خبراء جزائريون: قانون تجريم العنصرية مهم لكنه ليس كافيا
عبدالمجيد تبون يوجه رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد بإعداد مشروع قانون يجرم كل مظاهر العنصرية وخطاب الكراهية في البلاد.
كشف خبراء ومحللون سياسيون لـ"العين الإخبارية" عن أسباب إعداد الحكومة مشروع قانون يجرم كافة مظاهر العنصرية والكراهية في المجتمع الجزائري، مشيرين إلى أنها خطوة مهمة، ولكنها غير كافية.
- الرئيس الجزائري يأمر بإعداد قانون يجرم مظاهر العنصرية وخطاب الكراهية
- رئيس الجزائر يضع "خارطة طريق صارمة" لبناء جمهورية جديدة
ووجه، الإثنين، عبدالمجيد تبون تعليماته لرئيس الوزراء، عبدالعزيز جراد، بإعداد مشروع قانون يجرم كل مظاهر العنصرية وخطاب الكراهية في البلاد.
وأشار بيان الرئاسة الجزائرية إلى أن الإجراء يأتي بعد "أن لوحظ ازدياد خطاب الكراهية والحث على الفتنة خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي".
ولفت إلى أنه "يأتي لسد الباب في وجه أولئك الذين يستغلون حرية وسلمية الحراك برفع شعارات تهدد الانسجام الوطني".
وأكد أن "الجميع مطالبون بالتقيد بالدستور وقوانين الجمهورية، لا سيما فيما يتعلق باحترام ثوابت الأمة وقيمها، والمكونات الأساسية للهوية الوطنية والوحدة الوطنية ورموز الدولة والشعب".
وأشار الخبراء إلى الأسباب "الظاهرة والخفية" التي دفعت السلطات الجزائرية للتحرك العاجل بينها أسباب تاريخية وسياسية وحتى دينية، والتي تغذي وفق المراقبين "ارتفاع منسوب الكراهية والعنصرية في المجتمع".
بينما أرجعها البعض إلى تراكمات سياسات نظام بوتفليقة، خاصة فيما يتعلق بملف الهوية الذي يجمع المراقبون على وصفه بأنه "واحد من أكبر ألغام الفتنة" الذي استثمر فيه النظام السابق.
أسباب تاريخية
قرار الرئاسة الجزائرية تزامن مع احتفالات رأس السنة الأمازيغية المصادف لـ12 يناير/كانون الثاني، والذي بات عيداً وطنياً رسمياً بقرار من الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة نهاية 2017.
غير أن عيد هذا العام كان مختلفاً، واتسم بجدل حاد بين الجزائريين، أخذ أبعاداً وصفها المتابعون بـ"الخطرة"، بعدما طالب بعضهم بـ"إلغاء العيد والأمازيغية باعتبارها لغة وطنية ورسمية وعدم إجبار تلاميذ المدارس على تعلمها".
وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ما يشبه "ساحة حرب تعصب" بين مدافعين عن الأمازيغ، وآخرين عن العرب عن "أسبقية تواجد الأمازيغ أم العرب بالجزائر"، استعمل فيها كل طرف "عبارات عنصرية"، وصلت إلى حد "التشكيك والطعن في الوطنية والديانة وتبادل اتهامات الخيانة".
موقف آخر أثار الكثير من الجدل، أطلقه السيناريست ومدير الثقافة لمحافظة المسيلة (جنوب شرق) رابح ظريف، بعد أن كتب منشوراً عبر صفحته على "الفيسبوك" اتهم فيه المناضل السابق في الثورة التحريرية بـ"الخائن والعميل للاستعمار الفرنسي".
وعد مؤتمر "الصومام" بـ"الانقلاب على إرادة الشعب"، وهو المؤتمر الذي عقد عامين بعد اندلاع الثورة التحريرية (1954) ضم عدداً من قادة الثورة في 20 أغسطس/آب 1956، حدد فيها "أولوية السياسي على العسكري" في تولي مناصب المسؤولية بعد استقلال الجزائر.
واستدعت مواقف "بيطاط" (المقرب من عز الدين ميهوبي الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي) وزارة الثقافة إلى إقالته من منصبه وتبرأت من تصريحاته، واستدعي من قبل جهات أمنية للتحقيق معه.
أسباب دينية
كما تزامن موقف الرئاسة الجزائرية مع المنشور المثير للجدل الذي كتبه على موقع "الفيسبوك" الباحث "سعيد جاب الخير" المختص في التصوف والطرق الصوفية، والذي وصف فيه الحج وأضحية العيد بـ"الطقوس الوثنية".
وجاء موقف الباحث رداً على الانتقادات التي طالت احتفالات رأس السنة الأمازيغية، والتي ارتدى فيها البعض "ألبسة ترمز إلى العصور الوسطى".
ووقّع نشطاء سياسيون وحقوقيون عريضة دعوا فيها إلى معاقبة "سعيد جاب الخير" استناداً إلى قانون العقوبات الجزائري الذي يُجرم الاستهزاء بالدين أو بأية شعيرة من شعائر الإسلام، كما ورد في بيانهم.
أسباب سياسية
وشهدت مواقع التواصل في الأسابيع الأخيرة دعوات لما أسمتها "مقاطعة منتجات منطقة القبائل" الأمازيغية في إشارة إلى رجل الأعمال يسعد ربراب الذي أُطلق سراحه بداية العام الحالي، والذي يملك عدة مصانع في الصناعات الغذائية وغيرها.
ويرى المراقبون أن نظام بوتفليقة "عرف جيداً كيف يلعب بورقة العنصرية ويتركها لغماً يصعب تفكيكه في حال سحب البساط منه".
وتجلى ذلك في "رجال الأعمال الذين منحهم امتيازات ونفوذاً كبيراً المنحدرين جميعهم من منطقة القبائل، وغالبيتهم يقبعون في السجن بتهم فساد، بالإضافة إلى شخصيات سياسية وعسكرية كبيرة مسجونة من نظامه أصولها من منطقة القبائل"، أبرزهم رئيس جهاز المخابرات الأسبق الفريق المتقاعد محمد مدين ورئيس الوزراء الأسبق أحمد أويحيى، ورجل الأعمال النافذ علي حداد.
ومن أبرز "خطابات العنصرية" أيضا كما عدها المراقبون "تعميم التخوين على سكان منطقة القبائل" الأمازيغية، المعروفة بـ"عدائها للنظام الجزائري منذ استقلال البلاد"، وإصرار عدد كبير من سكانها على مواصلة الحراك الشعبي.
ورأى متابعون أن أطرافاً خفية حاولت الاستثمار في الحراك الشعبي، من خلال "الخلط بين مطالبه المشروعة وبين تخوين المشاركين فيه"، كما قامت باختراق الحراك الشعبي لـ"بث سموم الفتنة ووصف سكان منطقة القبائل بالزواف"، في إشارة إلى قبيلة وقفت مع الاستعمار الفرنسي طوال احتلاله للجزائر.
وسبق للجهات الأمنية أن كشفت عن مخطط تخريبي لحركة "الماك" التي تدعو إلى ما تسميه "انفصال منطقة القبائل عن الجزائر" بالتواطؤ مع أطراف أجنبية لم تسمها، من خلال رفع "رايات الحراك الانفصالية وشعارات عنصرية ضد الجيش والدولة في المظاهرات، وإرسال أموال ضخمة لأتباعها في الداخل للقيام بأعمال تخريبية".
خطوة في محلها
الأكاديمي والمؤرخ الدكتور محمد أرزقي فراد وضع جملة من الأبعاد التي يرى أنها "تحتم سن هذا القانون" الذي وصفه بـ"المهم جداً وبأنه جاء في وقته"، والتي دفعت بالرئاسة الجزائرية إلى التدخل بمشروع قانون يجرم خطاب الكراهية والعنصرية.
وقال في تصريح لـ"العين الإخبارية" إنه "مشروع جاء في وقته وهو مهم جداً، لأن خطاب الكراهية والتخوين والقذف والشتم الصادر عن أقلية تسكنهم العرقية الضيقة تجاوزوا كل الحدود خاصة مع توفر وسيلة للنشر وهي وسائل التواصل، ولذلك من الأهمية وضع حد لهذا الخطاب قبل أن يؤدي بالوطن إلى ما لا تحمد عقباه".
وأضاف أنه "مشروع مرحب به وضروري، ولا يمكن تقبل أن يدعوا البعض إلى مقاطعة منطقة في الزواج والتجارة، فهذا أمر خطر جداً، وأرى أن هناك فراغاً قانونياً فعلاً في هذا المجال، ولا بد أن يسد بمشروع قانون يجرم خطاب الكراهية بمظاهره المختلفة سواء باسم الدين أو العربية أو الأمازيغية أو التاريخ وغيرها".
وفيما يتعلق بالأبعاد التاريخية، أشار الباحث الجزائري إلى أنه "من المفروض ترك المسائل التاريخية للأبحاث الأكاديمية، والذي حدث أن هناك أشخاصاً تحركهم أيديولوجيا ضيقة مفرقة ومدمرة، ويحاولون زرعها عن طريق رموز التاريخ، والمتعارف عليه ألا يتحدث في الحادثة التاريخية إلا المتخصص، وكل من تحدث عن عبان رمضان ليسوا متخصصين في الثورة الجزائرية، بل إعلاميون ومؤرخون، وليسوا متخصصين في الثورة".
وأوضح أن "دور المتخصص يكمن في تحليل وتفسير الأحداث التاريخية، وإصدار الأحكام ليست من مهام المؤرخ، وهناك بعض منهم يسعون لتخوين وتشويه كل الشخصيات التي تمثل البعد الأمازيغي، وهم بذلك يقدمون الخطاب الأيديولوجي الضيق على المقاربة العلمية".
وأشار الدكتور أرزقي فراد إلى أن "مسألة الكراهية والعنصرية ليست مرتبطة بمشكلة بالتاريخ، بل أيديولوجيا ضيقة وعرقية دمرت سوريا والعراق وليبيا والسودان، مع العلم أن الإسلام تجاوز العرقية، وهناك من يريد نقل هذا المشروع إلى الجزائر والمستفيد طبعاً هي القوى الغربية، وعلى الجزائريين الحذر من ذلك، لأن أصل المشكلة هي عرقية ضيقة تجاوزها العقل البشري".
سياق سياسي "مهزوز"
غير أن "فراد" يرى أن السياق لإعداد مشروع القانون "مهزوز لأن هناك ثورة شعبية في الجزائر منذ قرابة العام، وأعتقد أنه من الحكمة قبل أن نسير في طريق التشريع لا بد من إيجاد حل للمشاكل العالقة وذلك باتخاذ إجراءات التهدئة، ولا أتصور أن يلجأ الرئيس مباشرة للتشريع ببرلمان فاقد للشرعية ورثناه عن العهد البائد، في وقت يوجد صُنّاعه في السجن".
وتابع: "أعتقد أن الرئيس تبون يجب أن يفكر في السياق السياسي لمشروع هذا القانون من خلال اتخاذ حزمة من إجراءات التهدئة من بينها إطلاق سراح سجناء الرأي ووقف الاعتقالات التعسفية في المسيرات ووقف حصار العاصمة أيام الجمعة، حتى تتوفر أسباب النجاح لهذا المشروع".
خطوة "غير كافية"
بدوره، يرى أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة الجزائر أن "خطاب الكراهية ليس بحاجة إلى إشارة أو أمر من رئاسة الجمهورية، وأعتقد أن هذا التطرف يخضع لمنظومة قانونية وللعدالة".
وأوضح في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن خطوة الرئاسة الجزائرية "هي مؤشر على أن ذلك الخطاب بات مهدداً للنسيج الاجتماعي والثقافي للجزائر، ولا يجب الاكتفاء فقط بالأسلوب العقابي، ولا بد أن يكون موازياً بحل تربوي وأساليب أكثر عمقاً والبحث عن الأسباب الحقيقية لانتشار هذه الظاهرة السلبية في المجتمع الجزائري بالاعتماد على الخبراء والمختصين".
ويرى الأكاديمي الجزائري أنه "يجب الخروج من أدوات العقاب والردع، والتفكير في أساليب أكثر أكاديمية وتربوية وأكثر استدراكية واستباقية لحل هذه المشاكل".
وأشار إلى أن "هناك جهات معروفة هي التي تقوم بتمويل هذه الحسابات عبر مواقع التواصل وتقوم بنشر الفتنة من خلال استعمال الآلة الإعلامية، ولا بد من محاربة هذا الانحراف والقطيعة بين الجزائريين، لأن عدو الأمس هو الذي يمول هذه الأبواق التي تستغل بعض المناسبات لنشر المزيد من التفرقة".