حوار مع المعارضة وتجريم للكراهية.. أسبوع "رئاسي" بامتياز في الجزائر
استقبال تبون شخصيات معارضة "ثقيلة" وتحريك الآلة القانونية لتجريم العنصرية والكراهية أبرز حدثين في أسبوع الجزائر المنتهي
تميز أسبوع الجزائر المنصرم بـ"عودة رئاسة الجمهورية" إلى واجهة الأحداث، ما دفع المراقبين إلى وصفه بـ"أسبوع رئاسي بامتياز" بعد قرابة 7 سنوات من غيابها حتى عن أدنى مهامها وهي "إصدار البيانات".
- أسبوع الجزائر.. حراك دبلوماسي حول ليبيا وخطوات لتغيير دستور بوتفليقة
- أسبوع الجزائر.. تشكيل الحكومة ورفض التدخل التركي والإفراج عن معتقلين
وشهد مقر القصر الجمهوري بالجزائر العاصمة توافداً لشخصيات معارضة توصف بـ"الثقيلة" استقبلها الرئيس عبدالمجيد تبون، بعد سنوات من "الجفاء" بين تلك الأسماء التي كانت محسوبة على النظام ورئاسة البلاد التي وصفتها بـ"الفواعل السياسية البارزة".
وهدفت الزيارات إلى تبادل وجهات النظر حول الوضع العام في البلاد وتعديل الدستور، ورؤية كل طرف لتجاوز تركة نظام بوتفليقة التي يقول المتابعون للشأن السياسي الجزائري بأنها "أرهقت الجميع".
كما تحركت الرئاسة الجزائرية لـ"وضع حد لخطابات الكراهية والعنصرية"، بإلزام الحكومة إعداد مشروع قانون "عاجل" بعد أن تحول "الحراك الشعبي المخترق" إلى ما يشبه "مصنع توليد طاقة الكراهية" في المجتمع، بحسب المراقبين.
الدستور يجمع الرئاسة بالمعارضة
كذلك عرف أسبوع الجزائر المنصرم حدثاً عده المتابعون "مهما"، عقب استقبال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون شخصيات معارضة "تباعاً" بقصر "المرادية" الجمهوري، كان أبرزها رئيس الوزراء الأسبق مولود حمروش (1989 – 1991) ووزير الإعلام الأسبق والناشط السياسي عبدالعزيز رحابي.
كما تنقل تبون إلى منزل وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي (1984 – 1988) بسبب وضعه الصحي.
إضافة إلى المناضل السابق في الثورة الجزائرية يوسف الخطيب، وسفيان جيلالي رئيس حزب "جيل جديد" المعارض، وقبلهم رئيس الوزراء الأسبق أحمد بن بيتور (1999 – 2000).
وذكرت بيانات الرئاسة أن الشخصيات التي التقاها تبون قدمت له تصوراتها حول مختلف القضايا المطروحة في الساحة الوطنية، ومتابعتها للأحداث كفاعل سياسي بارز".
بدوره، أطلع الرئيس الجزائري الشخصيات المعارضة على "بعض جوانب التغيير الشامل الذي شرع في تطبيقه بدءا بالمراجعة الواسعة للدستور" كما ذكرت الرئاسة.
بداية فك الألغام
وذكر خبراء لـ"العين الإخبارية" أن اختيار الرئاسة الجزائرية استقبال الشخصيات المعارضة دون غيرها في أول خطوة لها للحوار الوطني الشامل، يحمل في طياته عدة دلالات، و"رسائل طمأنة للحراك والطبقة السياسية وللمشككين منهم في سياسات الرئيس الجديد".
أبرزها، أن ما يجمع غالبية الشخصيات المعارضة، أنها كانت "محل إجماع بين غالبية مكونات الحراك في بداياته لتكون ممثلاً عنها في قيادة البلاد لمرحلة انتقالية أو طُلب منها الترشح للانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي".
أما الثاني، فهي أنها "غائبة عن ميدان الحراك الشعبي، لكنها كانت حاضرة بمبادرات لحل الأزمة السياسية وفق رؤية مختلفة وحتى مناقضة وتصادمية للتوجه الذي كانت تصر السلطات الجزائرية على تمريره وهو انتخابات رئاسية في أقرب الآجال كحل وحيد ونهائي للأزمة السياسية".
والثالث والمهم أيضا، وفق متابعين، هو توجيه رسائل لتيارات معارضة بأن "الرئاسة لا تعترف إلا بالمعارضة القوية شعبياً"، والذي كان من أبرز إفرازات الحراك الشعبي كما توقع خبراء في وقت سابق لـ"العين الإخبارية" في إشارة إلى بدء تغير خارطة المشهد السياسي عقب اصطدام غالبية الأحزاب على رأسها التيارات الإخوانية بموجة الرفض الشعبي لها ولأي دور في حاضر ومستقبل البلاد، بعد أن حاولت ركوب الحراك والتموقع في المشهد العام "بأي شكل من الأشكال".
ويشير المتابعون إلى أن بيانات الرئاسة أجابت بشكل واضح عن أسباب وأهداف تلك اللقاءات، وعدتها "خطوات سياسية ضرورية لبناء الثقة التي تعزز الحوار لإقامة جبهة داخلية متماسكة".
ويبدو واضحاً -وفق الخبراء- أن الرئيس الجزائري وضع أمامه "خارطة طريق لإزالة الألغام التي تملأ طريق ولايته الرئاسية الموروثة عن عهد سلفه المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، ومعها هندسة تفكيكها"، والتي كشف عنها في أول خطاب له بعد أدائه اليمين الدستورية في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وحينها، تعهد تبون بـ"حوار وطني شامل لا يُقصي أحداً ودون انتقام وبالقطيعة مع كل سياسات النظام السابق".
ولم يُفهم منه حينها خاصة عند المعارضين إلا أنه "إعادة لاستنساخ ندوات حوار عهد بوتفليقة"، غير أن إنهاء الرئاسة القطيعة مع المعارضة عده كثيرون مؤشراً على "تغير كبير وجذري قادم على المنظومة السياسية الجزائرية بما فيها النظام والطبقة السياسية"، مع توقعات بعقد "ندوة وطنية شاملة تؤسس لعقد وطني جديد".
تجريم الكراهية والعنصرية
ووجه، الإثنين الماضي، الرئيس الجزائري تعليماته للوزير الأول، عبدالعزيز جراد، بإعداد مشروع قانون يجرم كل مظاهر العنصرية والفئوية وخطاب الكراهية في البلاد.
وأشار بيان الرئاسة الجزائرية إلى أن الإجراء يأتي بعد "أن لوحظ ازدياد خطاب الكراهية والحث على الفتنة خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي"، لافتاً في السياق إلى أنه "يأتي لسد الباب في وجه أولئك الذين يستغلون حرية وسلمية الحراك برفع شعارات تهدد الانسجام الوطني".
وأكد أن "الجميع مطالبون بالتقيد بالدستور وقوانين الجمهورية، لا سيما فيما يتعلق باحترام ثوابت الأمة وقيمها، والمكونات الأساسية للهوية الوطنية والوحدة الوطنية ورموز الدولة والشعب".
وكانت "العين الإخبارية" قد انفردت في تقارير سابقة لها في النصف الثاني من عام 2018، بتوقعات لمختصين وخبراء سياسيين واجتماعيين عن "وجود مؤشرات قوية وخطرة لبداية ارتفاع منسوب الكراهية والعنصرية في المجتمع الجزائري"، على خلفية أحداث شهدتها البلاد حينها، أبرزها ما عرف بـ"صلاة الاحتجاج" وغيرها من المواضيع التي أثارت الكثير من الجدل.
وفي عام 2019، عرفت البلاد تحولات كبيرة وصفها المتابعون بـ"المنعطف الحاسم والمفصلي" في تركيبة المجتمع الجزائري، حيث طفت إلى واجهة الأحداث من خلال استمرار الحراك الشعبي المطالب بالتغيير تجاذبات فكرية وأيديولوجية، ارتفعت حدتها مع "تأكد اختراق الحراك من قبل الدولة العميقة وأطراف أجنبية غذته بنعرات جهوية وأيديولوجية" وصفها باحثون بـ"الضيقة والمفرقة والمدمرة".
وتزامن قرار الرئاسة الجزائرية مع احتفالات رأس السنة الأمازيغية الموافق لـ12 يناير/كانون الثاني من كل عام، والذي أخذ هذه المرة أبعاداً وصفها المتابعون بـ"الخطرة"، بعد أن طالب بعضهم بـ"إلغاء العيد وكذا إلغاء الأمازيغية باعتبارها لغة وطنية ورسمية وعدم إجبار تلاميذ المدارس على تعلمها".
وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ما يشبه "ساحة حرب تعصب فئوية" بين مدافعين عن الأمازيغ وآخرين عن العرب وعن "أسبقية تواجد الأمازيغ أم العرب بالجزائر"، استعمل فيها كل طرف "عبارات عنصرية"، وصلت إلى حد "التشكيك والطعن في الوطنية والديانة وتبادل اتهامات الخيانة".
وأجمع خبراء وباحثون في تصريحات لـ"العين الإخبارية" على أهمية خطوة سن قانون لتجريم كافة مظاهر الكراهية والعنصرية في الجزائر، وشددوا على أنها "مهمة جدا في مضمونها وتوقيتها".
وفي الوقت ذاته، اعتبروها غير كافية لـ"تعطيل سلوكيات خطرة قد تتحول إلى أفعال مدمرة"، ودعوا إلى مرافقتها بإجراءات "إلغاء أسبابها" بينها السياسية مثل تفعيل إجراءات التهدئة التي غذت بحسبهم تلك العنصرية والكراهية، وأخرى تربوية تبحث في الأسباب الحقيقة والعميقة لتلك الظاهرة السلبية في المجتمع.