صندوق النقد يرفع "مستوى التشاؤم" بشأن الاقتصاد الجزائري
التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي يعتبر أن سياسة التمويل غير التقليدي خطر جدي على اقتصاد الجزائر ويحذر من تآكل احتياطي الصرف.
للمرة الخامسة على التوالي، أعرب صندوق النقد الدولي في آخر تقرير له عن "عدم ثقته" في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الجزائرية لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد للعام الرابع.
- 16 مليار دولار صادرات سوناطراك الجزائرية في خمسة أشهر
- الجزائر: الصين شريكنا التجاري الأول بـ 8 مليارات دولار سنوياً
غير أن التقرير الأخير جاء "بجرعات زائدة من التشاؤم" بخصوص "تداعيات الإجراءات الحكومية" والتي رأى التقرير أن بعضها يهدد اقتصاد الجزائر، وأخرى تبقى كافية بحسب التقرير.
التمويل غير التقليدي.. "خطر جدي" على اقتصاد الجزائر
التقرير الأخير الصادر عن صندوق النقد الدولي أعاد تحذيراته السابقة من قرار الحكومة الجزائرية الذي اتخذته نهاية العام الماضي باللجوء إلى التمويل غير التقليدي من خلال إعادة طباعة النقود لتمويل العجز في الموازنة العامة، ووصف هذا النمط "بالخطر الجدي" على الاقتصاد الجزائري.
ورأى التقرير أن التمويل غير التقليدي سيمثل بحلول نهاية 2018 حوالي 23 % من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2017، وبأن بنك الجزائر رفع من معدل الاحتياطات الإجبارية من 4 إلى 8%، لاستيعاب جزء من السيولة التي تم ضخها عن طريق التمويل غير التقليدي، واستأنف في المقابل عمليات امتصاص عن طريق أخذ الودائع المصرفية في سبعة أيام.
وكشف، نهاية الشهر الماضي، محافظ البنك المركزي الجزائري محمد لوكال، أن سياسة التمويل غير التقليدي الجديدة سمحت بضخ 30 مليار دولار على مرحلتين في الاقتصاد الوطني منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2017.
- "المركزي الجزائري" يعلن تفاصيل ضخ 30 مليار دولار في البنوك المحلية
- الجزائر.. "استفتاء شعبي" لبدء استغلال الغاز الصخري في 2030
وأقر في المقابل بأن هيئته المالية أصبحت أمام تحدٍّ رئيسي يتعلق بضمان استقرار الأسعار في ظل الارتفاع الكبير والمستمر في فائض السيولة المالية الذي يفرضه تطبيق نمط التمويل غير التقليدي.
وأشار إلى أن البنك "مستعد لاستخدام الأدوات المناسبة لإدارة السيولة بالقدر اللازم لمواجهة الوضع"، وللحد من الآثار السلبية لفائض السيولة النقدية، وقال لوكال إن البنك حدد مجموعة من الأدوات المالية لمواجهة الآثار السلبية.
ولخصها في إعادة تشكيل الاحتياطي الإلزامي كما كان، بزيادة معدل الاحتياطي من 4% إلى 8% لتعود إلى المستوى نفسه قبل زيادة مستوى السيولة، متوقعا أن يؤدي ذلك إلى وصول سعر الفائدة بين البنوك في السوق في 7 أيام إلى 2.5%، إضافة إلى أداة أخرى أقرها بنك الجزائر شهر مايو/أيار الماضي، تمثلت في زيادة معدل متطلبات الاحتياطي من 8 إلى 10% وعملية احتواء جزئي للسيولة.
ومن هنا، رأى تقرير الهيئة المالية العالمية أن استخدام التمويل غير التقليدي "في بيئة قد تؤدي فيها المخاطر الخارجية إلى مراجعة متناقضة للتوقعات"، وحذر الحكومة الجزائرية من أن تؤدي الاستراتيجية المالية الجديدة إلى "تفاقم الاختلالات في إجمالي الاقتصاد، وقد تتسبب في توترات اجتماعية، وتغذية الضغوط التضخمية، وبأن زيادة السيولة المالية من شأنها أن تزيد من القيمة الاسمية أو المفترضة للثروة وتحفز الطلب، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المدى القصير بسبب عدم كفاية السيولة، وقد تؤدي أيضا إجراءات تشديد الاستيراد إلى تغذية التضخم من خلال تقليل العرض"، بحسب ما جاء في التقرير.
تحذيرات من تهاوي احتياطات الصرف وقيمة الدينار
من جانب آخر، حذر التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي من تآكل احتياطات الجزائر من العملات الأجنبية التي قال إنها "تحت الضغط"، واعتبر أن "الضغط على أسعار الصرف قد يزيد من احتمال انخفاض كبير في سعر الصرف ويزيد الطلب على العملة الصعبة في السوق الموازية"، خاصة مع تقديرات الخبراء لقيمة العملة الصعبة المتداولة في السوق الموازية والتي تفوق 40 مليار دولار.
وكشفت آخر الإحصائيات الصادرة عن الحكومة الجزائرية الأسبوع الماضي، أن الجزائر خسرت 2.8 مليار دولار من قيمة احتياطاتها من العملة الأجنبية في الأشهر الثلاثة الأولى من 2018، متراجعة إلى 94.529 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من 2018، مقابل 97.33 مليار دولار في الفترة نفسها من 2017.
- الجزائر.. "التناقض" سيد الموقف داخل الحكومة حول إلغاء الدعم
- الجزائر تخسر 150 مليار دولار بسبب أزمتها الاقتصادية
وعلى غرار تقاريره السابقة، أبقى صندوق النقد الدولي على تقييمه للإنتاج الجزائري الذي وصفه "بالضعيف، والذي يتميز بالمرونة المنخفضة"، وانتقد سياسة الحكومة الجزائرية في اعتمادها على ميزان المدفوعات، ورأى بأن الاعتماد عليه "من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض كبير في الاحتياطات، ويغذي المزيد من التضخم".
واعتبر أيضا أن "الخلل في ميزان المدفوعات والحاجة إلى الواردات سيؤدي بالضرورة إلى انخفاض في احتياطات الصرف"، وهو ما يعني بحسب التقرير أن ذلك "سيؤدي إلى ضغوط على سعر الصرف الذي يتجه نحو الارتفاع، وفي حال استمرار هذه الضغوط فإنها قد تؤدي إلى تعديل غير منظم لسعر الصرف، أو تهاوي غير مراقب للدينار الجزائر".
ورأى التقرير كذلك، أن خيارات الحكومة الجزائرية الاقتصادية الأخيرة "قد تؤدي إلى تعقيدات في إدارة الاقتصاد الكلي، وإعاقة النمو وتفاقم المخاطر على الاستقرار المالي في الآجال المتوسطة".
وحذر من احتمال "حدوث مخاطر جدية بسرعة، خاصة إذا بقيت أسعار النفط أقل من التوقعات"، لكنه أبدى تفاؤلاً بأن ينجم عن استغلال الغاز الصخري "تحسن في مؤشرات الاقتصاد الجزائري على المدى المتوسط".
وقدم صندوق النقد الدولي في تقريره ما يرى أنها بدائل للسياسات الاقتصادية الحالية في الجزائر، لخصها في "الترشيد التدريجي للإنفاق العام، واستخدام مجموعة واسعة من أساليب التمويل وخفض تدريجي لسعر الصرف، واتباع سياسة نقدية تهدف إلى السيطرة على التضخم".
واللافت أن التقارير الأخيرة لصندوق النقد الدولي أصبحت تثير حفيظة الحكومة الجزائرية، حيث انتقد وزير المالية الجزائري، عبد الرحمن راوية بداية الشهر الحالي صندوق الدولي، ووصف تقارير الهيئة المالية العالمية "بالضغوط الممارسة على الجزائر والتي لن ترضخ لها".
وجدد "راوية" في تصريحات صحفية، دفاعه عن سياسة التمويل غير التقليدي، حيث أشار إلى أن الحكومة الجزائرية تعمل على أن تطبيق هذا النمط "برقابة صارمة لتفادي التضخم، وبأن العملية مؤطرة بشكل محكم من خلال تعديل قانون النقد والقرض، والذي توقع نسبة تضخم في حدود 5.5 % خلال 2018، على أن ينخفض إلى حدود 4.3 % من 2019 إلى 2020"، بحسب تصريحه.
والملاحظ في التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي بحسب خبراء اقتصاديين، عدم إشارته إلى احتمال إلغاء الحكومة الجزائرية سياسة الدعم العام المقبل، رغم أن تقاريره السابقة "نصحت الحكومة الجزائرية بإلغاء سياسة الدعم الحكومية"، واعتبرت أنها من الأسباب التي أدت إلى ضعف الاقتصاد الجزائري نتيجة ما أسماها "الأعباء الإضافية على اقتصاد الجزائر".
وسبق لخبراء اقتصاديين أن قدموا أرقاماً "صادمة" عن حجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الجزائري في غضون الـ4 سنوات الأخيرة جراء الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد منذ 2014، والتي أكد مسؤولوها أنها "الأشد" في تاريخها.
وبحسب خبراء الاقتصاد، فقد خسرت الجزائر في السنوات الأربع الأخيرة 159 مليار دولار، توزعت ما بين 104 مليارات دولار من المدخرات استهلكت في 4 سنوات، إضافة 55 مليار دولار التي كانت تشكل قيمة صندوق الإيرادات الذي تحول إلى "الصفر" مع نهاية العام الماضي.
aXA6IDMuMTQ1LjE3Ni4yMjgg
جزيرة ام اند امز