شابة فلسطينية تتحدى البطالة بالزراعة المائية
الزراعة المائية من الطرق الحديثة للزراعة؛ حيث لا تحتاج إلى تربة، لكنها تعتمد على الماء بشكل كامل لتوفير احتياجات النباتات من الغذاء.
وجدت المهندسة الزراعية الفلسطينية إرادة الزعانين نفسها أمام امتحانٍ معقد، بعد تخرجها بسنة واحدة، قضتها في البحث عن مصدر رزق.
ولم تنتظر الزعانين، حتى تعمل بشهادتها الجامعية، ووضعت أول بذور الكركديه في مجرى بلاستيكي ملأته بالماء، وتابعته بالمحلول المغذي، لتنجح تجربتها الأولى، وتعيدها على ثمار أخرى.
وأصبح شغلها الشاغل تطوير مشروعها الذي بدأته في مساحة بسيطة قرب منزل عائلتها، وليصبح اليوم مزاراً ترتاده وفود أجنبية وعربية وطلاب كلية الزراعة في قطاع غزة.
والزراعة المائية من الطرق الحديثة للزراعة؛ حيث لا تحتاج إلى تربة، لكنها تعتمد على الماء بشكل كامل لتوفير احتياجات النباتات من الغذاء اللازم للنمو؛ لذلك فهي تناسب المنازل.
الحكاية تبدأ بالإرادة
تقول المهندسة الزراعية إرادة الزعانين، 25 سنة، لــ"العين الإخبارية":"اتجهت إلى الزراعة المائية بمحض التجريب فقط، ولتطبيق ما تعلمته في كلية الزراعة، ولكن بعد سنة من التجربة أقول إنني اكتشفت عالماً آخر من عوالم الزراعة، عالما أحببته جداً، وناسب نفسيتي وطموحاتي".
وأضافت: "دخلت التجربة بقصد تطبيق معلوماتي التي اكتسبتها في كلية الزراعة، على أرض الواقع، إلا أن تجربتي بالبحث عن عمل وتعذر وجوده جعلتني أتمسك بفكرتي البسيطة، وأكرر محاولات زراعة بعض البذور التي لم يفكر في زراعتها أحد من قبل مثل (الكركديه، والبطيخ، والكوسا الصفراء، والفلفل الأسود، وغيرها) في مساحة بسيطة أقنعت عائلتي أن أستغلها لهذا الغرض، وساعدوني في تحقيق فكرتي".
تضيف إرادة الزعانين، أنها واجهت عقبات كثيرة في تنفيذ مشروعها الذي ولد فكرة، ومن ثم خطة، وأول عقبة كانت التمويل، لأن المشروع مكلف بالنسبة لخريجة جامعية عاطلة عن العمل، فتوجهت بفكرتها إلى جمعية إنقاذ الطفل والمستقبل الشبابي، وعرضت عليهم مشروعها فاستعدوا لتمويله، ومتابعته، فوافقوا عليه وتم دعمه، ضمن المشاريع الممولة من قبل ألمانيا.
وبعد تنفيذ أول مرحلة من المشروع بنجاح زراعة الكركدية، والفلفل الأسود، بدأت الزعانين بزيادة مساحة أكبر، والتواصل مع مهندسين زراعيين متخصصين بالسلامة البيئية والمياه، ممن تخرجوا معها من ذات الكلية، ليصبح مشروعها تحت عين واسعة، تدخل مرحلة الترشيد بالمياه والأسمدة والمحاليل المغذية، والتغلب على أمراض النباتات بعيداً عن المبيدات الضارة.
تقول المهندسة الزعانين إنها اختارت الزراعة المائية (الهيدروبونيك) لأسباب كثيرة، أولها أنها زراعة اقتصادية، وصديقة للبيئة، ولا تحتاج إلى أسمدة كثيرة، ولا مبيدات، وكل ما تحتاجها مواد أساسية كمواسير بلاستيكية وخيوط، ومحاليل مغذية، كما أنها تناسب سكان العمارات أو الذين لا يملكون أرضاً لزراعتها.
وتنصح الزعانين خريجي كلية الزراعة في قطاع غزة، أن يعكفوا على دراسة هذا النوع من الزراعة والتركيز عليها، لنشر ثقافة الترشيد، وتحسين مستوى المنتوجات الزراعية، واستغلال المساحات غير المستغلة في البيوت، وترى أن تجربتها في زراعة الهيدروبونيك علمتها قيمة الأشياء التي يصرفها الناس دون طائل، خاصة المياه، كونها استخدمت المياه في مشروعها بطريقة، ساعدت على خفض استهلاكه.
وأكدت أن المياه المستخدمة في مشروعها منذ بدايته إلى اليوم هي ذات المياه، لم تغيرها ولم تبدلها، كل ما هناك تحسنها بوضع المحاليل المغذية، وإنتاجها لم يتعرض لأي نتائج سلبية بالعكس تماماً، فالمنتوج يتحسن عن كل مرحلة سابقة.
عززت الزعانين مشروعها في تنبيت الخضار الورقية على الثمرية، خاصة الكركديه الذي دخل مجالاً مختلفاً عندها، حيث استخدمت أوراقه في المحاشي، كأوراق العنب.
وتؤكد أن طعمها يفوق طعم أوراق العنب المحشوة باللحم والأرز، فيما أن تجربتها بزراعة البطيخ حققت لها نجاحاً استثنائياً بعد أن تغلبت على مشكلة تحميل الثمرة، بعد كبر حجمها، خاصة أن البطيخ ينبت بشكل تسلقي، فحمّلتها في أكياس شبكية، بعد تعليقها وربطها بحبال قوية.
وتفيد المهندسة الزراعية أنها راضية عن مشروعها، خاصة بعد أن عرفت من قبل طلاب كلية الزراعة، وأصبح مشروعها كمختبر ومرجع لهم، كما أن مشروعها وضع ضمن أفضل المشاريع الزراعية المائية في قطاع غزة، فصار عنواناً للوفود الأجنبية المهتمة بالزراعة المائية، والتي تستحضرها المؤسسات المختصة.
تقول المهندسة إرادة الزعانين لـ"العين الإخبارية" إن أكبر مشكلة تواجه الخريجين الجامعيين في قطاع غزة، البطالة، ولكن خلق فرص عمل ذاتية، تتحول في ما بعد إلى مشاريع تشغيلية أمر ممكن، وهذا ما تسعى إليه في المرحلة القادمة، تحويل مشروعها الصغير إلى مشاريع كبيرة، ينضم إليها في تحقيق حلمها خريجين من كلية الزراعة، ويشرف عليها أساتذة ومهندسون.
كما أنها ترى في التسويق الإلكتروني مجالاً إضافياً لتشغيل اليد العاملة في قطاع غزة، كونها فعلاً اعتمدت على ترويج منتوجاتها الزراعية من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، وبدأت تعرف وتشتهر كصاحبة مشروع مختلف من خلال ما تعرضه على صفحاتها الشخصية.
الزراعة في قطاع غزة لم تعد حكراً على الأراضي ومشاكلها البيئية، ولكنها خرجت من عروة التربة إلى عرش الماء، وكل ما تحتاجه مؤمنون بهذه الزراعة، لكي تنتصر البيئة، وتنحسر البطالة، وتتحول أسقف المنازل إلى جنان.