أسبوع الجزائر.. تشكيل الحكومة ورفض التدخل التركي والإفراج عن معتقلين
تشكيل الحكومة الجديدة والإفراج عن معتقلي الحراك والرفض الرسمي والشعبي للتدخل التركي بليبيا.. كانت أبرز أحداث الأسبوع بالجزائر.
شهد الأسبوع الماضي أحداثا سياسية بارزة، أهمها: تكليف الأكاديمي عبدالعزيز جراد بتشكيل الحكومة وإعلان أسمائها، وكذلك رفض الخراب التركي في ليبيا والإفراج عن معتقلين.
- أسبوع الجزائر.. رحيل قائد الجيش واستنفار بشأن الأزمة الليبية
- الجزائر بأسبوع.. تبون في "المرادية" ودعوات الحوار تطرق أبواب الحراك
وقوبل الكشف عن أول حكومة في عهد الرئيس المنتخب عبدالمجيد تبون بـ"ترحيب شعبي لافت" كون أغلبية أعضائها من "الكفاءات".
وبالتوازي مع ذلك، أصدرت مختلف محاكم البلاد أوامر قضائية في يوم واحد، بالإفراج عن 76 من معتقلي الرأي والحراك الشعبي.
وهي الخطوة التي حملها رئيس الوزراء الأسبق أحمد بون بيتور كـ"طلب وأحد شروط المعارضة وممثلي الحراك للقبول بالحوار مع السلطة الجديدة".
وخيم أيضا الوضع في ليبيا على الاهتمامات الرسمية والشعبية بالجزائر خلال الأسبوع المنقضي.
وأكدت الجزائر رسمياً رفضها قرار البرلمان التركي إرسال جنود إلى ليبيا لمساعدة السراج وميليشياته في طرابلس.
وأعلنت عن تحركها بـ"مبادرات" لإبعاد شبح الحرب عن هذا البلد العربي الذي ترى استمرار أزمته "تهديداً كبيراً لأمنها القومي".
حكومة جديدة
بدأ أسبوع الجزائر بتكليف الرئيس عبدالمجيد تبون، السبت الماضي، عبدالعزيز جراد بتشكيل أول حكومة في عهده، وبات معها "جراد" أول أكاديمي يقود الحكومة، بالإضافة إلى كونه معارضاً لنظام بوتفليقة منذ 2003.
وانتهى الأسبوع بالكشف عن أسماء الوزراء الجدد الذين عينهم تبون بعد استشارة جراد، والمشكّلة من 39 وزيراً بينهم 5 نساء، وياسين وليد أصغر وزير يشغل حقيبة وزير منتدب للمؤسسات الناشئة والبالغ من العمر 26 عاماً.
واحتفظ 7 وزراء من الحكومة السابقة على مناصبهم وهم: وزراء الخارجية والعدل والداخلية والطاقة وقدماء المحاربين والشؤون الدينية والفلاحة.
ولم تخل أول حكومة في عهد تبون من "مفاجآت بالجملة"، إذ سجلت عودة 4 وزراء من عهد نظام الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة "لم ترد أسمائهم في قضايا فساد".
أبرزهم عبدالرحمن راوية وزير المالية، ومصطفى فروخي القيادي في حزب "جبهة التحرير" الذي كان حاكماً في عهد بوتفليقة وذلك في منصب وزير للصيد البحري وبشير مصيطفى في وزارة الاستشراف وحسان مرموري وزيراً للسياحة، وكان أحد الأعضاء البارزين في حملة المرشح المستقل عبدالمجيد تبون في انتخابات الرئاسة.
وفي خطوة فاجأت المتابعين وأثارت الكثير من الغموض، ألغى الرئيس الجزائري منصب "نائب وزير الدفاع" الذي كان يقوده قائد الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح منذ 2013.
كما لم يرد اسم "عبدالمجيد تبون" "وزيراً للدفاع" كما جرت عليه العادة في إعلان التشكيلات الحكومية، وذلك بموجب الدستور الجزائري الذي "منح المنصب لرئيس الجمهورية".
وركز تبون وجراد في التعيينات على "الكفاءات والأكاديميين" في سابقة هي الأولى من نوعها بالجزائر في عدة قطاعات، أبرزها الصحة والجامعات والتجارة والتعليم والعمل، واستحداث وزارات جديدة خاصة بالفلاحة الصحراوية والصناعة الصيدلانية والحاضنات والتجارة الخارجية.
حكومة "ثقة وتسيير أزمتين داخلية وخارجية"
وقدم المتابعون لتشكيلة الحكومة الجزائرية عدة قراءات، كان من أبرزها "إعادة الثقة في وزراء كانوا في عهد بوتفليقة "لم يتورطوا في قضايا فساد"، من بينهم وزير المالية عبدالرحمن راوية" الذي كان على خلاف مع رئيس الحكومة الأسبق أحمد أويحيى بسبب سياسة "إعادة طبع النقود"، إذ أصر راوية على أن تكون محدودة وموجهة للمشاريع المتأخرة.
بينما اعترض أويحيى على ذلك، وقرر الاعتماد عليها في كافة نفقات الموازنة العامة، بالإضافة إلى الإبقاء على وزير العدل بلقاسم زغماتي الذي يوصف بـ"منجل محاربة الفساد"، الأمر الذي يرى فيه خبراء قانونيون "تكريسا لتعهدات تبون الانتخابية بمحاربة الفساد والعصابة".
خاصة أن زغماتي كان "رأس الحربة" في فتح قضايا الفساد الكبرى المتهم فيها عدد كبير من رموز نظام بوتفليقة، وأدت إلى محاكمات تاريخية وعقوبات قاسية تراوحت بين 3 سنوات و15 سنة.
أما النقطة الثانية المثيرة في الحكومة الجديدة فهو وجود عدد من الوزراء الذين سبق لهم "مقاطعة انتخابات الرئاسة والتشكيك في نزاهتها" بينهم الممثل يوسف سحايري الوزير المنتدب المكلف بالإنتاج السينيماتوغرافي، بالإضافة إلى تركيز جراد على وزراء كانوا من المعارضين لنظام بوتفليقة.
وقرأ المتابعون الخروج بحكومة غالبية أعضائها تكنوقراط أو معارضين للنظام السابق على أنه "رسالة من الرئاسة الجزائرية على جدية رغبتها في التغيير وإنجاح الحوار الوطني الذي دعت إليه".
بالإضافة إلى أنها مؤشر على "اقتسام غير مسبوق للسلطة بين رئيس منتخب وبعض الأطراف التي قاطعت الانتخابات أو شككت في نية السلطات الجزائرية لإحداث التغيير الذي طالب به الحراك"، والذي عده مراقبون "ترسيخا جديدا لشرعية الرئيس المنتخب من أطراف رفضت العملية الانتخابية ومخرجاتها".
بينما اعتبر آخرون أن التحديات الخارجية التي وجدها الرئيس الجزائري تنتظره في أيامه ولايته الرئاسية الأولى حتمت عليه "التركيز على إصلاح الوضع الداخلي وتحصين الجبهة الداخلية بتنازلات للمعارضة والحراك الشعبي، تفاديا لحدوث ارتباك سياسي وحتى أمني"، خاصة وأن الجزائر باتت تنظر إلى "خطورة الوضع على حدودها مع ليبيا ومالي بجدية أكبر مما كانت عليه، وعودة انتشار الجماعات الإرهابية بشكل غير مسبوق في شمال مالي يستهدفها مباشرة"، وهو ما يتطلب وفق مراقبين الإسراع في تحقيق التوافقات الداخلية لمجابهة الرهانات والتحديات الخارجية.
وتوقع متابعون للشأن السياسي الجزائري أن تشهد المرحلة المقبلة نوعاً من الانفراج وهدنة بين السلطات والمحتجين، لفسح المجال أمام حوار "يسمع فيه كل طرف لشروط ومطالب الآخر، يكون فيه تعديل الدستور أرضية الحوار واختباراً حقيقياً أمام الرئيس الجزائري الجديد للوفاء بالتزاماته الانتخابية بإحداث القطيعة النهائية مع ممارسات النظام السابق، وتجاوز أحد أكبر الألغام التي كانت تنتظره وهو التعامل مع الحراك الشعبي.
إفراج عن 76 مسجونا
ومن بين تلك التنازلات التي سارعت السلطات الجزائرية لتقديمها، الإفراج عن 76 من معتقلي الحراك والرأي بينهم 51 في العاصمة "دفعة واحدة" يوم الخميس الماضي، في إطار "صفقة بين السلطة وأطراف في المعارضة" وفق ما ذكرته تقارير إعلامية محلية.
ومن بين أبرز المفرج عنهم، لخضر بورقعة، أحد قدماء محاربي الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، والناشط السياسي سمير بلعربي والجنرال المتقاعد حسين بن حديد.
ولقيت الخطوة ترحيباً واسعاً في الجزائر من شخصيات معارضة ونشطاء في الحراك، وشددوا على أنها دليل على "جدية السلطات في تجاوز الأزمة ودعوتها لحوار وطني شامل وجدي دون إقصاء".
وتشير تلك الخطوة وفق مراقبين إلى رغبة السلطات الجزائرية في إنهاء الحراك الشعبي بـ"الطرق الودية" من خلال تلبية مطالبه أو على الأقل امتصاص أكبر قدر من "بقايا الحراك" الذي أعلن "صراحة" عدم اعترافه بـ"شرعية الرئيس المنتخب" وقرر مواصلة مظاهراته كل يومي جمعة وثلاثاء، وهي الوضعية التي قال عنها الرئيس الجزائري في أول خطاب له بأنها "أثرت أيضا على الاقتصاد الوطني وعلى جذب الاستثمارات الأجنبية".
مما يعني، وفق خبراء اقتصاديين، أن خطوة الرئاسة الجزائرية الأخيرة تستهدف أيضا "توفير مناخ سياسي غير متوتر وجاذب للأجانب" بعد التعديلات الأخيرة التي أقرتها الحكومة السابقة على قانوني الاستثمار والمحروقات.
وكشفت مصادر سياسية في المعارضة الجزائرية لـ"العين الإخبارية" عن أن قرار الإفراج عن السجناء جاء بعد استقبال الرئيس الجديد، الإثنين الماضي، رئيس الوزراء الأسبق والمعارض أحمد بن بيتور بقصر الرئاسة، حيث كان ممثلاً عن شخصيات معارضة سبق لها توجيه بيانات للمؤسسة العسكرية قبيل انتخابات الرئاسة.
وأوضحت المصادر أن بن بيتور قدم للرئيس الجزائري تصور المعارضة المشكل من شخصيات مستقلة لحل الأزمة السياسية، وجدد موقفها المتمثل في مجموعة من المطالب للقبول بالجلوس على طاولة الحوار أبرزها إطلاق سراح معتقلي الرأي والحراك.
وكان مطلب إطلاق سراح سجناء الرأي والحراك من أكثر المطالب التي أصر عليها الحراك الشعبي في مظاهراته الأخيرة، بالإضافة إلى شخصيات معارضة اعتبرت أن "الإفراج عنهم يحدد مدى صدق السلطة في تحقيق التوافق الوطني".
رفض للخراب التركي في ليبيا
وفي يوم واحد، أعربت الجزائر "مرتين" عن رفضها "التدخلات الأجنبية في الأزمة الليبية"، الأول استبق قرار البرلمان التركي بإرسال قوات عسكرية لدعم السراج، وآخر بعد مصادقته على الخطوة التي قالت إنها "ستزيد من تعقيد الوضع".
وأعربت الرئاسة الجزائرية بعد صدور القرار التركي عن رفضها التدخلات الأجنبية في الأزمة الليبية، وأكدت أن حلها "يمر عبر حل سياسي داخلي بعيداً عن أي تدخل خارجي"، وشددت على "التضامن اللامشروط مع الشعب الليبي".
وأصدرت رئاسة الجمهورية بالجزائر بياناً كشف عن إرسالها مساعدات إلى ليبيا بنحو 100 طن، وأكد "التزامها قيادة وشعباً التضامن اللامشروط واللامحدود مع الشعب الليبي من أجل تجاوز الظروف الصعبة التي يمر بها عبر حل سياسي ليبي داخلي بعيداً عن أي تدخل أجنبي".
كما قدم وزير الخارجية صبري بوقادوم تصور الجزائر لحل الأزمة الليبية، مجدداً موقفها الثابت بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو ما فسره مراقبون على أنه "رفض واضح للطلب التركي، وتأكيد على رفض التدخل عسكرياً في ليبيا".
وتصاعدت بالجزائر في الأيام الأخيرة التحذيرات الشعبية ومن سياسيين ومثقفين من خطورة الخطوة التركية التي عدوها "تهديداً مباشراً للأمن القومي للجزائر ولدول الجوار الليبي" الخاسر الأكبر من استمرار الأزمة في هذا البلد العربي وانتشار الجماعات الإرهابية فيه، خاصة بعد جلب أنقرة مرتزقة من سوريا إلى ليبيا حاربوا مع تنظيم داعش الإرهابي.
وكشفت أوساط سياسية وإعلامية جزائرية، خلال الأسبوع الماضي، عن "رفض الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان"، وأشارت إلى أن "أردوغان استغل اتصالاً هاتفياً مع تبون ليطلب منه زيارة الجزائر لبحث الأزمة في لبيبا، لكنه اعتذر بدبلوماسية وأبلغه بأن الوضع الداخلي لبلاده لا يسمح باستقبال رؤساء الدول".
وجاء طلب "رأس النظام التركي" قبيل زيارته المثيرة للجدل إلى تونس، واعتبر مراقبون موقف الرئيس الجزائري بمثابة "الرفض الصريح للزج ببلاده في المستنقع الليبي، ورفضها أيضا للتدخل التركي في بلد بعيد إقليمياً".
ومنذ تدهور الوضع الأمني في ليبيا ومالي، واجه الجيش الجزائري "حرب استنزاف" كما ذكر خبراء أمنيون لـ"العين الإخبارية"، التي تربطها بالبلاد حدود شاسعة بينها 1376 كيلومتراً مع مالي و982 كيلومتراً مع ليبيا.
وتشكل تلك الحدود الشاسعة مع بلدين مضطربين عبئا كبيراً على السلطات الجزائرية خاصة منذ سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا سنة 2011، حيث أعلنت البلاد حالة استنفار قصوى ودفعت بآلاف الجنود والعتاد العسكري، ووضعت إجراءات أمنية استثنائية على الحقول النفطية الموجودة بالصحراء الجزائرية.
كما واجه الجيش الجزائري محاولات اختراق عدة للجماعات الإرهابية على طول "المثلث الحدودي" مع دول النيجر ومالي وليبيا، وتمكن من ضبط كميات هائلة من الأسلحة الحربية.