"بن فليس" يعتزل السياسة إثر خسارته بانتخابات الرئاسة الجزائرية
رئيس الوزراء الجزائري الأسبق أعلن في حفل توديع رسمي بمقر حزبه بالجزائر العاصمة، اعتزاله نصف قرن من الحياة السياسية والقانونية.
قرر علي بن فليس رئيس حزب "طلائع الحريات" المعارض والمرشح لانتخابات الرئاسة الجزائرية الأخيرة وضع حد لمشواره السياسي والانسحاب من الحياة السياسية بشكل نهائي.
- تبون يشكر الجزائريين وبن فليس يلمح لـ"اعتزال السياسة"
- حبس مؤقت لمسؤول بحملة مرشح رئاسي بالجزائر بتهمة التجسس
وأعلن علي بن فليس البالغ من العمر 75 عاما في حفل توديع رسمي بمقر حزبه بالجزائر العاصمة، الأحد، رسمياً اعتزاله نصف قرن من الحياة السياسية والقانونية.
وأمام أعضاء حملته الانتخابية، قال بن فليس "قررت الانسحاب من الحياة السياسية وتسليم مشعل الحزب للشباب وسأواصل العمل بقلمي وبأفكاري"، ودعا مناضلي حزبه إلى مواصلة "النضال خدمة للجزائر والجزائريين" كما قال.
وجاء اعتزال المعارض الجزائري البارز ورئيس الوزراء الأسبق بعد خسارته للمرة الثالثة في انتخابات الرئاسة، التي حل بها ثالثاً بنسبة 10.55% بـ896 ألف و934 صوتا.
وترشح بن فليس أول مرة للانتخابات الرئاسية في 2004 ضد حليفه السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وحل ثانياً 6.42%، ثم في انتخابات 2014 التي حصل فيها على نسبة 12.2% في المركز الثاني أيضا خلف بوتفليقة.
وألمح المرشح الرئاسي، الجمعة، بعد إعلان النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة لموقف مرتقب للاعتزال السياسي، بعد حديثه عن قرار "تسليم المشعل للشباب كما وعدتكم"، وقرر عدم تقديم طعن في نتائج الانتخابات.
وردد بن فليس جملة مرتين متتاليتين، قرأها المتابعون على أنها إعلان رسمي للانسحاب من الحياة السياسية، قال فيها "إن الرجال يأتون ويذهبون وقدر القضايا - والقضايا وحدها - الديمومة والبقاء، وكُتب الخلود للأفكار وليس لحامليها".
ودعا بن فليس في ندوة صحفية بمقر حملته الانتخابية الرافضين للانتخابات إلى "الحذر والتزام الهدوء حفاظاً على أمن البلد".
كما وجه رسالة ضمنية للرئيس المنتخب عبدالمجيد تبون، دعاه فيها إلى "لم شمل الجزائريين" لتجاوز الأزمة السياسية والوصول بالبلاد إلى تحقيق المطالب التي رفعها الجزائريون في مظاهراتهم منذ فبراير/شباط الماضي.
ويعد قرار المرشح الرئاسي بالاعتزال السياسي سابقة في تاريخ الجزائر، خاصة وأن انسحابه أيضا جاء أيضا من رئاسة الحزب الذي أسسه عام 2014.
وأعرب متابعون للشأن السياسي في الجزائر عن تفاجؤهم لقرار اعتزال شخصية سياسية بارزة، وعدوها "خسارة للجزائر وللساحة السياسية"، وقرأها متابعون على أنها "مؤشر على بداية تغيير كبير في الساحة السياسية الجزائرية".
بينما رأى فيها آخرون إحراجاً لسياسيين آخرين تشبثوا في مناصبهم الحزبية وزعموا معارضتهم لبقاء بوتفليقة 20 سنة في الحكم، بينهم الإخواني عبدالله جاب الله الذي فاق عمره السياسي حكم بوتفليقة للجزائر، منذ تأسيسه ما يعرف بـ"حركة النهضة" سنة 1990، ثم تفريخه تيارين إخوانيين آخرين، بسبب المعارضة التي لقيها داخل تلك التيارات لـ"تفرده بالقرار وبزعامة التيار" كما صرح قياديون إخوان لوسائل إعلام محلية.
وتزامن قرار رئيس الوزراء الجزائري الأسبق مع "قضية التجسس" التي أحرجت علي بن فليس عشية انتخابات الرئاسة، بعد توقيف الأمن مسؤولاً في حملته الانتخابية.
وأصدرت وزارة العدل الجزائرية الأسبوع الماضي بياناً باسم محكمة "بئر مراد رايس"، أكدت فيه اعتقال مسؤول في حملة بن فليس الانتخابية ووضعه رهن الحبس المؤقت بتهمة "التجسس لصالح دولة أجنبية" لم يتم ذكرها من خلال قيامه بـ"نشاط استخباراتي"، كما لم يوضح إن كان الأمر مرتبطاً باختراق حملة المرشح الرئاسي.
وتحدث البيان عن "قيام الشخص الموقوف بأفعال استخباراتية لصالح دولة أجنبية، كان قد وافاها وبصفة منتظمة بتقارير حول الوضع القائم في الجزائر عامة، وحول ظروف تحضير الانتخابات خاصة"، وأشارت إلى اعترافه بـ"علاقته بعلي بن فليس منذ 2003 من خلال خدمات قدمها له".
وسارع علي بن فليس للرد على البيان، وأكد أن "جهات أجنبية استهدفته واخترقت حملته الانتخابية"، وأرجع ذلك إلى "مواقفه من قضايا محاربة الفساد التي أزعجت دوائر أجنبية على صلة بتلك القضايا".
مشوار سياسي عمره 50 عاما
يعد علي بن فليس من أبرز السياسيين الذي مروا على المشهد السياسي، وبرز بشكل أكبر في عهد الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، بعد أن بدأ معه مديراً لحملته الانتخابية ثم رئيساً لحكومته، إلى أن بات "أشد معارضي نظامه" منذ 2003.
ويقول المراقبون إن بن فليس يحسب له جرأته في معارضة نظام بوتفليقة، ومواجهته في الانتخابات الرئاسية مرتين بشكل جعله يثير مخاوف الجناح التابع لبوتفليقة في النظام الجزائري، رغم خسارته فيها، متهماً النظام السابق بـ"تزوير الانتخابات".
بن فليس من "الجيل الثاني للثورة التحريرية" الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954 – 1962)، ولد في 8 سبتمبر/أيلول 1944 بمحافظة باتنة شرقي الجزائر، وابن شهيد من الثورة التحريرية.
تخصص في القانون بعد أن درس في كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر العاصمة التي تخرج فيها عام 1968 بشهادة الليسانس "بكالوريوس".
انطلق بعدها بن فليس وأصبح واحداً من أبرز القضاة في الجزائر، وكانت محكمة البليدة (وسط) أول تجربة له في مجال القضاء عام 1968، ثم مناصب رفيعة في سلك القضاء من وكيل للجمهورية إلى نائب عام في بعض المجالس القضائية من 1969 إلى 1974.
وفي 1974 دخل بن فليس إلى سلك المحاماة، وانتخب بمسقط رأسه بمحافظة باتنة نقيباً للمحامين من 1983 إلى 1985.
بعد أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988، أحدث الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد تغييرات حكومية، عين علي بن فليس وزيراً للعدل عام 1988، وحافظ على منصبه في 3 حكومات متتالية، قبل أن يقدم استقالته في أكتوبر/تشرين الأول 1991، احتجاجاً "على المعتقلات التي أنشأت في الصحراء الجزائرية"، كما ذكر في تصريحات صحفية.
عاد اسم بن فليس إلى واجهة الأحداث السياسية في الجزائر بصفة "مدير لحملة بوتفليقة الانتخابية" سنة 1999 التي كانت في أول انتخابات رئاسية يخوضها الرئيس الجزائري المستقيل في أبريل/نيسان 1999.
تولى بعدها الحقوقي والمحامي منصب "مدير ديوان الرئاسة" عام 1999، ثم رئيساً للحكومة من أغسطس/آب 2000 إلى مايو/أيار 2003، وأميناً عاماً لحزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم من 2001 إلى 2004، قبل أن ينشق عنه ويؤسس حزب "طلائع الحريات" المعارض سنة 2014 مع مجموعة من الوزراء السابقين.
وفي تصريحات لوسائل إعلام محلية، كشف بن فليس أسباب "الطلاق السياسي مع بوتفليقة" سنة 2003، وأرجع ذلك إلى رفضه مشروع قانون المحروقات الذي قال إنه "يبيع ثروات البلاد للشركات الأجنبية".
وقرر بن فليس منافسة بوتفليقة في انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2004 بدعم من قائد أركان الجيش السابق محمد العماري، ثم ابتعد عن المشهد لفترة 10 سنوات كاملة، ويعود عشية انتخابات الرئاسة التي جرت في 2014 ليترشح مرة ثانية ضد بوتفليقة.
واتهم بن فليس نظام بوتفليقة بـ"الانتقام منه ومن كل داعميه في انتخابات 2004 و2014"، ويصفه المراقبون بـ"أكثر الشخصيات المتمردة على نظام بوتفليقة بعد أن كان يده اليمنى".
وفي العشرية الأخيرة، تبنى علي بن فليس خطاباً معارضاً لنظام بوتفليقة، وكان من بين السياسيين النادرين الذين وصفوا نظامه بـ"العصابة المتحكمة في البلاد"، وشارك مع بقية أحزاب المعارضة في طرح مبادرات لما أسمتها "إنقاذ الجزائر من نظام بوتفليقة".
علي بن فليس.. اكتشاف صانع الرؤساء
ينطبق على رئيس حزب طلائع الحريات المعارض علي بن فليس وصف "الشريك المفروض على حكم بوتفليقة ومن الحرس القديم للنظام الجزائري"، بعد أن تم الدفع به من قبل أحد أجنحة النظام نهاية التسعينيات، الذي كان يقوده قائد جهاز المخابرات الأسبق "العربي بلخير" الذي كان يوصف بـ"صانع الرؤساء".
وفي فبراير/شباط 2010، نشر النقيب السابق في المخابرات الجزائرية هشام عبود شهادة مطولة في صحف جزائرية عن الجنرال العربي أياماً بعد وفاة الأخير، كشف خلالها "علاقة الجنرال بالمحامي".
في شهادته، كشف هشام عبود عن تفاصيل "حديث مُركز" بينه وبين الجنرال العربي بلخير، أخبره فيه كيف ساعد شخصيات كثيرة لبلوغ أعلى مناصب المسؤولية "لخدمة الجزائر"، كان من بينها علي بن فليس "الذي بدأ محامياً بسيطاً في مدينة باتنة" (شرق).
وبعد تولي قاصدي مرباح رئاسة الحكومة الجزائرية في نوفمبر/تشرين الثاني 1988، اقترح عليه الجنرال العربي بلخير اسم علي بن فليس في منصب وزير العدل، لتكون تلك الوزارة أول مدخل لعلي بن فليس إلى النظام الجزائري، ويتم "فرضه" أيضا في حكومتي مولود حمروش وسيد أحمد غزالي، كما ورد في شهادة هشام عبود.
وعن أسباب "دفع" الجنرال العربي بلخير بوزير العدل الأسبق علي بن فليس ليكون مديراً لحملة عبدالعزيز بوتفليقة قبيل انتخابات الرئاسة التي جرت في أبريل/نيسان 1999 كما ذكر هشام عبود في شهادته، كشف وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار عن تفاصيل ذلك، وأسباب اختيار بن فليس تحديداً لتلك المهمة، والتي كان من بينها الحسابات الانتخابية المتعلقة بضمان أصوات منطقة الشرق الجزائري لمرشح من منطقة الغرب.
وفي كتاب له بعنوان "بوتفليقة.. مؤشرات الانهيار" الصادر في يونيو/حزيران 2019، وفي الجزء المعنون بـ: "أقل المرشحين رداءة"، كتب خالد نزار: "تبنت منطقة الشرق والأوراس على الخصوص بصدر رحب، ذلك أن وجود علي بن فليس ابن البلد إلى جانب بوتفليقة أقنع من لم يزل لديه شك وجذب إليه الأصوات المساندة".