رئيس حزب جزائري لـ"العين الإخبارية": يد تبون الممدودة "استوعبت الخطر"
بين النظرة التفاؤلية والتشاؤمية، أبرز سفيان جيلالي رئيس حزب "جيل جديد" بالجزائر مواقف حزبه من مختلف القضايا في البلاد.
وفي مقابلة خاصة مع "العين الإخبارية"، كشف سفيان جيلالي عن تقييم حزبه الشامل لفترة حكم الرئيس عبد المجيد تبون للجزائر، على مدار الـ30 شهرا الماضية، في المجالات السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية.
- تبون: لن نعقد مؤتمرا حول ليبيا.. والقادة العرب سيشاركون بقمة الجزائر
- جيش الجزائر: عقيدتنا دفاعية ولا مساعي لدينا للتوسع
تقييم ثمّن فيه رئيس الحزب الجزائري "يد تبون الممدودة" لتحصين الجبهة الداخلية، وأبدى تفاؤلا بـ"التداعيات الإيجابية" للأزمة الأوكرانية على مستقبل الجزائر، رغم انتقاده للأداء الاقتصادي للحكومة الجزائرية.
وقدم جيلالي أيضا، نظرته لدوافع تخلي تركيا عن قيادات إخوانية، وشدد على الخطر الذي يمثله تنظيما "رشاد" الإخوانية و"الماك" الانفصالية الإرهابيان على بلاده.
و"جيل جديد" حزب سياسي جزائري تأسس عام 2011، وانتخب جيلالي رئيساً له في نفس العام، وتبنى معارضة النظام السابق، وسبق لرئيس الحزب الترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2014، قبل أن يقرر الانسحاب غداة ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وفيما يلي نص الحوار مع سفيان جيلالي رئيس حزب "جيل جديد" الجزائري.
وكالة الأنباء الجزائرية نشرت مؤخرا مقالا أكدت فيه بأن يد تبون ممدودة للجميع.. ما هي قراءتكم لهذه الرسالة؟
لا أملك معطيات دقيقة، لكن من المعلوم أن وكالة الأنباء الرسمية لا تتكلم من محض إرادتها، هناك ربما إرادة سياسية للذهاب نحو انسجام أكبر داخل الطبقة السياسية.
ونلاحظ أن الأحزاب السياسية التي تملك أغلبية نسبية داخل المؤسسات المنتخبة ليس لها أي دور اليوم، والبعد السياسي أصبح غائباً تماماً، والسلطة في الجزائر لا يمكنها التواصل مع المجتمع إذا لم تتوفر حلقة التواصل بين الطبقة السياسية ككل والمجتمع.
كما أعتقد أن هناك وعي لدى السلطة بهذا الخطر وخاصة في ظل الأزمة العالمية التي نعيشها، وعلينا كجزائريين أن نقوي الجبهة الداخلية، وهذا ما قلناه مرارا وتكرارا، وللأسف لم نصل إليه بعد. ومن المهم جدا أن تدخل كل القوى الحية في البلاد، في تعاون فيما بينها، وأن يكون هناك نقاش وحوار، لأن الرهانات كبيرة جدا.
ما أوردته وكالة الأنباء شيئا إيجابيا جدا، ويجب أن نذهب إلى حوار وطني حقيقي يدمج كل القوى السياسية حتى نصل إلى آفاق جديدة.
تصنيف "رشاد" و"الماك" على لوائح الإرهاب تبعه ضربات أمنية موجعة للتنظيمين.. كيف تنظرون لتحرك السلطات الجزائرية ضد التنظيمين الإرهابييْن؟
تكلمنا عن الشق السياسي وأعطيت نوعا ما وجهة نظر سلبية، لكن فيما يتعلق بالشق الأمني في العامين الماضيين، فإن نظرتنا تختلف.
لا شك أنه كانت هناك محاولات من أطراف بينها هذان التنظيمان، لعبت دورا خطرا وسلبيا جدا وهي التي كانت وراء إجهاض الحراك الشعبي، وهي التي أدخلت كل عوامل الانقسام ونوع من العنف داخل الحراك.
والعملية الأمنية ضد هذين التنظيمين كانت على حق، وكل من له نية لإدخال الجزائر في فوضى وتلقى دعماً من أطراف أجنبية يجب أن يتم محاربته وإقصائه. التحرك الأمني يجب أن يكون صارماً مع من يكون له نية سيئة ضد الجزائر،
في مقابل تعامل ليّن مع أفراد آخرين لا يملكون وعياً كافياً وغير مستوعبة للرهانات، حتى لا نبقى في حلقة قمع تخلق شرخاً آخر بين المؤسسات الأمنية والعدالة من جهة، والمجتمع من جهة أخرى.
السلطات الجزائرية أكدت أن مواقع التواصل أصبحت أرضاً خصبة لإرهاب تنظيمي "رشاد" و"الماك".. ألا تعتقدون بأن هذه المواقع لم تعد مكاناً فقط للحرية كما يقال بل أيضا سلاح لاستهداف أمن الدول؟
أشاطرك في هذا الرأي، وكنا في حزب "جيل جديد" من ضحايا مواقع التواصل، لأن هذه الشبكات استغلت واستُعملت بالأموال وبإمكانيات هائلة للدفع بجزائريين إلى العنف وتهديم كل المبادرات الإيجابية.
وكنا مستهدفين خاصة من حركتي "رشاد" و"الماك"، وأعرف شخصياً بعض قياداتهم، وكان لهم دور كبير في محاولة تلطيخ صورة حزب "جيل جديد".
ونؤكد بأن هذه الوسائط استُعملت من بعض القوى الدولية لاستهداف بعض الدول العربية ودول في مناطق أخرى، وعلى الجزائر أن تفكر في استراتيجية حقيقية، ومن غير المقبول أن يكون هناك تدخل خارجي بهذه السهولة في الجسد الفكري الجزائري.
كيف يتم التعامل مع ذلك؟ ليس بقمع الأفراد الذين سقطوا في هذا الفخ، أعتقد أن هناك إجراءات يجب أن تتخذ على المستوى التكنولوجي.
ومن المهم جدا فتح وسائل الإعلام المحلية أمام الجزائريين، معارضين أم مؤيدين من أجل النقاش الحر وتقبل الانتقاد عندما يكون عقلانياً، ويجب أن نبني علاقة حرية تكون مسؤولة وتمكن من تطوير المجتمع.
غلق المجال أمام المعارضة "الوطنية"، وترك المجال للمعارضة العميلة للخارج والمضادة للجزائر، أن تتحدث في "يوتيوب" و"فيسبوك" وتجمع الأموال بـ"البايبال" وتنشر معلومات مغلوطة، خطأ استراتيجي لا أتفهمه.
كيف ينظر حزب "جيل جديد" للوضع السياسي عامة بالجزائر بعد 30 شهرا من انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون؟
في بداية 2020، كان هناك مشكل متمثل فيما بقي من الحراك الشعبي، وفي الحقيقة خلال تلك الفترة تم الاستحواذ على الحراك من بعض مما سُمِّي بالمعارضة، وبقيت الصعوبة سيدة الموقف بين المجتمع ككل والسلطة.
اتجهنا نحو تعديل دستوري، والعملية كان نصفها ناجحا ونصفها الآخر سلبيا، والنجاح يكمن في الوصول إلى تحول إيجابي في مضمون الدستور، أما الجانب الآخر السلبي فهو نسبة المشاركة في الاستفتاء الشعبي التي كانت ضعيفة. وهذا يعني أن ثقة المجتمع الجزائري لا زالت ناقصة، وهذا راجع إلى تراكمات سنوات من سياسات النظام السابق.
والانتخابات التشريعية جاءت أيضا في هذا السياق الذي منع حدوث تغيير حقيقي، ولم نصل إلى طبقة سياسية جديدة تعطي نَفَس جديد للعمل السياسي، والدليل أن معظم الأحزاب السياسية التي لديها وجود في البرلمان ليس لها دور في الساحة السياسية وفي الإعلام، وليس لديها مواقف، ولا تشرح للجزائريين خططها السياسية.
ضف إلى ذلك، هناك نقص فادح في الممارسة الإعلامية، كل القنوات التلفزيونية مغلقة أمام النقاش والحوار، الصحف في حالة انهيار، وسائل الإعلام (المحلية) دخلت في سبات في الجانب السياسي.
سياسياً، الجزائر نجحت في ضمان الاستقرار الذي يبقى نسبياً، وربما العامل الأمني هو الذي أخذ الدور الأكبر (الحرب على الإرهاب)، ولكن سياسياً لا يزال الوضع ضعيفاً، حتى أداء الحكومة يبقى ضعيفاً.
في اعتقادكم أين يكمن الخلل الذي لم يوصل إلى التغيير المنشود كما قلتم؟
أعتقد أن أكبر عامل الذي لم يمكن من الوصول إلى التغيير المطلوب هو عدم الثقة عند الجزائريين، لا يثق المواطن في السلطة ككل وله نظرة سلبية جدا تجاه كل المؤسسات السياسية، وهذا في حد ذاته خطر.
هذا الأمر لم يأت في وقت قصير ولا منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة (2019)، بل أصبح واقعاً على الأقل منذ 2014 عندما ترشح الرئيس السابق لولاية رابعة، وهي العهدة التي كانت كارثية لمعنويات الجزائريين، بالإضافة إلى تداعيات كورونا على الاقتصاد، كل هذه المعطيات لم تجعل المواطن يغتنم فرصة التغيير.
وفي الانتخابات التشريعية لعام 2021، دخل حزبنا بشعار "فرصة للتغيير"، وكنا على وعي بأنه من الصعب جدا تجنيد الرأي العام، لأن كل العوامل كانت معاكسة للعمل السياسي، وللأسف نعترف بعدم نجاحنا في تجنيد الشعب الجزائري.
ونسبة العزوف كانت كبيرة جدا ولم تعط الفرصة لحدوث التغيير، حتى وإن جرت الانتخابات بشكل طبيعي، ولم يكن فيها تخطيط للتزوير كما شاهدناه في الانتخابات السابقة (2017)، لكن في نهاية الأمر وصلنا إلى نفس النتائج، لأن نحو 80 % من الجزائريين لم يشاركوا في الانتخابات البرلمانية، وهذا ما مكن الأحزاب التي تملك الإمكانيات المالية ولها تواجد في كل المؤسسات المحلية أو الوطنية أن تهيمن مرة أخرى على الساحة السياسية، وأقصت الأحزاب السياسية التي كانت ربما تملك برنامج مجتمع وطاقات جديدة، وكل ذلك فوّت على الجزائر الدخول في مرحلة التغيير الجذري والحقيقي.
ومع ذلك، كيف تفسرون ما يصفه البعض بـ"السبات السياسي" للأحزاب منذ الانتخابات المحلية؟
أعتقد أن السبب الأول يعود إلى ما يمكن تسميته بـ"خيبة الأمل" عند الأحزاب بعد الانتخابات التشريعية والمحلية، لأن السلطة اتخذت إجراءات سياسية ولكن الطبقة السياسية لم تحضر بالشكل الكافي للدخول في هذه المعركة الانتخابية، وموازين القوى لم تكن واضحة.
بعد الانتخابات أصبح هناك ركودا سياسيا، لأن خيبة الأمل عند الأحزاب ولّدت خيبة أمل لدى مناضليهم، ومن جهة أخرى، الأحزاب السياسية التي عادت لتصدر المشهد هي أجهزة لا تملك خطاباً سياسياً.
بالإضافة إلى أن الإعلام المحلي لم يلعب الدور لإحياء الساحة السياسية، على العكس من ذلك، لا نعلم إن كانت هناك تعليمات أو ضغوطات عليها، لكن الواضح أن كل وسائل الإعلام المحلية دخلت في ركود، ولم تعط ذلك النفَس الذي كنا ننتظره.
كيف ينظر حزبكم للأزمة الأوكرانية؟ وهل من تداعيات مستقبلية على الجزائر؟
أتكلم عن "الحرب في أوكرانيا" ولا أقول الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لأن الحرب في الحقيقة بين قطب أحادي لديه إرادة هيمنة على العالم ككل من جهة، ومن جهة أخرى روسيا وربما بدعم غير مباشر لحد الآن من الصين والهند وعدد من الدول بهدف اسقاط الهيمنة الأحادية على العالم والدخول في مرحلة تعدد الأقطاب، وإعادة النظر في العلاقات الدولية،. الغرب اليوم في حالة فقدان الهيمنة التي فرضها على العالم.
فيما يتعلق بتداعيات هذه الأزمة على الجزائر، أعتقد أنه على المدى القصير يمكن أن نتوقع تداعيات سلبية، تتمثل في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في الأسواق العالمية التي تستوردها الجزائر، وضغوطات أو ربما صعوبات سياسية مع عدد من الدول من المتعاملين مع الجزائر وتحديدا الغرب.
أما على المدييْن المتوسط والبعيد، نتوقع أن تكون تداعيات هذه الأزمة الدولية إيجابية للجزائر، خاصة إذا دخل العالم في مرحلة تعدد الأقطاب، وأعتقد أن العالم يتجه لذلك، وعلى الجزائر أن تلعب دورا ولها كل الأوراق الرابحة، من بينها ورقة الطاقة.
كيف ترى طرد تركيا مؤخرا قيادات ووسائل إعلام إخوانية؟
أعتقد أن النظام في تركيا أولا وقبل كل شيء هو نظام براغماتي، سواء مع الرأي العام الداخلي أو من حوله في الخارج، ولا ننسى أن أنقرة عضو في حلف شمال الأطلسي، وتركيا نجدها حاضرة في عدد من النزاعات الإقليمية والدولية مثل سوريا.
تركيا تعاملت مع إيديولوجيا جماعة الإخوان عندما كانت هذه الجماعة في حضن الولايات المتحدة، وكان لها مخطط للهيمنة على الشرق الأوسط من خلال هذه الوسائل السياسية.
وبعد إخفاق الربيع العربي وما تلاه من كوارث، والنجاح في الرجوع إلى الدول الوطنية في مصر خاصة وفي سوريا أيضا، وتراجع هذا التنظيم في دول عربية أخرى، أدى ذلك إلى تغيير حتى لدى الرأي العام في الدول العربية تجاه تنظيم الإخوان، والخروج من "الإيديولوجيات الوهمية" والذهاب إلى نوع ما من البراغماتية.
aXA6IDE4LjIyMy4xMjUuMjM2IA== جزيرة ام اند امز