"ذيل السمكة".. نظرية "القاعدة" للتمدد إلى غرب أفريقيا
من المغرب العربي إلى غرب أفريقيا، يمتد إرهاب تنظيم "القاعدة" منذ التسعينيات عبر "منافذ المناطق الهشة"، فيما يعرف بـ"ذيل السمكة".
امتداد يسمى في أدبيات التقارير والتحليلات الأمنية بنظرية "ذيل السمكة"، وهو التكتيك الذي اعتمده التنظيم الإرهابي المسمى "القاعدة ببلاد المغرب" في تمدده وتوسعه من شمال القارة الأفريقية إلى غربها، وتنفيذ عمليات إرهابية واسعة.
- 5 تنظيمات إرهابية.. خارطة الدم في الساحل الأفريقي
- 7 أمراء لتنظيم "القاعدة" ببلاد المغرب.. بينهم 4 قتلى
إلا أن الأكاديمي الجزائري المختص في الشؤون الأمنية والجماعات الإرهابية إدريس عطية كشف لـ"العين الإخبارية"، أن نظرية "ذيل السمكة" تكتيك لا يقتصر فقط على تنظيم "القاعدة" الإرهابي في أفريقيا، بل يتبناه تنظيم "داعش".
الخبير الأمني والسياسي ذهب أبعد من ذلك في تحليله للظاهرة الإرهابية المتمددة في أفريقيا، وكشف عن "تداخل في النظريات" التي تعتمد عليها معظم التنظيمات الإرهابية في القارة السمراء.
كما كشف عن أن القارة الأفريقية سجلت خلال النصف الأول من 2022 "أكبر نسبة عمليات إرهابية مسجلة في العالم" بنسبة 40% من إجمالي الهجمات الإرهابية التي ضربت العالم خلال هذه السنة.
قصة نشأة "القاعدة ببلاد المغرب"
"القاعدة في بلاد المغرب" هو تنظيم إرهابي ولد من رحم ما كان يعرف بـ"الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، وكان أحد أخطر التنظيمات التي خرجت من "الجيش الإرهابي للإنقاذ" في الجزائر، ونفذت عدة مجازر بشعة وعمليات انتحارية بهذا البلد العربي ضد المدنيين خلال ما كان يعرف بـ"العشرية السوداء".
ونفذ التنظيم عدة هجمات إرهابية بالجزائر، كان من أبرزها محاولة اغتيال الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة عام 2007، بعملية انتحارية استهدفت حشداً شعبياً كان في انتظار بوتفليقة بوسط محافظة باتنة (شرق).
إضافة إلى الهجوم المزدوج في أبريل/نيسان 2007 بسيارات مفخخة بالقرب من قصر الحكومة ومركز للشرطة في العاصمة، ما أدى لمقتل 30 شخصاً وجرح 220 آخرين.
ونتيجة للضربات الموجعة التي وجهها الجيش الجزائري لـ"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب" الذي كان يتحصن في الجهة الشرقية من الجزائر خاصة منذ 2010، تمكن عدد من قادته من الفرار إلى تونس ومالي.
ولا تزال فلول هذه التنظيم الإرهابي في بعض المناطق الجزائرية محاصرة ومشلولة عن تنفيذ عمليات إرهابية بفعل الضربات الاستباقية التي ينفذها الجيش الجزائري، وتمكنه في الأعوام الأخيرة من اصطياد عدد كبير من رؤوس الإرهاب.
وتأسست "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" سنة 1998 على يد الإرهابي المقبور حسان حطاب، قبل أن يخلفه على رأسها الإرهابي المقتول عبد المالك درودكال سنة 2003، وبعد عام من ذلك قرر درودكال مبايعة تنظيم "القاعدة".
وفي 24 يناير/كانون الثاني 2007، أعلن زعيم التنظيم الإرهابي (السابق) درودكال المكنى "أبو مصعب عبد الودود" مبايعته لتنظيم القاعدة، وتغيير اسم التنظيم إلى "القاعدة في بلاد المغرب".
وكان درودكال يعرف بأنه "خبير في صناعة المتفجرات"، قبل أن يتم القضاء عليه في عملية عسكرية شهر يونيو/حزيران 2020 نقذتها قوات فرنسية بالتنسيق مع قوات من دول المنطقة.
ولا توجد معلومات دقيقة عن عدد عناصر التنظيم الإرهابي، فيما تقدرهم بعض التقارير الأمنية بنحو 800 عنصر من مختلف الجنسيات.
ولجأ درودكال إلى التحالف مع تنظيمات مسلحة في مالي في إطار خطة لاستعادة التنظيم الإرهابي وتوسيع نشاطه في منطقة الساحل انطلاقاً من شمال مالي.
وقرر في أكتوبر/تشرين الثاني 2012 التحالف مع إياد غالي زعيم تنظيم "أنصار الدين" تزامناً وانطلاق الحملة الفرنسية على الجماعات الإرهابية شمال مالي أوائل 2013.
قبلها بسنوات، وبالتحديد في عام 2012، انشق مختار بلمختار عن "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب" وأسس "جماعة الملثمين" أو "الموقعون بالدم" التي نفذت الهجوم الإرهابي على منشأة تيغنتورين الغازية جنوبي الجزائر سنة 2013.
وفي النصف الثاني من 2013، أعلن الإرهابي بلمختار تحالفه مع "جماعة التوحيد والجهاد" في غرب أفريقيا وأسسا "جماعة المرابطون" والتي كانت تنشط في جنوب الجزائر، ثم في شمال مالي وجنوب ليبيا.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلن تنظيم القاعدة الإرهابي تعيين الإرهابي أبو عبيدة يوسف العنابي (من أصول جزائرية) زعيماً جديدا له عقب مقتل قائده الإرهابي عبدالمالك درودكال.
نظرية "ذيل السمكة"
وفي حديث لـ"العين الإخبارية" كشف إدريس عطية الأكاديمي الجزائري المختص في الشؤون الأمنية والسياسية والجماعات الإرهابية عن تفاصيل وحقيقة نظرية "ذيل السمكة"، وأسرار خطط الجماعات الإرهابية في تمددها بأفريقيا وعلى رأسها تنظيما "القاعدة" و"داعش".
وأوضح أن "نظرية ذيل السمكة هي تأكيد على الحركية ومسح منطقة جغرافية أو حيز جغرافي بعينه، بحيث تتحرك السمكة في أغلب الأحيان بحركات شبه دائرية والتوائية، وهذا ما يسمح للجماعات الإرهابية بأن تتحرك في أروقة جغرافية شبه دائرية في غرب أفريقيا وشمال أفريقيا ومنطقة الساحل".
"نظرية إرهابية شاملة"
الأكاديمي الجزائري لفت في حديثه لـ"العين الإخبارية" إلى أن هذه النظرية لا تقتصر على التنظيم الإرهابي المسمى "القاعدة ببلاد المغرب" بل حتى على تنظيم "داعش" الإرهابي.
وأرجع ذلك إلى "وجود تشابه بين تحركات القاعدة وداعش، ولا يمكن فصل بعض السلوكيات الإرهابية وكأن هناك مميزات خاصة بالقاعدة لوحدها ومميزات خاصة لداعش".
وأشار إلى "أن الاختلاف فقط بينهما في الطريقة التمويلية، والقاعدة ارتبطت كثيرا بجماعات وأفراد الجريمة المنظمة خاصة تجار المخدرات، بينما داعش اعتمد على تمويلات خارجية، أور ربما اعتمد على آليات مرتبطة بشكل أكبر بالأجندة الدولية سواء في الشرق الأوسط أو في أفريقيا وفي غيرها من المناطق".
صدارة العمليات الإرهابية
وعاد عطية إلى نظرية "ذيل السمكة"، وقال إن "العودة لنظرية تحرك تلك التنظيمات الإرهابية سواء في إطار التحرك الجغرافي، أي نظرية ذيل السمكة، فإن محاولات هذه التنظيمات الترحال من منطقة إلى أخرى بشكل جماعات أو بشكل أفراد، يضمن دائما هذه الحركية دون الغياب الكامل عن المشهد السياسي والأمني في المنطقة".
واستطرد محللا: "إلى جانب أن الحركات الإرهابية سواء في القاعدة أو داعش فإن كلاهما يريد استغلال حالة الفراغ السياسي والأمني في منطقة الساحل وغرب أفريقيا".
وكشف عن أن هذه المنطقة "سجلت ما يزيد عن 40 % من العمليات الإرهابية على مستوى العالم خلال النصف الأول من عام 2022".
نظرية "الذئاب المنفردة"
كما تحدث الأكاديمي الجزائري عن نظريات إرهابية أخرى، وقال في هذا الشأن: "يمكن إضافة العديد من النظريات خاصة إذا ما تحدثنا عن داعش التي أصبحت تعتمد على نظرية الذئاب المنفردة، وبالتالي تسعى دائما إلى برمجة أشخاص للقيام بعمليات إرهابية معزولة".
وتابع "ربما ما شهدته أوروبا في الوقت السابق وما تشهده الكثير من المناطق في القارة الأفريقية خاصة في المناطق الحضرية والآهلة بالسكان، مثال على هذه النظرية".
نظرية "الأثر الانتشاري"
وأشار أيضا إلى نظرية "الأثر الانتشاري"، وقال إن الجماعات الإرهابية تعتمد في بعض الحالات على نظرية "الأثر الانتشاري".
وأوضح أن "هذه النظرية تعوّدت القاعدة استخدامها في كل مناطق العالم، لأن القاعدة متواجدة في أكثر من 40 بلدا في العالم، في آسيا وأمريكا اللاتينية وحتى الشمالية، وفي أفريقيا وأوروبا".
وتابع قائلا: "وبالتالي فإن الأثر الانتشاري يضمن دائما استمرارية هذا العمل الذي يسميه هؤلاء الإرهابيون بالجهادي".
نظرية "حبات الفطر"
وأشار أيضا إلى تنظيم "داعش" الإرهابي "الذي اعتمد على نظرية حبات الفطر، وبالتالي فإن تحركات هذا التنظيم الإرهابي تظهر ربما بطريقة شبه متناغمة في مناطق مختلفة جغرافياً، لكن ظهورها يكون متقارباً زمنياً وهو ما يتم تشبيهه دائما بحبات الفطر التي توجد في الحقول أو السهول أو في غيرها من المناطق".
نظريات مترابطة
وأكد إدريس عطية "على أن هذه النظريات مترابطة، نستطيع أن ننظر لها على أنها تكاد أن تكون متكاملة، وإذا عدنا لتنظيمي القاعدة وداعش، نجد أهداف مشتركة بينهما وهي محاولة زعزعة السلم والأمن الإقليمييْن والقارييْن خاصة في قارة أفريقيا".
وتابع "يمكن القول على أن المنطقة تشهد إرهاب وافد يدخل في إطار الصناعة الدولية للإرهاب من أجل ربما تصفية الحسابات لدى الكثير من الدول الكبرى في المنطقة".
وختم بتوقع أن "يكون المشهد المقبل معقدا ويشهد عمليات إرهابية كثيرة على غرار ما تقوم به بوكو حرام في نيجيريا وغرب أفريقيا، والأمر نفسه بالنسبة لهذه التنظيمات الإرهابية التي ستشهد تحولا في وضعيتها وأدوارها وربما حتى تبدل في أجنداتها العقائدية من القاعدة إلى داعش والعكس".