لويزة حنون.. لقاء "مشبوه" يبدد نضال 30 سنة للمرأة الحديدية بالجزائر
لويزة حنون المعروفة باسم "الزعيمة" متهمة بالتآمر على سلطتي الدولة والجيش، ويؤكد محامون أنها تواجه عقوبة "الإعدام".
عاد اسم رئيسة حزب العمال اليساري بالجزائر، لويزة حنون، ليطفو على الساحة السياسية إثر سجنها واتهامها من قبل القضاء العسكري بـ"التآمر على سلطتي الدولة والجيش" بعد مشاركتها في "الاجتماع المشبوه" الذي عقد في 30 مارس/آذار الماضي.
- القضاء العسكري بالجزائر يأمر بإيداع رئيسة حزب العمال الحبس المؤقت
- من هو عثمان طرطاق رئيس المخابرات الجزائرية المقال؟
وفي بداية وأواخر مارس/آذار الماضي، عقدت شخصيات جزائرية اجتماعين؛ الأول في باريس والثاني في الجزائر العاصمة بدعم خارجي؛ حيث تقرر خلالهما وضع مخطط للإطاحة بقائد أركان الجيش الجزائري وإعلان حالة الطوارئ، وفق مصادر لـ"العين الإخبارية".
وهو ما أكدته المؤسسة العسكرية الجزائرية وكشفت عن بعض المشاركين فيه، على رأسهم السعيد بوتفليقة ورئيسا جهاز المخابرات السابقان الجنرالان محمد مدين وبشير طرطاق.
لويزة حنون (65 عامًا) التي تعتبر من أقدم الوجوه السياسية في الجزائر، وتوصف بـ"الزعيمة" أو "المرأة الحديدية"، لطالما أثارت مواقفها جدلاً واسعاً، بدأت معارضة "شرسة وجريئة" للنظام الجزائري منذ تسعينيات القرن الماضي، ثم متذبذبة كما يرى متابعون بين دعم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، ثم مزاحمته.
وبعد قرابة 30 سنة من ممارسة السياسة، عاصرت خلالها 5 رؤساء للجزائر وأخطر وأهم مراحلها، تُسجن أول رئيسة حزب في الجزائر بتهم ثقيلة وخطرة.
ويؤكد خبراء قانونيون أن عقوبتها تصل إلى "الإعدام" وفقاً للقانون الجزائري، في انتظار اكتمال التحقيقات التي يرى محاموها أنها قد تنقذها من حبل المشنقة باعتبارها "نائباً برلمانياً يخول لها الدستور الجزائري تمثيل الشعب أمام مختلف الجهات الرسمية".
من هي لويزة حنون؟
ولدت السياسية الجزائرية لويزة حنون في 7 أبريل/نيسان عام 1954 في بلدية "الشقفة" بمحافظة جيجل (شرق الجزائر)، من عائلة بسيطة امتهنت الفلاحة، ثم انتقلت مع عائلتها إلى محافظة عنابة (شرق البلاد) خلال ثورة التحرير الجزائرية (1954 – 1962).
عام 1975 حصلت لويزة حنون على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة)، ثم حصلت على شهادة ليسانس في الحقوق عام 1979 من جامعة عنابة، وكان مطار المدينة التي عملت به موظفة أول محطة مهنية للسياسية الجزائرية.
لم تمكث "حنون" طويلاً في منصبها بسبب "نزعتها النقابية"، وطُردت من عملها عام 1980، لتنتقل إلى العاصمة الجزائرية التي فتحت لها أبواب "النضال السياسي والنقابي".
انضمت لويزة حنون في العام ذاته إلى "لجنة النساء العاملات" ثم "لجنة أفريقيا للوفاق الدولي للعمال"، و"الكونفدرالية الدولية للنقابات العربية" و"الوفاق الدولي للعمال ضد احتلال العراق".
التوجه الفكري لـ"لويزة حنون"
"لويزة" من أقدم الأسماء التي كانت العائلات الجزائرية تفضل تسمية بناتها به منذ ما قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830، ويقال إن معناه "الجوهرة الغالية"، و"صاحبة الشخصية القوية والجريئة والمتسلطة".
ولعل السياسية الجزائرية لويزة حنون تمتلك بعضاً من تلك الصفات من خلال الرجوع إلى مواقفها منذ تأسيسها حزب العمال عام 1990 عقب الانفتاح السياسي والإعلامي الذي عرفته الجزائر.
أسست "حنون" حزبها وفق مبادئ يسارية متأثرة بأفكار التيار التروتسكي (تيار شيوعي وضع على يد ليون تروتسكي)، وانعكس ذلك على مواقفها سواء في نضالها النقابي حين كانت من بين أكبر المدافعين عن العمال، أو من خلال مواقفها السياسية المناهضة للعولمة والإمبريالية والأحادية القطبية.
كانت لها مواقف "تصادمية" مع النظام الجزائري منذ دخولها الساحة السياسية، وكانت من أشد المعارضين لمشروع "خصخصة شركة سوناطراك النفطية" سنة 2005 والذي ألغاه الرئيس الجزائري السابق بعد تزايد الرفض الشعبي للمشروع.
كما تعد "التروتسكية" من أكثر المحذرين من "الاستثمارات الأجنبية" في بلادها، وتعتبرها "استعماراً من نوع آخر"، وعارضت بشدة سياسة تدخل رجال المال في الشأن السياسي الجزائري منذ 2013.
أما عن مواقفها السياسية تجاه الإخوان فتعتبر لويزة حنون من أشد المطالبين بـ"فصل الدين عن الدولة" و"المساواة بين الرجل والمرأة".
ورغم معارضتها للجبهة الإسلامية للإنقاذ الإخوانية المحظورة فإنها كانت من المطالبين بـ"الإفراج عن قادتها" المتهمين بقتل آلاف الجزائريين خلال سنوات العشرية السوداء التي تغول فيه نشاط الجماعات الإرهابية وكان "جيش الجبهة الإرهابي" من أكبرها.
ومع ذلك، حافظت المعارضة الشرسة على مواقفها المناهضة للتيارات الإخوانية، وسبق أن وصفتها بـ"التيارات التي تتاجر بالدين لأغراض سياسية"، الأمر الذي دفع ببعض القيادات الإخوانية الجزائرية سنة 2015 إلى "النبش في حياتها الشخصية".
انتقدت "حنون" موجة ثورات الربيع العربي منذ بدايتها عام 2011، وشددت في تصريحات لها في أكتوبر/تشرين الثاني 2015 على أنها "مؤامرة خارجية مدعومة من دولة قطر".
أما أحدث مواقفها التي أثارت جدلاً واسعاً في الجزائر، عندما زعمت في تصريح صحفي بتاريخ 20 أبريل/نيسان الماضي أن "الجزائر لا تنتمي إلى ما يسمى الأمة العربية".
نشاطها السياسي والحزبي
كانت السياسية الجزائرية لويزة حنون أول امرأة عربية ترشح نفسها في الانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان 2004، نافست فيها 6 مرشحين أبرزهم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة ورئيس وزرائه علي بن فليس، وجاءت في المرتبة الخامسة بعد أن حصلت على نسبة 1% من الأصوات.
حازت المرتبة نفسها في رئاسيات 2014 بحصولها على نسبة 1.37% من الأصوات، فيما حققت مفاجأة غير متوقعة في رئاسيات 2009، عندما جاءت خلف بوتفليقة في المرتبة الثانية بحصولها على نسبة 4.22%.
وبعد فوز بوتفليقة بولاية رئاسية رابعة، صعدت حنون من مواقفها ضد السلطة وقادت حملة منذ عام 2018 ضد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وطالبت برحيل النظام.
حنون والدولة العميقة
عام 2015، اتهم عمار سعداني الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بالجزائر رئيسة حزب العمال بأنها "مكلفة بمهمة من قبل رئيس جهاز المخابرات (الأسبق) الفريق محمد مدين"، وبما سماه محاولاتهم "زعزعة استقرار مؤسسات الدولة".
ومنذ ذلك الوقت، تداولت الأوساط السياسية والإعلامية في الجزائر "شبهة العلاقة" بين لويزة حنون ورئيس جهاز المخابرات الأسبق المعروف باسم "الجنرال توفيق"، قبل أن تخرج شهر أبريل/نيسان الماضي في ندوة صحفية لـ"تدافع عن الجنرال" وتصفه بـ"الوطني الذي لا يمكنه خيانة وطنه".
التآمر على الدولة
وفي خضم التطورات السياسية المتلاحقة، كشفت وسائل إعلام جزائرية عن قائمة المشاركين في اجتماعين مشبوهين في باريس والجزائر العاصمة شهر مارس/آذار الماضي، "للإطاحة بقائد الأركان وعودة جناح الدولة العميقة لحكم الجزائر".
وذكرت المصادر الإعلامية أن "لويزة حنون كانت من بين المشاركين في الاجتماعين"، إضافة إلى عناصر من المخابرات الفرنسية.
وفي 9 مايو/أيار الجاري، استدعى قاضي التحقيق بالمحكمة العسكرية في البليدة (وسط الجزائر) لويزة حنون "كشاهدة" في قضية شقيق بوتفليقة ومحمد مدين وبشير طرطاق المتعلقة بـ"التآمر على سلطتي الدولة والجيش"، ليقرر القضاء العسكري سجنها في اليوم ذاته، دون أن يكشف عن التهم الموجهة إليها.
وفي 16 من الشهر ذاته، كشف رشيد خان، محامي لويزة حنون، في تصريحات لوسائل إعلام جزائرية، أن موكلته "اعترفت" في التحقيقات بلقائها السعيد بوتفليقة والفريق محمد مدين يوم 27 مارس/آذار الماضي بإقامة "دار العافية" التابعة للسلطات الجزائرية لمدة ساعة من الزمن.
وأبعد المحامي "شبهة التآمر على سلطتي الدولة والجيش" عن رئيسة حزب العمال، واعتبر، في تصريحاته، أن موكلته "كانت تعتقد أن اللقاء عقد بموافقة الرئيس السابق"، فيما رفض القضاء العسكري طلب الإفراج عن لويزة حنون.
وسبق لقائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح أن أكد أن "الجيش الجزائري يملك كافة الأدلة عن المشاركين في الاجتماع المشبوه والهدف منه"، واتهم رئيس جهاز المخابرات الأسبق محمد مدين بمحاولة "زعزعة استقرار البلاد".