كيف تجاوزت الجزائر شبح الإفلاس في 2021؟.. رحلة صمود
لم يقف الزخم السياسي الذي عاشته الجزائر طوال 2021 من تهدئة أمواج الاقتصاد المتعثر وتجاوز شبح الإفلاس المالي.
ويجمع الخبراء الاقتصاديون والهيئات المالية الدولية على أن الجزائر تمكنت في 2021 من تخطي ارتدادات زلزال اقتصادي كان متوقعاً أن يؤدي إلى انهيار مالي، خصوصاً بعد تداعيات جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية.
- بعد التحذير.. لماذا غير صندوق النقد الدولي نظرته لـ"الجزائر"؟
- موازنة الجزائر 2022.. نهاية "كابوس" التقشف
وأخفت أشهر 2021 تحديات اقتصادية كشفتها الأرقام والمؤشرات والتقارير الدولية، تقول الحكومة الجزائرية إنها جاءت لتصحيح أخطاء "قاتلة" ولدت مع انتقال الجزائر لنظام اقتصاد السوق مطلع تسعينيات القرن الماضي.
وكان واضحاً النهج الاقتصادي الذي قرر رئيس البلاد عبد المجيد تبون شقه لتفكيك ألغام ماضية وصد صدمات مستقبلية من خلال "التصحيح الحكومي" الذي "رقّى" بموجبه وزير ماليته لمنصب رئيس الوزراء، في خطوة قرأها المراقبون على أنها محاولة لـ"إنقاذ الاقتصاد وإخراجه من غيبوبته".
وعبر خطوات مدروسة وإجراءات جريئة، شكّل 2021 انطلاقة لنهج اقتصادي جديد مستفيدا من تعافي أسعار النفط والغاز، برزت في ارتفاع الصادرات خارج المحروقات للمرة الأولى، و"تقنين الدعم الاجتماعي" و"التفاوض" مع أركان النظام السابق لاستعادة الأموال المنهوبة.
ورسم الرئيس الجزائري طريقاً للمرحلة المقبلة اعتبارا من 2022، قال إنها ستكون "للتغيير الجذري الاقتصادي والاجتماعي"، رصدت له حكومته موازنة "تفاؤلية" طلّقت بها سنوات التقشف.
وفي هذا التقرير، تستعرض "العين الإخبارية" أبرز الأحداث الاقتصادية التي شهدتها الجزائر خلال عام 2021.
"حكومة اقتصادية"
عبد المجيد تبون الذي يعد أول رئيس يحكم الجزائر بـ"خلفية اقتصادية" اختار لحكومته الثانية خبيرا مالياً لإنقاذ اقتصاد البلاد المتعثر.
وجد رئيس الجزائر في وزير ماليته أيمن بن عبد الرحمن مواصفات الخبرة الاقتصادية والمالية و"البراغماتية" القادرة على "الخروج عن المألوف" في تسيير الشأن الاقتصادي للبلاد.
ومنذ نهاية يونيو/حزيران الماضي، بات عبد الرحمن أول مسؤول حكومي يتولى منصبين اثنين في حكومة واحدة، وهما رئاسة الوزراء ووزارة المالية، وأكد مختصون جزائريون لـ"العين الإخبارية" أن تكليف تبون لوزير ماليته بقيادة الحكومة الجديدة يحمل في طياته عدة دلالات ومؤشرات.
أبرزها أن أيمن بن عبد الرحمن قاد بنك الجزائر في ظرف حساس مرت به الجزائر، وذلك عقب سقوط نظام بوتفليقة وما تبعه من متابعات قضائية لأركان نظامه بتهم فساد غير مسبوقة.
وبحسب الإعلام المحلي الجزائري، فيحسب لأيمن بن عبد الرحمن "قدرته" على "وقف نزيف الأموال خارج البلاد من قبل عدة متهمين بقضايا فساد من النظام السابق"، بعد أن وضعه يده على أخطر الملفات وأهمها، ومطلع واسع على تحديات الاقتصاد الجزائري ونقاط ضعفه.
دعمٌ محدود
ومن أكثر القرارات التي أجمع الخبراء على وصفها بـ"الجريئة" التي اتخذتها الحكومة الجزائرية هي "إعادة النظر في سياسة الدعم الاجتماعي وتوجيهه لمستحقيه" في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد منذ استقلالها، والتي رصدت لها الحكومة الجزائرية قيمة مالية ضخمة للعام المقبل قدرت بنحو 14 مليار دولار، مقابل أزيد من 17 مليار دولار في الأعوام الماضية.
خطوة أثارت جدلا واسعاً في البلاد حصوصاً داخل غرفة البلاد، وسط مخاوف من يعزز ذلك تدهور القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع الأسعار.
غير أن الرئيس الجزائري نفى أن يكون الهدف من وراء القرار "إنهاء العمل بدعم المواد الاستهلاكية"، معتبرا بأن ذلك "مبدأ جزائري إلى أن يرث الله الأرض وما عليها".
فيما أكد رئيس وزرائه أن ما يتم تداوله عن تخلي الحكومة عن دعم الفئات الهشة "مغالطات وشعبوية"، وشدد على أن المرحلة المقبلة ستكون "لتوجيه الدعم حصرياً للمستحقين فقط"، وكشف عن أن عملية الدعم لتلك الفئات ستكون" بشكل "نقدي".
صادرات منتعشة
وخلال 2021، حققت الجزائر رهاناً تاريخياً بعد أن سجلت صادراتها خارج قطاع المحروقات ارتفاعاً غير مسبوق منذ استقلال البلاد قبل 60 عاماً.
رهان حددته الحكومة العام الماضي عند سقف 5 ملايير دولار بهدف التحرر من التبعية المفرطة لعائدات النفط، وتمكنت الجزائر من تحقيق رقم صادرات وصل إلى 3.6 مليار دولار خلال الأشهر الـ10 الأولى من 2021.
وتركزت صادرات الجزائر في البتروكيمياويات والحديد والصلب والسكر الأبيض وبعض الخضر والفواكه.
ورغم ذلك، سجلت الواردات ارتفاعاً بقيمة ملياري دولار خلال 2021 مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، ووصلت إلى 30.81 مليار دولار خلال أشهر 2021 العشرة الأولى.
تجريم المضاربة
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، أعلنت الجزائر الحرب على المضاربين، عقب إصدارها قانوناً رادعاً يصنف المضاربة على أنها "جريمة مكتملة الأركان".
وصدق البرلمان الجزائري على مشروع قانون يعاقب المضاربين بـ"30 سنة سجناً"، يشمل كل فلاح يحوز على غرفة تبريد أو مخزن، و كل منتج أو تاجر جملة أو تجزئة أو مصدر أو مستورد لم يقم بالتصريح بمخازنه لدى مصالح التجارة .
موازنة ضخمة
وبزيادة قدرها 12 مليار دولار عن 2021، تستعد الجزائر لدخول عام 2022 بموازنة "خالية من التقشف" للمرة الأولى منذ 2018.
وراهنت الحكومة الجزائرية في إعداد الموازنة على سعر مرجعي للنفط قدره 45 دولارا كسعر مرجعي لبرميل النفط الخام و50 دولارا أمريكياً كسعر السوق لبرميل النفط الخام، مقابل 40 دولارا للبرميل في موازنة 2021.
في مقابل ذلك، توقع مشروع قانون المالية لعام 2022 في الجزائر عجزا "تاريخياً" وغير مسبوق، تم تقديره بنحو 4100 مليار دينار جزائري، أي ما يعادل 30 مليار دولار.
كما توقعت أن تصل نسبة نمو الاقتصاد إلى حدود 3.3 % مقابل 3.8 % كانت متوقعة في موازنة 2021، في مقابل توقعات باستقرار نمو قطاع المحروقات إلى 4 %، و4.5 % بالنسبة للزراعة و4.1 % لقطاع الصناعة.
المشروع ذاته، توقع أيضا زيادة في عائدات المحروقات العام المقبل تصل إلى 27.9 مليار دولار مقابل 23.21 مليار دولار في موازنة 2021، بينما توقع انخفاضاً في واردات الجزائر بنسبة 5.4 % عن 2021، على أن تصل إلى نحو 31.5 مليار دولار.
وتتوقع الحكومة الجزائرية إيرادات إجمالية مع نهاية العام الحالي تصل إلى 37 مليار دولار، بينها 33 مليار دولار عائدات نفطية.
اصلاحات ضخمة
وكشف الرئيس الجزائري للمرة الأولى عن طبيعة أجندته الرئاسية والتي قال إنها ستكون "أجندة اقتصادية" اعتبارا من العام المقبل، وحصرها في إحداث "إصلاح هيكلي عميق اجتماعي واقتصادي".
وأعلن أن عام 2022 سيكون لـ"إصلاح كل ما له علاقة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية"، مركزا في ذلك أيضا على سياسة الدعم والاستثمار بهدف "الوصول إلى دولة عصرية بدون سلبيات".
"ثورة تبون" الاقتصادية التي وعد بها، قال إنها ستركز على إصلاح المنظومة البنكية والمصرفية للبلاد، وامتصاص الأموال الموجودة في السوق السوداء التي تفوق قيمتها 60 مليار دولار بحسب أرقام رسمية.
وكذا الاعتماد على نظام اقتصادي جديد يتم فيه منح صلاحيات واسعة للبلديات للتحصيل الضريبي ودعم الاستثمار المحلي، في محاولة لتقليل النفقات الممنوحة لها من قبل الهيئات المركزية.
تعافٍ تدريجي
وكان لافتاً، تخفيف صندوق النقد الدولي من "لهجة تحذيراته وتوقعاته التشاؤمية" لمستقبل الاقتصاد الجزائري.
وأعربت الهيئة المالية العالمية في آخر تقرير لها، الشهر الماضي، عن تفاؤلها بتحسن أداء الاقتصاد الجزائري، رغم تحذيرها للحكومة الجزائرية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي من مخاطر العجز المالي.
وقال صندوق النقد الدولي بعد الانتهاء من مشاورات المادة الرابعة التي يجريها مجلسه التنفيذي مع الجزائر لعام 2021 إن الاقتصاد الجزائري يتعافى تدريجياً من تداعيات جائحة كوفيد-19 والصدمات التي شهدتها أسواق النفط في 2020.
وأضاف الصندوق في بيان "من المتوقع أن يتعافى الاقتصاد في 2021 و2022 لكن التوقعات بشأنه لا تزال غير مؤكدة وصعبة".
وقال الصندوق إنه بعد الانكماش الذي شهده اقتصاد الجزائر في 2020 بنسبة 4.9 في المئة، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على أساس سنوي بنسبة 2.3% في النصف الأول من 2021 "كنتيجة لانتعاش إنتاج المحروقات وأسعارها وتخفيف إجراءات الاحتواء (الخاصة بكوفيد-19)".
وقال كذلك إن ميزان الحساب الجاري الخارجي شهد تحسنا ملحوظا خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري بعد تراجعه بشكل ملحوظ العام الماضي.