بالصور.. الزبادي والأشباح في الدعاية الانتخابية بالجزائر
الحملات الدعائية للانتخابات المحلية اكتسى بعضها بلافتات وظواهر أثارت الاستغراب والسخرية والسخط، وسط اتهامات لها بالاستخفاف بالعقول
تتواصل الحملة الدعائية للانتخابات المحلية الجزائرية المقررة 23 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري ومعها غرائب وطرائف، أثارت السخرية والتحفظ أن تظهر في مناسبة تتعلق بمصالح الشعب.
ويقول متابعون للانتخابات المقرر أن يشارك فيها 51 حزباً إنه يقل فيها البرامج ويكثر فيها الكلام والغرائب، وأصبحت ساحة "لكل محظور مرغوب".
ومن أبرز ما أثار الضيف والتحفظ والسخرية كانت اللافتات التي ظهر فيها استغلال الدين أو المتاجرة به لأغراض سياسية وشخصية، ووصل الأمر إلى انتقال هذه الظاهرة من الأحزاب التي ترفع شعارات دينية إلى أحزاب علمانية.
ومن الأمثلة الصورة الانتخابية لحزب الحركة الشعبية الجزائرية ذي التوجه العلماني؛ إذ فاجأ المتابعين ترشيح "إسلامي" في إحدى قوائمه، والأكثر من ذلك، أن القائمة لم تُظهر بقية المرشحين كما هو معمول به، بل أصر على الاكتفاء بصورة مكبرة للمرشح.
والأحزاب الدينية التي تراجعت شعبيتها في الجزائر منذ محليات 2002، ظهرت مرة أخرى في هذه الانتخابات، وظهرت متخبطة في دعايتها، فمن التأثر "بالأردوغانية" إلى الصور الأكثر سخرية.
ولعل أبرزها تلك الصورة التي نشرها حزب ديني" لمرشح وكتب عليها "ادعموا السبتي.. الشخص الذي لا يفارق المساجد"، ويظهر المرشح بجانب مسجد وسجادة وسبحة، ما جعل البعض يتساءل: "إذا كان الرجل لا يفارق المساجد، فهل سيخدم مصالح الناس بالدعاء؟ وهل سيجعل من المسجد مكتباً لاستقبال انشغالات المواطنين؟".
أيضاًٍ ظاهرة "المرشحات الأشباح" عادت من جديد في كثير من القوائم الانتخابية، والتي لم تقتصر فقط على الأحزاب الدينية، وامتدت إلى أحزاب أخرى، حيث تظهر في كثير من القوائم محجبات بوجه مخفي، وأخرى تعوض صورتها بوردة.
وتبرر بعض الأحزاب إخفاء وجوه المرشحات إلى ما تقول "إنه راجع لعادات وتقاليد المجتمع الجزائي"، والأحزاب الدينية تقول "إن وجه المرأة عورة ولا يجوز نشر صور المسلمات"، مع العلم بأن الأحزاب الجزائرية مجبرة بحسب قانون الانتخابات على أن تشكل المرأة ثلثي القوائم الانتخابية.
وقد تكون هذه الصور الوحيدة التي تجاوزت السخرية في الجزائر، وأخذت حيزاً كبيراً من الجدل والنقاش الحاد، فمنهم من شكك حتى في وجودهن من الأساس، واعتبر أنها أسماء وهمية لنساء مخفيات، ومنهم من دعا الأحزاب إلى الاختيار بين العمل السياسي أو تحويل أحزابهم إلى جمعيات خيرية.
في حين ذهب البعض إلى حد اتهام الأحزاب "بالنفاق السياسي"، عندما تساءلوا: كيف تكون صورة المرأة عورة في القوائم ولا تكون كذلك في المناصب؟ متهمين هذه الأحزاب "بالمتاجرة بالدين".
صورة أخرى صدمت كثيراً من الجزائريين، لحزب "جبهة المستقبل"، يظهر فيها مرشحو الحزب في وضعيات "مخلة بعقول الناس" كما قال رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
فشعار الصورة "صقور المستقبل"، حيث حاول مصممو الشعار تحويله إلى حقيقة، فظهر المرشحون في الصورة فوق صقر يحلق بجناحين طويلين، حاملاً مرشحي الحزب، ويتوسطهم رأس القائمة، والأكثر من ذلك، طريقة جلوسهم التي تشبه اليوجا، ما جعل الجزائريين يطلقون على هذه القائمة "قائمة اليوجا"، وشبهها البعض بصورة "لرسوم متحركة" أو "لفيلم رعب".
ومن الصور الطريفة والمستفزة بحسب البعض، لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي" ثاني أحزاب الموالاة في الجزائر، حيث ظهر مرشح للحزب في إحدى قوائمه الانتخابية وهو يحمل علبة "ياؤورت" أو كما يسمى في دول المشرق العربي "الزبادي".
وشعار الصورة والمرشح هو "فوطي أر أن دي والياؤورت من عندي"، بمعنى "صوت للتجمع الوطني الديمقراطي وتأخذ الزبادي من عندي".
صورة بقدر ما أثارت سخرية الجزائريين بقدر ما كانت مستفزة للبعض الآخر، حيث سبق للأمين العام للحزب أن قال في أحد تجمعاته الانتخابية "الجزائريون غير مجبرين على أكل الياؤورت" وهو الكلام الذي جلب له انتقادات واسعة.
الصورة رأى فيها البعض إهانة للجزائريين، وآخرون اعتبروا أنها تعبر عن حالة الإفلاس التي وصلت إليها كثير من الأحزاب التي عجزت عن صناعة خطاب انتخابي سياسي من واقع الجزائريين ويخفف من حالة انعدام الثقة بينهم وبين الأحزاب.
ولأن لكل فعل رد فعل، فقد لجأ جزائريون في بعض المناطق إلى ملء اللوحات المخصصة بالقوائم الانتخابية للأحزاب بصور لفنانين ورياضيين، فكانت صور اليسا واللاعبين نيمار وميسي من أكثر الصور التي عوضت صور المرشحين، في مشهد رغم طرافته أيضاً إلا أنه يعبر بحسب المختصين عن حالة غضب أو يأس من المرشحين ومن هذه المواعيد الانتخابية.
وتعليقاً على هذه الظواهر قال الدكتور نصر الدين جابي، المتخصص في علم الاجتماع، لبوابة "العين" الإخبارية "إن في هذه الصور نوعاً من الذكاء وليست خطأ، وقد تكون مقصودة، بل هي نوع من الماركوتينغ الانتخابي، والدليل أنهم وصلوا إلى مبتغاهم، وقوائم انتخابية في بلديات نائية أو غير معروفة أصبحت مشهورة ومعروفة في كل الجزائر؛ لأنها اختارت الخروج عن المألوف وعن الروتين الانتخابي الذي كرهه الجزائريون، وإن كانت هذه الظاهرة موجودة في كثير من دول العالم".
وأضاف "رغم ذلك إلا أن هذه الصور تدل كذلك على غياب التأطير الحزبي للقوائم الانتخابية وللمرشحين، لهذا يلجأ المرشحون إلى التكفل بحملتهم الانتخابية حتى بمالهم الخاص، ومن الصور من تعكس المستوى التعليمي والثقافي للمرشح".
وعن احتمال تأثير هذه الصور على إقبال الجزائريين على الانتخابات، قال المختص: "لا يمكن التنبؤ بذلك بالمطلق، فإذا كانت الانتخابات المحلية تخضع للجهوية والقبلية والقرابة، فهي أيضاً تخضع لمزاجية الناخب، خاصة أن هذه الصور تثير الانتباه لغرابتها، والدليل حصول بعضها على أصوات كثيرة في انتخابات سابقة، خاصة من أولئك الشباب الذين لا يثقون ولا يؤمنون بالجهوية والقبلية ولا في كل الأحزاب، لكنهم يفضلون اختيار أغرب المرشحين، وكل هذا في غياب برامج انتخابية، وحملة انتخابية يقال فيها كل شيء للاستهلاك فقط".
aXA6IDE4LjE5MS45Ny4xMzMg جزيرة ام اند امز