدين. وفي نيجيريا تواجه الحكومة بوكو حرام من خلال هيئة علماء المسلمين، وجماعة "مسلمون ضد الإرهاب".
4- المواجهة الإعلامية:
هنا يتم استثمار أدوات الإعلام في مواجهة الجماعات التكفيرية، عبر دحض أفكارها وتوعية المواطنين بخطورتها. وعلى سبيل المثال، شنت الحكومة الصومالية هجوماً سياسياً وإعلامياً لاذعاً ضد الشباب المجاهدين، مؤكدة أنها جماعة إرهابية مدرجة على اللائحة الأمريكية للمنظمات الإرهابية منذ مارس 2008، وأنه لا يوجد بالصومال أي كيان يمارس المعارضة السياسية بالمعنى السياسي والقانوني لهذا المصطلح.
5- التفاوض وإصدار قوانين العفو العام:
بالتوازي مع الآليات السابقة، التي تقوم فلسفتها على الهجوم (أساليب العصا)، قد تلجأ بعض الحكومات لأساليب ترمي للاحتواء (أساليب الجزرة). ففي الجزائر، تم إصدار قانون الوئام المدني عام 1999، وقانون العفو العام عام 2006، والذي تضمن العفو عن العناصر الإسلامية المتشددة، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، ما لم يكن هؤلاء قد أدينوا فى عمليات قتل جماعية أو اغتصاب أو تفجيرات لأماكن عامة.
عند تقييم فاعلية السياسات والآليات المذكورة آنفاً، نجد أن هناك اعتماداً كبيراً على الآلية الأمنية، يلي ذلك أو يصاحبه التشويه الإعلامي، مع التركيز بشكل محدود على تدعيم القوى الإسلامية المعتدلة، وفتح قنوات للحوار مع تلك الحركات، ويعود ذلك إلى اعتماد التكفيريين على العنف المسلح كآلية لتحقيق أهدافهم، ورفضهم المطلق للحوار.
لكن تلك الآليات لم تؤتِ ثمارها المرجوة حتى الآن، فاستخدام الآليات الأمنية لم يسهم في خلق بيئة آمنة في أغلب الحالات. ومثال ذلك نيجيريا، حيث فشل نظام جوناثان جودلك في القضاء على بوكو حرام أو إضعافها، ما أدى لهزيمة جودلك في الانتخابات الرئاسية في أبريل 2015 أمام الجنرال محمد بخارى. وبالنسبة للتنظيمات المعتدلة التي تمت الاستعانة بها ضد تلك الحركات فقد كانت رهاناً خاسراً، خاصة بالنسبة للطرق الصوفية غير المؤهلة للخوض في معتركات السياسة.
أما عن أدوار القوى الإقليمية، فهي تنطلق أساساً من المصالح الوطنية لتلك القوى، التى ربما يؤدي تناقضها لإضعاف دورها، وتقدم الحالة الليبية مثالاً نموذجياً، في ظل تباين مصالح دول جوار ليبيا الست.
وبالنسبة لمواقف الدول الغربية، فقد غلب عليها التركيز على مواجهة مظاهر التطرف دون معالجته جذرياً، ما جعلها تعتمد أكثر على الآليات الأمنية، كما أن التنظيمات التي تم إدراجها على اللائحة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية اكتسبت مزيدا من الشهرة، بفضل الدعاية المجانية التي وفرتها لها أدوات الإعلام الغربية، بل إن خبرة المواجهة الغربية لتلك الحركات تشير إلى أنها لا تعمل بشكل حقيقي على مواجهة انتشارها، بقدر ما أنها تسعى لاستثمار الورقة الدينية في تحقيق أهدافها السياسية والأمنية بالقارة.
فالإدارة الأمريكية لم تقدم الدعم المناسب لنيجيريا في مواجهة بوكو حرام، مكتفية ببيانات التأييد لحكومتها. ويعود ذلك لرغبتها في توظيف الحركة كورقة رابحة، لتحجيم أي اتجاه مناوئ لحكومة أبوجا في إطار منظمة أوبك. والضغط على دول الساحل الأفريقي، لتقديم التنازلات فيما يتعلق بالقرارات السياسية، أو المبادلات الاقتصادية، وإرهاق فرنسا بالانشغال المستمر بالدفاع عن مصالحها الاستراتيجية في مستعمراتها السابقة، بعدما امتدت ذراع بوكو حرام للكاميرون وتشاد والنيجر.
aXA6IDE4LjIxNy4xMDQuMzYg
جزيرة ام اند امز