الهجرة السرية تنشط في الجزائر.. وخبير: 3 أسباب عميقة
سجلت الجزائر في الشهرين الأخيرين تزايدا كبيرا في الهجرة غير الشرعية إلى الضفة الشمالية، وسط حالة من الاستنفار الأمني على سواحل الجزائر.
تزايد واستنفار كشفت عنه البيانات المتتالية لوزارة الدفاع الجزائرية عن إحباط عدة محاولات هجرة سرية لعشرات الجزائريين، عبر ما يعرف بـ"قوارب الموت" عبر السواحل الشرقية والغربية وحتى الوسطى باتجاه إيطاليا وإسبانيا.
- مصرع 9 جزائريين في انقلاب "قارب موت".. واستنفار ضد الهجرة غير الشرعية
- 4 ملفات تعيد "الشراكة الاستراتيجية" بين الجزائر وإسبانيا
آخر تلك البيانات الصادرة عن "الدفاع الجزائرية"، الأربعاء، حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، حيث أحبط حراس السواحل ومصالح الدرك (قوة أمنية تابعة للجيش) محاولات هجرة غير شرعية وإنقاذ 112 شخصاً كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع بكل من وهران وعين تموشنت ومستغانم وتلمسان الواقعة غربي البلاد، فيما تم توقيف 67 مهاجرا غير شرعي من جنسيات مختلفة بكل من تلمسان (غرب) وأدرار والوادي وغرداية (جنوب) والطارف وتبسة (شرق).
وخلال الفترة الممتدة من 10 إلى 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تمكنت قوات خفر السواحل والدرك من إحباط محاولات هجرة غير شرعية وإنقاذ 290 شخصاً كانوا على متن قوارب مطاطية وقوارب تقليدية الصنع بـ8 محافظات من شرق إلى غرب البلاد مروراً بوسطها.
كما تم توقيف 108 مهاجرين غير شرعيين من جنسيات مختلفة بـ5 ولايات جنوب وشرق الجزائر.
معطيات رسمية تؤكد وفق الإخصائيين والمراقبين عودة تنامي ظاهرة الهجرة السرية بالجزائر، بالإضافة إلى كونها منطقة عبور مهاجرين غير شرعيين من الساحل والصحراء باتجاه أوروبا، وسط تحرك رسمي لردع هذه الظاهرة التي بدأت تقلق السلطات الجزائرية.
ووفقاً لآخر أرقام قدمتها الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود المعروفة بـ"فرونتكس" قبل شهرين فقد بلغ عدد المهاجرين الجزائريين السريين الذين سلكوا طريق غرب البحر المتوسط باتجاه إسبانيا نحو 5225 "خلال الأشهر الثمانية الأولى" من 2020، مقابل 865 باتجاه وسط البحر المتوسط نحو إيطاليا.
ووصلت ذروة الهجرة السرية من الجزائر إلى إسبانيا شهر يونيو/حزيران الماضي، عندما أعلنت السلطات الإسبانية وصول نحو 800 جزائري بطريقة سرية إلى أراضيها "خلال الأسبوع الأخير من يونيو".
تزايد دفع السلطات الأمنية الجزائرية لتكثيف عملياتها الأمنية على طول سواحل البلاد لإحباط محاولات الهجرة السرية نحو الضفة الشمالية، في الوقت الذي زار فيه مسؤولون أوروبيون الجزائر لبحث خطر تزايد الظاهرة على الضفتين.
بينهم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الذي زار الجزائر أوائل أكتوبر/تشرين الثاني، وناقش مع مسؤوليها ظاهرة الهجرة السرية والتي وصفها بـ"الملف المصيري والشائك والتحدي الكبير لكليهما وليس للبلدان المستقبلة فقط، بل أيضا لبلدان العبور أيضا".
أسباب عميقة
الدكتور ناصر جابي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر، قدم قراءة تفصيلية لتزايد وتيرة الهجرة غير الشرعية من الجزائر باتجاه جنوب أوروبا.
وأوضح في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن الأمر يتعلق بـ"أسباب عميقة وموضوعية حاضرة بشكل دائم مرتبطة بواقع المجتمع الجزائري، على عدة مستويات سياسية واقتصادية، وعلى مستوى الشباب والديمغرافي".
يأس الشباب
واعتبر أن هناك من الأسباب تعمل على زيادة حدة الظاهرة أو تقلل منها، ومن أبرز الأسباب التي دفعت لزيادة الهجرة السرية بالجزائر مؤخراً ما وصفها الأكاديمي بـ"يأس الشباب الجزائري".
وقال: "لاحظنا أن الشباب وسط الحراك الشعبي العام الماضي ولم يعد لهم تفكير في مغادرة البلاد، لكن هناك نوع من اليأس اليوم في المجتمع الجزائري".
وأرجع ذلك إلى "عدم تحسن ظروفهم المعيشية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وغياب حلول سياسية".
حالة الطقس
الدكتور جابي يرى أيضا أن "حالة الطقس" ساهمت أيضا في تحفيز المهاجرين على التنقل إلى أوروبا بطرق غير شرعية.
مضيفاً أن "حالة الطقس العامة في الضفتين الشمالية والجنوبية للمتوسط شبه ربيعية، وهي تساعد هؤلاء الشباب على الهجرة السرية بإمكانيات ضعيفة جدا".
ونوه بما أسماه "بقاء الظروف الموضوعية الثقيلة والتي ازدادت حدتها مع جائحة كورونا" التي لم تمنع أو تردع اليائسين من التفكير بالمغامرة بحياتهم عبر قوارب الموت، بحثاً "عن الجنة الموعودة" كما يصفها الخبراء.
غير أن إخصائيين وخبراء آخرين يعتبرون أن بحث المهاجرين السريين الجزائريين عن تحسين وضعهم الاجتماعي بالدول الأوروبية بات يصطدم بواقع اجتماعي مشابه في دول الضفة الشمالية، نتيجة للضغوط التي فرضتها جائحة كورونا على اقتصاديات هذه الدول.
وعلق أستاذ علم الاجتماع السياسي على ذلك بالإشارة إلى "أن الشاب الجزائري الذي يفكر بالهجرة السرية يرى أن حظوظه معدومة لتحسين وضعه في بلاده، لكنه يرى بأنه رغم كل ما تعيشه أوروبا إلا أنها تتوفر على الإمكانيات والفرص، وهناك أمل للخروج من الصعوبات التي يعيشها".
إلا أنه أكد أن القراءة أو الرؤية التي يعتمد عليها الشباب "ليست موضوعية في كثير من الحالات، فتجده يغامر لأن له تصورا معيناً على دول معينة مثل إسبانيا وإيطاليا وفرنسا".
"تجارة" غير شرعية
في مقابل ذلك، تشير تقارير وزارة الدفاع الجزائرية ودراسات إخصائيين إلى واحد من "أخطر أسباب" تزايد وتيرة الهجرة غير الشرعية بالجزائر، والمتعلقة بـ"زيادة شبكات المتاجرة بالمهاجرين السريين" مع ارتفاع تكاليفها.
وتعتبر التقارير الواردة أن ارتفاع منسوب الهجرة السرية بالجزائر مرتبط بـ"عامل غير بريء" تقف وراءه شبكات منظمة تتعدى حدود الجزائر وترتبط بجهات كانت نافذة في السلطة، تهدف من ورائها لزيادة الضغط على النظام الجزائري، بحسب تحليلاتها.
وكشفت الأجهزة الأمنية الجزائرية في الأشهر الأخيرة عن تفكيك عدة شبكات تعمل على تنظيم رحلات الهجرة السرية البحرية باتجاه أوروبا، تركز في نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لتجارتها غير الشرعية، وهي التجارة التي عدها الخبراء "تجارة رابحة لتلك الشبكات المشبوهة".
ويرى الإخصائيون أن تلك الشبكات ترتكز في عملها على نفس منهج الجماعات الإرهابية في "استغلال ظروف الشباب من البطالة والفقر ومختلف مشاكلهم اليومية لاستقطابهم والترويج للرفاهية في أوروبا".
فيما تكشف المعلومات التي تقدمها الجهات الأمنية الجزائرية عن ارتفاع كلفة الهجرة السرية من الجزائر، والتي تفرضها تلك الشبكات على الجزائريين، بشكل مضاعف عن تكاليف الهجرة القانونية سواء عبر الرحلات الجوية أو البحرية.
ووصلت قيمة الهجرة غير الشرعية للشخص الواحد بين 80 مليون دينار (622 ألف دولار) إلى 120 مليون دينار (933 ألف دولار) عبر قوارب مطاطية أو تقليدية تنتهي في الغالب بغرق بعضها أو توقيفها، مع وصول عدد كبير منهم إلى الدول الجنوبية من الاتحاد الأوروبي، إلا أن الأكاديمي الجزائري الدكتور ناصر جابي اعتبر أن الشباب الجزائري الذي يدفع ذلك المبلغ الكبير مقابل هجرة محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة نحو أوروبا "يفكر أنها استثمار يمكن تعويضه خلال فترة عمل قصيرة في أوروبا".
ولم يستبعد في المقابل أن تتحول تلك الشبكات إلى عصابات منظمة مع توسع إمكانياتها المادية من عائدات الهجرة السرية.