أرض لم تعرف طريقاً للسلام إلا قليلاً.. ماذا نعرف عن مستشفى الشفاء بغزة؟
أين المفر؟ يتساءل أحد من لجأوا إلى مستشفى الشفاء الأكبر في غزة، مؤكدا "نحن تحت الحصار" في ظل الحرب المستعرة بين إسرائيل وحركة حماس.
فمن نقص للدواء إلى استهدافه بضربات إسرائيلية، بات المجمع الطبي الكبير في مدينة غزة يعيش ساعات عصيبة؛ فقاعاته ممتلئة بالجرحى، وخزائنه خاوية من الأدوية إلا القليل، فيما البكاء والأنين سيد الموقف، داخل أروقته.
فهذا عاطف الذي التقته وكالة «فرانس برس» في قاعة في المستشفى مليئة بالنقالات يقول: «نحن تحت الحصار، ونحتاج إلى مساعدة من المجتمع الدولي، والناس يموتون هنا بسبب نقص الدواء»، وهذه حنان التي تبكي بلا توقف حزنا على ابنتها «المصابة التي ترتعد خوفا مع كل انفجار».
وبين عاطف وحنان، يمشي محمد ريحان مستعينا بعكازين في باحة مستشفى الشفاء، بينما تتردد أصداء الانفجارات من حوله. ويقول لـ«فرانس برس»: «الناس يموتون، أشلاؤهم في الشوارع ولا نستطيع الذهاب لإحضارهم».
ويقول الجيش الإسرائيلي منذ أيام إن قواته تقاتل حركة حماس في قلب مدينة غزة. وقال متحدث باسمه مساء الخميس إن إحدى الفرق تنفذ عمليات كبيرة في منطقة «قريبة جدا» من مستشفى الشفاء.
وأكد المتحدث ريتشارد هيخت الجمعة: «نحن ندرك الطبيعة الحساسة للمستشفيات»، مضيفا «لكن إذا رأينا عناصر حماس يطلقون النار من المستشفيات فسنفعل ما يتعين علينا القيام به... إذا رأينا عناصر حماس فسنقتلهم».
نقطة اللاعودة
في مواجهة تقدم القوات الإسرائيلية والقصف الذي يدمر المباني، لجأ عشرات الآلاف من الغزّيين إلى مستشفيات المدينة التي كان عدد سكانها حوالي 600 ألف نسمة قبل الحرب، إلا أن «الدبابات الإسرائيلية تحاصرهم من كل جانب»، فيما الجيش الإسرائيلي يطالبهم بمغادرة بعض المستشفيات على الفور، بحسب إحدى الفتيات، في تصريح لـ«فرانس برس».
من جهتها، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان "إن نظام الرعاية الصحية في غزة الذي يعمل فوق طاقته وبإمدادات ضئيلة ويفتقد للأمان على نحو متزايد، وصل إلى نقطة اللاعودة ما يعرض حياة آلاف الجرحى والمرضى والنازحين للخطر".
وأكد مدير مستشفى الشفاء محمد أبو سلمية لوكالة فرانس برس وهو يرتدي الزي الطبي الأزرق أن «إسرائيل تستهدف جميع المستشفيات»، مضيفًا: «لا أتصور أنه يتم قصف مستشفيات وإخلاء مرضى في القرن الواحد والعشرين».
وشدد: «نحن لا نستطيع إخلاء مجمع الشفاء الطبي لأن هناك أكثر من 60 مريضا بالعناية المكثفة، وأكثر من خمسين رضيعا في قسم الخدج والحضانة، وأكثر من 500 مريض في أقسام غسيل الكلى».
وتعرض مستشفى الشفاء، لقصف صاروخي اليوم الجمعة، مما خلف 13 قتيلا، وفق مسؤولين فلسطينيين. ورفض الجيش الإسرائيلي التعليق على هذه الأنباء.
فلماذا مستشفى الشفاء وماذا نعرف عنه؟
ينشر الجيش الإسرائيلي بانتظام صورا ووثائق يقول إنها تظهر استعمال حماس مناطق المستشفيات في غزة لشن هجماتها وإنشاء بنيتها التحتية القتالية وأسلحتها. وتنفي حماس بشدة هذه الاتهامات.
وبات مستشفى الشفاء الذي يعد أكبر مستشفى في قطاع غزة بمساحة تبلغ 360 كيلومترا مربعا، في قلب الاتهامات الإسرائيلية؛ فالدولة العبرية قالت في الأسابيع الماضية إن مسلحي حركة حماس يخفون مراكز قيادة وأنفاقا تحت مستشفى الشفاء ومستشفيات أخرى.
وتنفي حماس والسلطات الصحية ومديرون في المستشفى أن تكون الحركة الفلسطينية تخفي بنية تحتية عسكرية داخل المستشفى أو تحته، وأبدوا ترحيبهم بأي تفتيش دولي.
فماذا نعرف عن مستشفى الشفاء؟
هو عبارة عن مجمع كبير من المباني والأفنية يقع على بعد بضع مئات من الأمتار من ميناء صيد صغير في مدينة غزة، وينحصر بين مخيم الشاطئ للاجئين وحي الرمال.
تاريخ مستشفى الشفاء
تقول وكالة «رويترز»، إن المستشفى شُيد عام 1946 خلال الحكم البريطاني، أي قبل عامين من انسحاب بريطانيا من فلسطين. وظل قائما خلال فترة إدارة مصر للقطاع التي استمرت عقدين تقريبا بعد حرب عام 1948.
وفي عام 1967، استولت إسرائيل على قطاع غزة، فيما بات مستشفى الشفاء مكانا محوريا لفترة طويلة -قبل سيطرة حماس على القطاع- يلجأ إليه العديد من الفلسطينيين خلال اشتباكات مع القوات الإسرائيلية.
وكتبت صحيفة «ذا تايمز» اللندنية عام 1971 عن معركة بالأسلحة النارية بين مسلح فلسطيني اختبأ تحت سرير في غرفة الممرضات ودورية للجيش الإسرائيلي كانت تفتش المستشفى.
وخلال الأسبوع الأول من الانتفاضة الأولى في عام 1987، أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» أنباء عن وقوع مواجهات ألقى خلالها عدة مئات من الفلسطينيين الحجارة على جنود إسرائيليين خارج المستشفى وهم يهتفون «تعالوا اقتلونا أو ارحلوا».
إعادة تصميم المستشفى
ذكرت تقارير إخبارية إسرائيلية أن مهندسين معماريين من إسرائيل أشرفوا على تجديد المستشفى وتصميمه من جديد في ثمانينيات القرن الماضي.
وكتب تسفي الحياني، مؤسس أرشيف الهندسة المعمارية الإسرائيلية، على موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم الخميس: «بمساعدة الدعم الأمريكي، شرعت إسرائيل في مشروع لتجديد مجمع المستشفى وتوسعته. وتضمن هذا المشروع أيضا تركيب أرضية خرسانية تحت الأرض. في حدث مؤسف، استولت حماس على هذه المنطقة الواقعة تحت الأرض في السنوات الماضية»، دون تقديم دليل على ادعائه.
انتقال السيطرة إلى حماس
في عام 1994، أدت قوات الأمن التي كانت تسيطر عليها حركة فتح، التحية للعلم الفلسطيني بعد رفعه فوق المستشفى عندما مُنح الفلسطينيون حكما ذاتيا محدودا في غزة خلال عملية أوسلو للسلام.
وانتقلت السيطرة الفعلية على المستشفى بعد ذلك من السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها فتح إلى حماس بعد الفوز المفاجئ الذي حققته الحركة في انتخابات عام 2006، وبسط نفوذها العسكري على غزة عام 2007.
وفي أثناء الصراع على السلطة بين فتح وحماس الذي تصاعد حتى استيلاء الحركة على القطاع، كان مستشفى الشفاء وغيره من المستشفيات يستخدم لعلاج المسلحين من الجانبين بموجب صيغة من صيغ الهدنة بألا يؤذي أي منهما جرحى الطرف الآخر.
وقالت إسرائيل في وقت سابق إن مسلحي حماس يختبئون في مناطق تحت مستشفى الشفاء، وهو الأمر ذاته الذي ادعته خلال حرب 2008-2009 التي قُتل فيها أكثر من 1400 فلسطيني و13 إسرائيليا.
aXA6IDMuMTQ3Ljg2LjI0NiA= جزيرة ام اند امز