رئيس الجزائر يضع "خارطة طريق صارمة" لبناء جمهورية جديدة
رئيس الجزائر يجتمع بأعضاء حكومته الجديدة ويحدد أولويات برنامجه الرئاسي بينها 3 سياسية و5 اقتصادية "لاستعادة هيبة الدولة وثقة المواطن".
عقد مجلس الوزراء الجزائري، الأحد، أول اجتماع له برئاسة رئيس البلاد عبد المجيد تبون ورئيس الوزراء عبد العزيز جراد، بعد كشف الرئاسة الخميس الماضي عن تشكيلة أول طاقم حكومي في عهد الرئيس الجديد.
- 39 وزيرا بحكومة جراد الجزائرية بينهم 5 سيدات
- عبدالعزيز جراد.. أكاديمي مستقل يتولى "المهمة الصعبة" بالجزائر
وأصدرت رئاسة الجمهورية بياناً اطلعت "العين الإخبارية" على تفاصيله، حدد فيه مخرجات الاجتماع الذي تضمن السياسة العامة للحكومة التي ستعرض في الأيام المقبلة على غرفتي البرلمان (مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني) لمناقشتها والتصويت عليها.
وذكر البيان بأن الرئيس الجزائري "حدد خارطة صارمة" لكل وزير في حكومته الجديدة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية.
وتضم الحكومة الجزائرية الجديدة 39 وزيراً بينهم 5 سيدات و7 وزراء منتدبين و4 كُتّاب دولة، وأصغر وزير هو ياسين وليد يبلغ من العمر 26 عاماً، حيث يشغل حقيبة وزير منتدب للمؤسسات الناشئة.
وبدأ الاجتماع الأول للحكومة الجزائرية مع الرئيس عبد المجيد تبون بالوقوف دقيقة صمت على روح قائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح، وشرع بعدها تبون في تحديد أولويات أجندته الرئاسية المستمدة من برنامجه الرئاسي التي تضمن "54 التزاماً".
وعلى ضوء تلك الالتزامات، حدد تبون "خارطة طريق لكل وزير من الوزراء الـ39" كما أوضح بيان الرئاسة الجزائرية، تهدف –كما جاء فيه– إلى "بناء جمهورية جديدة تستجيب لتطلعات الشعب".
وأعطى الرئيس الجزائري "أوامر صارمة" لوزرائه بـ"التقرب من المواطن وأن يكونوا الأذن الصاغية لانشغالاته"، ودعا إلى تبني "نهج الحوار والتشاور والحرص على خدمة الدولة والشعب".
وذكّر تبون وزرائه الـ39 بـ"شكل ضمني" بمصير رموز نظام بوتفليقة القابعين في السجن بتهم فساد، وشدد على أن "خدمة الدولة والشعب لا يمكن إلا من خلال التحلي بالسلوك المثالي المطلوب وبالإيمان الراسخ بواجب الحفاظ على المال العام ومكافحة السلوكيات البيروقراطية واحترام التزامات الدولة".
3 أولويات سياسية
ومن بين أبرز الأهداف التي حددها الرئيس الجزائري لعمل حكومته في جميع القطاعات "استرجاع هيبة الدولة وثقة المواطنين بها".
وكما ورد في أول خطاب له بعد أداء القسم الدستوري، حدد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون "تعديل الدستور وقانون الانتخاب" أولوية ولايته الرئاسية.
بالإضافة إلى "أخلقة الحياة السياسية" من خلال فصل المال والسياسة ومحاربة الرداءة في التسيير، وقيام دولة القانون من خلال استقلالية القضاء وترقية الديمقراطية التشاركية "التي تمنح الفرصة للجميع".
ودافع تبون عما أسماه في حملته الانتخابية "القطيعة مع عهد بوتفليقة وإصلاح الاختلالات التي وضع فيها البلاد"، على رأسها الدستور الذي يمنح صلاحيات واسعة جداً لرئيس البلاد، و"سطوة المال على السياسة" الذي بات في عهد بوتفليقة (المال) "الحاكم الفعلي والمحدد لتوجه الدولة" سواء في الرئاسة أو الانتخابات.
5 أولويات اقتصادية
وفي الشأن الاقتصادي، أوضح بيان الرئاسة الجزائرية بأن مخطط عمل الحكومة الجديدة يهدف إلى "تحرير الاقتصاد من التبعية للمحروقات وتحقيق الأمن الغذائي والزراعة وإصلاح النظام الضريبي".
وأوضح بأن برنامج عمل الحكومة يهدف إلى "تنفيذ نموذج اقتصاد قوي مبني على التنويع، متحرر من العوائق البيروقراطية، يستقطب الثروة ويمتص البطالة، لاسيما لدى الشباب، فضلا عن تحقيق الأمن الغذائي بما يضع الجزائريين في منأى عن التبعية للخارج".
ولطالما كان التحرر من الاقتصاد الريعي المرتبط بعائدات النفط من المسائل التي فشل فيها رؤساء الجزائر السابقون خاصة المستقيل عبد العزيز بوتفليقة الذي شهدت فترة حكمه طفرة مالية معتبرة فاقت خلالها احتياطات البلاد من العملة الصعبة 200 مليار دولار، دون أن تتمكن حكوماته من تحقيق الإقلاع الاقتصادي، وبقي معها الاقتصاد الجزائري "غير منتج" ورهينة لإنتاج وأسعار النفط، وفق الخبراء الاقتصاديين.
ويعد عبد المجيد تبون أول رئيس جزائري بخلفيات وتكوين اقتصادي، إذ تخصص في الاقتصاد والمالية وممن تخرجوا من "المدرسة الوطنية للإدارة" عام 1969.
وحدد برنامج عمل الحكومة الجزائرية الجديدة تحرير الاقتصاد من التبعية للمحروقات في "تشجيع الطاقات البديلة والمتجددة والعمل على تصديرها وتعزيز التواجد الطاقوي وإعادة إطلاق المشاريع الكبرى لتصدير الطاقة المتجددة"، في إشارة إلى المشاريع "الملغاة مع ألمانيا في مجال الطاقة الشمسية لأسباب مجهولة"، بينما أشارت وسائل إعلام محلية إلى "اللوبي الموالي لفرنسا في النظام الجزائري هو الذي عرقل تلك الاتفاقيات مع الجانب الألماني في عهد بوتفليقة".
وكان لافتاً تركيز الرئيس الجزائري على الفلاحة من استحداثه وزارة جديدة منتدبة مكلفة بالفلاحة الصحراوية والجبلية تابعة لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية، ويهدف من ذلك "تحقيق الأمن الغذائي للبلاد".
حيث أوضح بيان الرئاسة الجزائرية تعليمات تبون لوضع "خطط استعجالية لتطوير الزراعة لاسيما الصحراوية، والصناعة الغذائية والصيد البحري".
من جانب آخر، أعطى تبون أوامر لحكومته لمباشرة "إصلاحات عميقة على النظام الضريبي، وما يصاحبه من تقنين للتحفيزات الضريبية التي تصب في مصلحة المؤسسات، خاصة منها الناشئة والصغيرة والمتوسطة، مع مراعاة تخفيف الضرائب على المؤسسات التي تخلق مناصب الشغل".
كما قرر إلغاء الضريبة على أصحاب الدخل الضعيف دون أن تحدد الحكومة الجزائرية سقفاً للأجور الضعيفة التي يشملها الإعفاء الضريبي، بالإضافة إلى الإبقاء على سياسة الدعم الاجتماعي في عدة قطاعات أبرزها الصحة.
ودعا تبون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (الجامعات) إلى تغيير النمط الجامعي في التخصصات الجامعية من خلال بربطها بعالم الشغل، والتركيز على المجالات والقطاعات التي تحتاج إلى إمكانيات بشرية مؤهلة.
ويرى المراقبون أن مهمة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وحكومته الجديدة لن "تكون سهلة في المرحلة المقبلة" بالنظر إلى التحديات الكبيرة التي وصفها سياسيون بـ"الألغام الخطرة"، من أبرزها استمرار موجة الرافضين للوضع السياسي في الشوارع، والأزمة الاقتصادية واسترجاع الأموال المنهوبة من رموز نظام بوتفليقة.
بالإضافة إلى التحديات الخارجية، على رأسها الأزمة الليبية التي وضعت إدارة تبون في حرج، كونها من الملفات الحساسة المرتبطة بشكل مباشر بالأمن القومي للبلاد، الذي تزامن مع كشف الجيش الجزائري عن إحباطه مؤامرات خارجية بأيادٍ داخلية خلال الأزمة السياسية التي مرت بها البلاد.
وتحاول الجزائر وسط كل تلك التعقيدات والتحديات الداخلية والخارجية وفق المراقبين، البحث عن مخرج لأزمتيها السياسية والاقتصادية من خلال تحصين الجبهة الداخلية سياسياً بالحوار الوطني، وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى سوق محلي مستقر سياسياً وفي قوانينه الاقتصادية.
وكشف وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم الخميس الماضي، عن تحرك بلاده في الأيام القادمة بـ"مبادرات" لحل الأزمة الليبية "بين الليبيين فقط وبمساعدة دول الجوار"، وفق مقاربة قال عنها خبراء إنها تهدف "إلى إبعاد شبح حرب إقليمية عن المنطقة قد تخلط الحسابات الداخلية، وترى فيها الجزائر أن المستهدف الثاني بعد ليبيا من خلال ذلك التواجد العسكري" خاصة التركي والفرنسي.
عقد مجلس الوزراء الجزائري، الأحد، أول اجتماع له برئاسة رئيس البلاد عبد المجيد تبون ورئيس الوزراء عبد العزيز جراد، بعد كشف الرئاسة الخميس الماضي عن تشكيلة أول طاقم حكومي في عهد الرئيس الجديد.