هل تكتب تعديلات دستور الجزائر نهاية الإخوان؟
هل سارت رياح التغيير عقب تمرير التعديلات الدستورية قي الجزائر بما لا تشتهيه سفينة الفتنة التي أراد جماعة الإخوان إحداثها؟
نزلت نتائج الاستفتاء الشعبي على الدستور كالصاعقة على إخوان الجزائر، بعد أن استهلكوا ما تبقى لهم من ألاعيب الفتنة طوال 4 أسابيع، لإقناع الناخبين بما أسموه "مخاطر الدستور" على حد زعمهم، والذي يكتب نهايتهم.
لكن عجب إصرار جماعة الإخوان على تشويه ما ورد من تعديلات دستورية بطُل بعد أن عُرفت نيتهم ومقاصدهم بل ومخاوفهم قبل هذا التاريخ، عندما ركزوا على انتقاد المواد الدستورية المتعلقة بطبيعة نظام الحكم "دون غيرها".
- 4 أسباب ترعب إخوان الجزائر من تعديل الدستور.. "يكتب نهايتهم"
- استفتاء الجزائر.. البدو يصوتون والأمن يرصد تحركات الإخوان
تعامي إخوان الجزائر عن النصوص الدستورية التي أثارت الجدل في الشارع الجزائري أو التي لاقت إجماعاً على تثمينها، وتركيزهم على "كل تفاصيل ما يوصلهم إلى سدة الحكم"، له من المبررات الموضوعية والحقائق الواقعية التي لم تعد خفية على الجزائريين خصوصاً منذ حراك 22 فبراير/شباط 2019، تفضح نواياهم وتُسقط ما تبقى لهم من أقنعة تجاوزها الزمن والأحداث.
الإخوان المنافقون
ولم يسبق لجماعة الإخوان في الجزائر الممثلة فيما يسمى "حركة مجتمع السلم" و"جبهة العدالة والتنمية" أن "تحمستا في جبهة واحدة ضد مشروع قانون أو دستور معدل" بهذا الشكل.
وهي التي لم يُسمع لها حس في التعديلات الدستورية الثلاث التي أجريت في عهد بوتفليقة دون أن تمرَّر على قرار الجزائريين، وكانت سبباً في اتساع هوة الثقة بين السلطة والشعب كما يقول العارفون بالشأن السياسي الجزائري، وباعتراف رئيس البلاد الحالي عبد المجيد تبون.
تعديلات بوتفليقة أثارت حينها الكثير من الجدل، فتح العهدات الرئاسية ثم أعاد غلقها، وتحول الفساد "باسم القانون" إلى "سياسة في حد ذاتها"، حتى إن دستور فبراير/شباط 2016 الذي وُصف بـ"دستور الصلاحيات الإمبراطورية" لرئيس البلاد، لم "يدغدغ مشاعر الوطنية ولا الإسلامية" عند المتاجرين بالدين والوطن في الجزائر من "فصيلة الإخوان".
دستور بوتفليقة 2016، أثبتت الأعوام بأنه كان "كتلة من الألغام القانونية" التي كادت تُدخل الجزائر في نفق مظلم بعد استقالته في 2 أبريل/نيسان 2019، إلا أن الإخوان سمحوا بتمريره، كما شاركوا في كل الانتخابات التي جرت في البلاد والتي نظمتها سلطة زعموا بأنهم "لا يعترفون بشرعيتها"، لكن "مناصبها ومقاعدها وأموالها وامتيازاتها حلال زلال" عند "إخوان أي شيء إلا المنطق والولاء للوطن".
لكن تياري "حمس" و"جعت" الإخوانيين الجزائريين سارعا هذه المرة، بل هرولا لإفشال تمرير "دستور التغيير" أو "دستور الجزائر الجديدة" التي يقول مراقبون إنه "لا مكان فيها للتجار بالدين والوطن والمال والعباد".
الإخوان الفتّانون
وعشية الاستفتاء الشعبي لتعديل الدستور "خرجت فتنة الإخوان بما ظهر منها وما بطن"، بعد أن رصد الأمن الجزائري محاولات جماعة الإخوان لتشويه التعديلات الواردة في الدستور عبر "مناشير تحريضية" ذكّرت الجزائريين بمناشير "الفتنة والتهديد بالقتل" التي كانت أحد أسلحة "الجبهة الإرهابية للإنقاذ" الإخوانية المحظورة فترة العشرية السوداء.
تدخل الأمن الجزائري كان سريعاً وحازماً، أفشل مخططات الإخوان لإفشال الدستور في "الربع ساعة الأخير"، حتى إن الجزائريين لم تمر عليهم هذه المرة "تعويذات الفتنة الإخوانية"، وكانوا لها بالمرصاد.
وتداول رواد مواقع التواصل صوراً لأتباع الإخواني عبد الله جاب الله رئيس ما يعرف بـ"جبهة العدالة والتنمية" وهو يضعون صوراً تدعوا للتصويت بـ"لا"، كما منع الأمن الجزائري الإخواني جاب الله من تنظيم مؤتمرات انتخابية بعنوان "مخاطر الدستور" على حد زعمه.
وطالب عدد كبير من النشطاء والمغردين من الإخواني جاب الله "التوقف عن إحداث الفتنة"، وحذروا من محاولات الإخوان لخلط الأوراق في الجزائر "بعد أن تأكدوا بأن الإصلاحات السياسية الأخيرة تكتب نهايتهم وتحيلهم إلى المتحف" وفق ما ورد في كثير من ردود أفعال الجزائريين عبر منصات التواصل.
الإخوان المنتهون
تمخض استفتاء الجزائر ليكتب بداية نهاية الإخوان وزيف شعاراتهم، لم يجُرّوا معه خيبة سياسية وانتخابية جديدة فقط، بل إن "التغيير القادم الوارد في الدستور هو الذي سيجر الإخوان إلى حجمهم الحقيقي" بعد عقود من الزور والبهتان وتضليل الجزائريين بأنهم "قوة ضاربة لا تُقهر" في الشارع الجزائري وفكر مجتمعه.
نهاية ألمحت إليها الرئاسة الجزائرية، في سبتمبر/أيلول الماضي، عندما اعترفت للمرة الأولى بوجود "نظام محاصصة سري" في الانتخابات التشريعية والمحلية يعتمد على شراء المقاعد والذمم، ومنح "المكانة السياسية تحت الطاولة".
اعتراف يؤكد ما انفردت به "العين الإخبارية" في تقارير سابقة عن النظام المعروف في الجزائر بـ"الكوتا"، والذي كان بمثابة الشجرة التي غطت غابة حقيقة وزن جماعة الإخوان في الساحة السياسية، بعد أن كانوا من أكثر من المستفيدين منه لأكثر من عقدين كاملين.
موقف الرئاسة الجزائرية، جاء عقب تنصيب الرئيس عبد المجيد تبون "اللجنة الوطنية المكلفة بإعداد مراجعة القانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي" والذي يعد الخطوة الثانية في مسار الاصلاحات السياسية التي باشرها بعد تعديل الدستور.
وشدد تبون على أن مهمة اللجنة تكمن في "تحديد مقاييس انتخابية شفافة تقطع نهائياً مع ممارسات الماضي السلبية بمنع المحاصصة (الكوتا) في توزيع المقاعد وشراء الذمم، والفصل بين المال والسياسة، كشروط لا بد منها لأخلقة الحياة السياسية".
وكذا "ضمان انتخابات تعبر حقاً ودون منازع عن الإرادة الشعبية، وبذلك تنبثق عنها مؤسسات ديمقراطية نظيفة، ذات مستوى ومصداقية، مفتوحة للشباب لا سيما للجامعيين منهم، والمجتمع المدني".
ما يعني في المحصلة أن "دستور التغيير" الجديد سيعمل على تغيير قوانين "لعبة القمار السياسي" التي أجادها الإخوان، وكانوا الرابحين الدائمين فيها طوال 3 عقود كاملة، بعد تغيير قانون الانتخاب كمرحلة ثانية من الإصلاحات السياسية، "مرجعيته القانونية والأساسية دستور الجزائر الجديد".
ولطالما كان "نظام المحاصصة السري" من المواضيع المسكوت عنها في الوسطين السياسي والإعلامي بالجزائر، لما يشكله ذلك من حرج لمختلف التشكيلات السياسية التي استفادت منه خصوصاً التيارات الإخوانية التي "زعمت التخندق في المعارضة".
وكشفت مصادر سياسية مسؤولة في وقت سابق لـ"العين الإخبارية" عن أن التيارات الإخوانية كانت من أكثر المستفيدين من نظام المحاصصة السري لأزيد من عقدين، وهو النظام "الذي أعطاها في البرلمان والمجالس المحلية أكثر من حجمها السياسي وقاعدتها الشعبية".
وأعلنت السلطة المستقلة للانتخابات بالجزائر، في وقت سابق اليوم الإثنين، عن النتائج الأولية لاستفتاء تعديل الدستور الذي جرى الأحد، وحصل على موافقة أغلبية الناخبين، في نتيجة تتوافق مع ما نشرته "العين الإخبارية" بعد قليل من إغلاق الصناديق.
وحصل استفتاء تعديل الدستور على الأغلبية المطلوبة لتمريره، حيث أعلن محمد شرفي رئيس السلطة المستقلة للانتخابات بالجزائر في مؤتمر صحفي عن تصويت 3 ملايين و355 ألفا و518 ناخبا بـ"نعم" على الدستور وهو ما يمثل نسبة 66.80%.
فيما بلغ عدد المصوتين بـ"لا" على الدستور 1 مليون و671 ألفا و867 ما يمثل نسبة 33.20%.