أسبوع الجزائر.. التحقيق في قضايا الفساد يتسع والجيش يدعو للحوار
شهدت الجزائر انتخاب أمين عام للحزب الحاكم، مع بروز ظاهرة "التعقيدات الجهوية" (العشائرية)، وسط تراجع زخم الحراك الشعبي
استمرت الجزائر خلال الأسبوع الماضي في التحقيقات بقضايا الفساد التي امتدت إلى كبار المسؤولين على رأسهم رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى والمدير العام الأسبق للأمن عبد الغني هامل ووزير المالية الحالي محمد لوكال.
- أسبوع الجزائر.. إعصار الحراك يخرج ملفات الفساد للعلن وفشل ندوة التشاور
- أسبوع الجزائر.. سقوط "الباء الأولى" والجيش يتعهد بحماية الحراك المتواصل
وعلى الصعيد السياسي، دعا قائد أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح، الطبقة السياسية وممثلين عن الحراك الشعبي إلى الحوار، وتعهد بـ"تصفية البلاد من الفساد والمفسدين".
كما انتخب حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم محمد جميعي أميناً عاماً جديداً، والذي يعد من أكبر المدافعين عن الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، الأمر الذي أثار موجة استياء في البلاد.
وبالتزامن مع تراجع زخم الحراك في الجمعتين الأخيرتين، طفت على سطحه إشكالية "التعقيدات الجهوية" (العشائرية)، أو كما يصفها جزائريون بـ "قنبلة الهوية"، مع تصاعد التحذيرات من تداعياتها، ومن الأطراف التي تسعى لتحريك ورقة البعدين العربي والأمازيغي للجزائر.
تواصل تحقيقات الفساد
واستمع القضاء الجزائري خلال الأسبوع المنتهي ولمدة 6 ساعات كاملة لإفادات رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى ووزير المالية الحالي محمد لوكال بصفته محافظ بنك الجزائر السابق حول تهم تتعلق بـ "تبديد المال العام والحصول ومنح امتيازات غير مشروعة"، تحت إجراءات أمنية مشددة على محيط المحكمة.
- في جلسة مغلقة.. القضاء الجزائري يحقق مع رئيس الوزراء السابق بتهم فساد
- الجزائر تلتزم السرية في تحقيقات فساد مع وزير المالية ومسؤول أمني سابق
وذكرت وسائل إعلام جزائرية الخميس أن قاضي التحقيق لمحكمة سيدي أمحمد بالجزائر العاصمة وضع أمام أويحيى ولوكال وثائق رسمية كشفت عن "منحهما تسهيلات متعلقة بقروض مالية من بعض البنوك لمتعاملين اقتصاديين"، وطلب منهما تقديم توضيحات عن ذلك.
كما حقق القضاء الجزائري مرتين متتاليتين خلال الأسبوع المنقضي مع المدير العام الأسبق للأمن الجزائري اللواء المتقاعد عبد الغني هامل.
كانت الأولى يوم الإثنين الماضي بمحكمة تيبازة (شرق الجزائر العاصمة)، حيث استمع قاضي التحقيق للواء المتقاعد حول الاتهامات الموجهة له ولنجله في قضايا متعلقة بـ "نهب أراضي الدولة وأنشطة غير مشروعة واستغلال النفوذ وسوء استخدام الوظيفة" بحسب ما ذكره التلفزيون الحكومي.
والثانية الخميس بمحكمة سيدي أمحمد بالجزائر العاصمة، بعد استدعائه للاستماع لأقواله في قضية ضبط 701 كليوجرام من الكوكايين السنة الماضية.
وذكر التلفزيون الحكومي في وقت سابق، أن التحقيق مع اللواء المتقاعد سيكون حول علاقة مقربين منه بالمتهم الرئيسي في قضية الكوكايين وهو رجل الأعمال كمال شيخي، في وقت التزم فيه القضاء الجزائري سرية التحقيقات مع كبار المسؤولين، والتي جرت في جلسات مغلقة.
بموازاة ذلك، تعهد قائد أركان الجيش الجزائري بـ "تطهير البلاد نهائياً من الفساد والمفسدين وأن يبقى الجيش بالمرصاد وفقاً لمطالب الشعب الملحة، ولما يخوله الدستور"، مشيراً إلى أن "محاربة الفساد لازالت في بداياتها، وبأن مصالح الأمن سلمت ملفات الفساد للعدالة الجزائرية".
كما كشف قايد صالح أن وزارة الدفاع الجزائرية "تمتلك معلومات مؤكدة حول ملفات فساد ثقيلة"، و"بأنه اطلع شخصياً على تلك الملفات".
مدافع عن بوتفليقة لقيادة الحزب الحاكم
وشهد الأسبوع المنقضي نهاية الأزمة الداخلية لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، بعد انتخاب محمد جميعي أميناً عاماً جديداً للحزب خلفاً لجمال ولد عباس الذي يستعد البرلمان الجزائري لرفع الحصانة عنه بطلب من وزارة العدل.
- جميعي.. الأكثر دفاعا عن بوتفليقة أمينا للحزب الحاكم بالجزائر
- ابن صالح للجزائريين: علينا بناء بلادنا دون إقصاء أو تصفية حسابات
وأحدث انتخاب جميعي موجة استياء في البلاد، خاصة وأنه كان من بين أكبر قيادات الحزب الحاكم الذين دافعوا عن ترشح بوتفليقة لولاية خامسة وعن الفكرة التي طرحها الائتلاف الحاكم "الاستمرارية"، وكان من مؤسسي "تنسيقية ترشيح بوتفليقة لعهدة خامسة" التي أنشأها مع بعض قياديي الحزب يناير/كاون ثان 2018، ما استدعى مثولهم أمام لجنة الانضباط في "الأفالان".
وأعاد جزائريون تداول تصريحات سابقة لـ"جميعي" عبر مواقع التواصل الاجتماعي ذكر فيها "بأنه لم تلده أمه من ينافس بوتفليقة"، وأعرب كثيرون عن مخاوفهم من بقاء نظام بوتفليقة، ودعا آخرون إلى "الإسراع في وضع الحزب بالمتحف".
وبالتزامن مع ذلك، دعا قائد أركان الجيش الجزائري الطبقة السياسية إلى اعتماد الحوار مع مؤسسات الدولة "كخيار وحيد للخروج من الأزمة".
وقال قايد صالح من محافظة قسنطينة (شرق): "إنني على قناعة تامة بأن اعتماد الحوار البنّاء مع مؤسسات الدولة هو المنهج الوحيد للخروج من الأزمة، وهو المسلك الأنجع الكفيل بتقديم اقتراحات بنّاءة وتقريب وجهات النظر وتحقيق التوافق حول الحلول المتاحة".
كما دعا الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح الأحزاب السياسية إلى تجاوز الخلافات ووضعها جانباً لما تمر به البلاد من ظرف استثنائي، والبحث عن حلول توافقية لإنهاء الأزمة السياسية، وتعهد في المقابل بـ "ضمان التغيير الجذري الذي يطالب به الحراك على نظام الحكم في ممارساته ورجاله".
ورحب علي بن فليس رئيس حزب "طلائع الحريات" (المعارض) بدعوة قايد صالح للحوار، غير أنه طالب بأن يحظى الطرف المحاوَر معه "بالمصداقية والثقة".
وقال بن فليس في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية" أن "حواراً بهذه الميزات والمواصفات يقتضي مخاطبين ذوي المصداقية والثقة، كما يتطلب وضع أطره الدقيقة ورسم أهدافه المتوخاة وتشخيصها بكل وضوح".
ورقة مسمومة تواجه الحراك
تصاعدت التحذيرات خلال الأسبوع الماضي التي أطلقها مثقفون جزائريون من تداعيات ما أسموه "التفرقة والعنصرية والتحريض"، على خلفية تظاهر بعض من سكان منطقة القبائل الأمازيغية ضد توقيف رجل الأعمال يسعد ربراب الذي تعود أصوله إلى المنطقة.
وفي 22 أبريل/نيسان الماضي، جرت توقيفات طالت قرابة 50 رجل أعمال بينهم ربراب يشتبه في تورطهم في "تهم فساد".
وأمر القضاء الجزائري بوضع رجل الأعمال يسعد ربراب في السجن الاحتياطي (دون تحديد مدة)، بعد أن وجه له تهماً تتعلق بـ"التصريح الكاذب المتعلق بحركة رؤوس الأموال مِن وإلى خارج الجزائر، وتضخيم فواتير استيراد تجهيزات، واستيراد عتاد مستعمل وحصوله على امتيازات جمركية".
كما أحدثت المحاضرة التي قدمها المدعو فرحات مهني زعيم ما يعرف بـ"منظمة الماك" التي تدعو إلى "انفصال منطقة القبائل عن الجزائر" بجامعة محافظة تيزيوزو (شرق) جدلاً كبيراً.
واعتبر جزائريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن توقيت المحاضرة "غير بريء"، متهمين "الدولة العميقة بالوقوف وراء ذلك، وبأنها الجهة الوحيدة التي تجيد اللعب بورقة العشائرية وخلق النعرات وإعادة إحياء ألغام تركها الاستعمار الفرنسي عن الهوية الجزائرية العربية والأمازيغية" كما ذكر عدد منهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
فيما اعتبر بعض من المدافعين عن رجل الأعمال يسعد ربراب أن "جهات خفية تستهدف منطقة القبائل من خلال انتقاء المسؤولين ورجال الأعمال الذين ينحدرون من المنطقة لتشويه صورتهم بتهم متعلقة بقضايا فساد"، الأمر الذي نفاه قائد أركان الجيش الجزائري.