اتفاق مع السعودية من دون الإمارات؟.. لا الظروف تقبل ولا الملابسات. لا المنطق ولا العقل.
نقلت وكالة «تسنيم» الإيرانية خبراً مفاده أن الدوحة أرسلت رسالة إلى الرياض عبر الوسيط الكويتي تطلب فيها تسوية الخلاف مع السعودية بشرط أن تحصر نقاط الخلاف في الملف السعودي بعيداً عن الإمارات وملفها. وفي تحليل لها قالت الوكالة الإيرانية إن السعودية لا يمكن أن تفاوض أو تتفق وحدها نظراً لشراكة الإمارات مع السعودية في حرب اليمن. أول ما يجب أن يتوقف عنده المرء لدى قراءة الخبر المسرب هو المدى الذي وصلت إليه علاقة طهران مع الدوحة حتى تحصل الوكالة الفارسية على تصريح من هذا النوع، فها هي قطر تؤكد، في تصرف جديد، أنها مستعدة لبيع ضميرها وجيرانها وأشقائها لإيران أو لتركيا أو للشيطان في سبيل خدمة أفكارها الضيقة وتكتيكاتها الصغيرة، فإلى أين تسير الدوحة، ضمن هذه العلاقة المحرمة، بعد أن عزلت نفسها عزلاً قسرياً، ثم راحت «تنوح» رافعة راية المظلومية السوداء؟
إلى ذلك، فإن هذه الواقعة الغريبة التي نتمنى عدم وقوعها حتى لو وقعت، تشير، في أحد وجوهها، إلى فشل الدوحة في محاولاتها المستميتة شق الصف الخليجي، خصوصاً بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة
بهذا السلوك المشين الذي يتمنى المرء عدم وقوعه حتى لو وقع ترتمي قطر أكثر في أحضان أعداء المنطقة ومن هم، في الأصل، أعداء شعوب المنطقة، بمن في ذلك، الشعب القطري الشقيق، فبئس السياسة والاختيار والطريق.
هي واقعة يحار المرء فيها وقعت أم لم تقع، لكن لا غرابة حين تكون إيران طرفاً، وحين تكون قطر طرفاً، وحين يكون حمد بن خليفة وحين تتصرف قطر الوحيدة المنعزلة المعزولة، الموتورة المتوترة، والمرتبكة المربكة، بتصرف مستهجن يدل على أنها كتبت رسالتها الملغومة ويدها ترتعش، وهي التي حاولت أن تشق الصف الإماراتي مع وقبل الصف الخليجي، وكلما حاولت كان كلامها وفعلها، لدى قيادة وشعب الإمارات، ولدى كل عربي مخلص صميم، أشبه بالنكتة السمجة السخيفة، فليس إلا شغل المراهقة السياسية المدوية.
كان جواب السعودية، وفق الوكالة الإيرانية، الرفض، ومن معرفتنا بالسعودية، وبموقف خادم الحرمين الشريفين من قطر ومن حمد بن خليفة، ومن متابعة تاريخ الرجل الحافل بدعم العلاقة المتقدمة بين الرياض وأبوظبي والأشقاء بكل محبة وشفافية، فقد كان جواب الرياض المتوقع: نحن جاهزون يا قطر عندما تتهيئين لتسوية الخلاف مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر معاً، حيث القضية واحدة والحل واحد. كان هذا جواب السعودية التي تعرف قطر جيداً، والتي طالما أصابها غدر الدوحة ولدغت من الجحر القطري. القضية واحدة لكن مشكلة قطر أنها لا تفهم أو تصطنع وتفتعل أنها لا تفهم أو لا تريد أن تعرف الحقيقة التي يعرفها العالم كله من أقصاه إلى أقصاه، فلا حل منفرداً، ولا تسوية إلا بحل أزمة قطر من جميع جوانبها ومع الأطراف جميعاً.
إلى ذلك، فإن هذه الواقعة الغريبة التي نتمنى عدم وقوعها حتى لو وقعت، تشير، في أحد وجوهها، إلى فشل الدوحة في محاولاتها المستميتة شق الصف الخليجي، خصوصاً بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. حاولت وتحاول من خلال أبواقها الإعلامية المحلية والمستأجرة أو في الأصح «المأجورة»، وكذلك من خلال واجهاتها السياسية غير المسيسة للأسف، وهي التي لم تدخر وسيلة لاختلاق ونشر الفتن والمؤامرات، لكن هيهات. الخيانة القطرية ليست اختراعاً جديداً، وإنما هي اكتشاف تم اكتشافه بالتدريج منذ انقلاب حمد بن خليفة على أبيه خليفة بن حمد في عام 1995.
ولو أن هذه الواقعة التي نتمنى عدم وقوعها قد وقعت، فإن هناك شكاً كبيراً في أن دولة الكويت الشقيقة تحمل رسالة من نظام حمد بن خليفة إلى خادم الحرمين الشريفين مؤداها طلب تسوية الخلاف مع السعودية دون الإمارات، والشك أكبر في أن الكويت، وهي التي قامت، مشكورة، كوسيط كريم، منذ تفجر أزمة قطر، تقبل، في الأصل، تلك الرسالة القطرية الملغومة، فليست هذه أخلاق الكويت، ولن تكون الكويت مطية للخداع والتضليل الذي تمارسه الدوحة كسياسة وتستنشقه كأنه الهواء. مهمة الوسيط إنما في إطار وأفق الوساطة، والوساطة إنما، و«إنما» في اللغة العربية تفيد الحصر، بين قطر الداعمة للتطرف والإرهاب وتيارات الظلام والتكفير، والتي تتدخل في شؤون جيرانها وأشقائها على الدوام، وبين أربع دول متضامنة ضد دور أو أدوار قطر المشبوهة في المنطقة وفي الوطن العربي ككل. هذه الدول هي السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فليست المملكة العربية السعودية الشقيقة وحدها طرف الخلاف مع قطر، وإنما هذه الدول الأربع مجتمعة، وهي، مجتمعة، قبلت الوساطة الكويتية الكريمة.
والكويت أعرف من غيرها بموقف السعودية الصلب، وهي، أي السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود تقود محور الخير في المنطقة، في مواجهة محور الشر مشتملاً على إيران وحليفتها أو ذيلها قطر مع مليشيا الحوثي الإيرانية الطائفية، وتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، وما يسمى «حزب الله» الإرهابي. والدنيا كلها أعرف بمتانة وعمق العلاقة بين السعودية ودولة الإمارات، وإن علقت الوكالة الإخبارية الفارسية، مبررة الرفض السعودي لرسالة الدوحة الملغومة بمشاركة الإمارات في حرب اليمن، فالذي غاب عنها عمداً أو لؤماً أو نسياناً أو تناسياً، أن بين دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية اليوم علاقة استراتيجية شاملة ومبنية على حقائق موضوعية ووجدانية، مع اتسامها، بسبب من منطلقاتها ومساراتها وغاياتها، بسمة الاستدامة.
هذه دول تغلب مصالح شعوبها على كل ما عداها، وفي وعيها أن من عاداها يمثل نقيضها ونقيض رؤيتها للحاضر والمستقبل. لذلك فهي تخاصمه مجتمعة، وتفرض عليه شروطها مجتمعة، وتصالحه أو لا تصالحه مجتمعة.
اتفاق مع السعودية من دون الإمارات؟.. لا الظروف تقبل ولا الملابسات. لا المنطق ولا العقل. لا سياق المنطقة ولا السياق المضيء بين البلدين الشقيقين، وهما دافعا معاً عن أمن واستقرار ورفاه ووجود ومصير المنطقة والأمة والمقدسات في اليمن وفي غير اليمن، وهما من حافظا معاً على استمرار مجلس التعاون شامخاً فوق الخلافات والجراحات.
اتفاق مع السعودية من دون الإمارات؟.. تحسسي موضع ورقة التوت الأخيرة، والعبي غيرها يا قطر.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة