أسبوع الجزائر.. سقوط "الباء الأولى" والجيش يتعهد بحماية الحراك المتواصل
استقالة رئيس المجلس الدستوري واتهام قائد الجيش الجزائري جهاز المخابرات السابق بـ"تأجيج الأزمة".. أبرز أحداث الأسبوع بالجزائر.
مر أسبوع الجزائر بتحقيق الحراك الشعبي هدفه الثاني بسقوط "الباء الأولى" عقب استقالة رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، وتعهد الجيش بحماية المظاهرات من أي انتهاكات لقوات الأمن.
- الجزائر بأسبوع.. تعيين رئيس مؤقت ورفض شعبي لـ"رموز بوتفليقة"
- أسبوع الجزائر.. نهاية حكم بوتفليقة بتغيير سلمي يدحر أطماع الإخوان
وتحقق المطلب الأول للحراك الشعبي في الجزائر بتقديم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة استقالته من منصبه، وتراجعه عن الترشح لولاية خامسة، لكن المظاهرات الاحتجاجية تواصلت للمطالبة باستقالة ما بات يعرف بـ"الباءات الثلاث" التي ترمز للقيادات السياسية في نظام الرئيس المستقيل.
وتولى عبدالقادر بن صالح رئيس البرلمان، وإحدى الباءات الثلاث، بموجب الدستور، منصب الرئيس المؤقت للبلاد، مع تواصل المظاهرات الغاضبة ضده، لكن مشاوراته مع الطبقة السياسية استمرت على نحو اعتيادي، فيما هدد قائد أركان الجيش الجزائري للمرة الأولى رئيس جهاز المخابرات السابق بـ"المحاسبة" واتهمه بمحاولة "زعزعة استقرار الجزائر".
ويقابل الصراع على السلطة الذي تقوده ما يطلق عليه المتظاهرون "الدولة العميقة ومحيط بوتفليقة"، صراع من نوع آخر، داخل أحزاب الموالاة، خاصة جبهة التحرير الوطني الحاكم التي يسعى "صقورها" لإبعاد منسق هيئة تسيير الحزب معاذ بوشارب، ويبقى مصير رئاسيات 4 يوليو غامضا، ومعه الاقتصاد الجزائري الذي "ظهر غارقا في الأموال المطبوعة" بحسب تقرير للبنك المركزي الجزائري، متهما رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى بـ"تدمير اقتصاد البلاد".
بلعيز يستقيل وجدل حول دستورية تعيين خليفته
وقدم، الثلاثاء الماضي، الطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري الجزائري استقالته رسميا بعد نحو شهرين من تعيينه في المنصب من قبل الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة.
- استقالة رئيس المجلس الدستوري الجزائري إثر احتجاجات.. واختيار خليفته
- استقالة الطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري في الجزائر
استقالة بلعيز اعتبرها الجزائريون "انتصارا جديدا لثورتهم السلمية" كما عبروا عن ذلك في مظاهرات الثلاثاء الماضي، لكنهم جددوا إصراراهم على رحيل بقية "الباءات الثلاث" المتمثلة في بن صالح عبدالقادر رئيس الجزائر المؤقت، وبوشارب معاذ رئيس البرلمان، وبدوي نور الدين رئيس الوزراء.
وبعد تضارب في الأنباء، خرج الرئيس الجديد للمجلس الدستوري من بين أعضائه الـ12، بعد أن عيّن الرئيس الجزائري المؤقت كمال فنيش خلفا لبلعيز.
غير أن تعيين فنيش أثار جدلا بين خبراء القانون الدستوري في الجزائر؛ إذ اعتبر غالبيتهم "تعيين كمال فنيش المنتخب عن مجلس الدولة خرقا للمادة 183 من الدستور الجزائري".
وتنص المادة على أن المجلس الدستوري مكون "من 12 عضوا، من بينهم 4 أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية، واثنان ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني (الغرفة العليا للبرلمان)، واثنان ينتخبهما مجلس الأمة (الغرفة السفلى للبرلمان)، واثنان تنتخبهما المحكمة العليا، واثنان ينتخبهما مجلس الدولة".
واستند الخبراء القانونيون في "فتواهم الدستورية" على أن "تعيين منتخب عن مجلس الدولة في منصب رئيس المنصب الدستوري يُعَد خرقا لمبدأ التوازن بين السلطان في تشكيلة المجلس المحدد بـ12 عضوا، 4 لكل سلطة، وهو ما يعني أن السلطة القضائية ستصبح بخمسة أعضاء بعد أن أصبح منصب فنيش شاغرا كمنتخب عن مجلس الدولة".
فيما اعتبر خبراء آخرون أن "تعيين فنيش دستوري، وأنه من صلاحيات رئيس الدولة تعيين أي شخصية في منصب رئاسة المجلس الدستوري، ولا يمكنه الخضوع لنص المادة 183 التي تحدد هيكل المجلس فقط ولا تُفرض على رئيس الدولة".
غير أن الحراك الشعبي في الجزائر الذي بقي متواصلا على مدار أيام الأسبوع وقاده الطلبة والمحامون والقضاة، لم يكترث لذلك الجدل، واعتبر أن تعيين أي شخصية "لا يرضى بها الحراك مرفوضة ومن يُعين مطالب بالرحيل"، في انتظار الجمعة التاسعة من المظاهرات للتأكيد على مطالب رحيل جميع رموز نظام بوتفليقة.
وفي الوقت الذي يصر فيه الجزائريون على رحيل مسيري المرحلة الانتقالية، شرع الرئيس الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح في مشاوراته مع الطبقة السياسية كما أعلن ذلك في أول خطاب له.
واستقبل، الخميس، بعض رؤساء الأحزاب والشخصيات السياسية، كما أعلنت الرئاسة الجزائرية توجيهها دعوات لـ100 شخصية وطنية وخبراء في القانون ومن الأحزاب لعقد ندوة تشاورية يوم الإثنين المقبل بهدف "توفير أجواء شفافة تحضيرا لرئاسيات 4 يوليو" وفق ما جاء في بيان الرئاسة الجزائرية.
رئاسيات توقع محللون في وقت سابق لـ"العين الإخبارية" تأجيلها مرة أخرى، مرجعين ذلك إلى "أن المرحلة بحاجة إلى ضمانات ملموسة تُقنع الحراك الشعبي، ولا يمكن توافرها في ظل إشراف رموز نظام بوتفليقة على تلك الانتخابات"، كما لم يتقدم للترشح لرئاسيات 4 يوليو المقبل إلا 9 مرشحين كما ذكرت الداخلية الجزائرية في بيان لها، لكنها لم تكشف عن أسمائهم.
أما الندوة فقد استبقتها غالبية الأحزاب والشخصيات المعارضة بإعلانها رفض المشاركة فيها، فيما يبقى الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) غائبا عن الساحة السياسية، بعد أن "غرق في الصراع" كما ذكر قياديون فيه لـ"العين الإخبارية".
وتحرك "صقور الحزب" لإبعاد معاذ بوشارب الذي يعد من بين "الباءات" التي يطالبها الحراك بالرحيل، بعد أن ضمنوا موافقة الداخلية الجزائرية على عقد مؤتمر استثنائي الأسبوع المقبل لانتخاب أمين عام جديد.
أما عبدالمجيد سيدي السعيد الأمين العام للمركزية النقابية وأكبر تجمع نقابي حكومي في الجزائر، فقد سارع "لنفي استقالته" ساعات فقط بعد تداول وسائل الإعلام المحلية والجزائريين عبر مواقع التواصل نص الاستقالة؛ الأمر الذي أثار تساؤلات عدة حول "بقاء قوة محيط بوتفليقة" الذي يعتبر سيدي السعيد إحدى ركائزها، ومن أكثر رموز نظام بوتفليقة الذين طالب الحراك الشعبي برحيله.
قائد الجيش يحذر من الوقت ويُسمي "أعداء" الحراك
في ظرف أسبوع واحد، ألقى قائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح، كلمتين منفصلتين، يومي الثلاثاء والخميس، في وقت بات الجزائريون يتبعون إطلالات "الفريق" ومواقفه "لعلها تسقط المزيد من الباءات ومن رموز الفساد" كما علق عدد منهم عبر منصات التواصل.
- قائد أركان الجيش الجزائري: محاولات المساس بأمن بلادنا فشلت
- قائد أركان الجيش الجزائري يتهم رئيس المخابرات الأسبق بتأجيج الأزمة
كلمة قايد صالح يوم الثلاثاء كانت بحسب المراقبين الأبرز منذ استقالة بوتفليقة، وتضمنت 3 رسائل قوية إلى جهات داخلية وخارجية.
أولها، اتهامه للمرة الأولى رئيس جهاز المخابرات الأسبق محمد مدين بمحاولة "تأجيج الأزمة، مع تورط مسؤولين وأحزاب سياسية في ذلك"، ووجه له "آخر إنذار قبل اتخاذ إجراءات قانونية صارمة في حقه".
وأكدت تصريحات قائد أركان الجيش الجزائري ما انفردت به "العين الإخبارية" من مصادر أمنية قبل يومين عن خطاب قايد صالح، خاصة ما تعلق منها بـ"الدور المشبوه" الذي يلعبه الإخواني عبدالله جاب الله لما سماه قايد صالح "التآمر على مطالب الشعب ومن أجل عرقلة مساعي الجيش الوطني الشعبي ومقترحاته لحل الأزمة".
في وقت يصر فيه الإخواني جاب الله على مقترح المعارضة الجزائرية والذي أكدت مصادر لـ"العين الإخبارية" أنه "مقترح مقدم من الدولة العميقة، بقي جاب الله المدافع الوحيد عنه، وفضل الموقعون عليه إما الانسحاب منه وإما عدم الحديث عنه".
تكرار ظهور "عجوز إخوان الجزائر" دفع كثيرين إلى التشكيك في "دوره المشبوه" خاصة أن "أقرب المقربين منه مقربون أيضا من رئيس جهاز المخابرات السابق"، واعتباره "ناطقا رسميا باسم الدولة العميقة" التي أكد قائد أركان الجيش الجزائري أنها "تنشط ضد إرادة الشعب وتعمل على تأجيج الوضع، والاتصال بجهات مشبوهة والتحريض على عرقلة مساعي الخروج من الأزمة".
النقطة الثانية البارزة في خطاب قايد صالح، هي إعلانه الصريح "رفضه قمع المظاهرات وحمل أعلام أخرى غير العلم الرسمي للجزائر"، وأكد أنه "انطلاقا من متانة الثقة التي تربط الشعب بجيشه، أسدينا تعليمات واضحة لا لبس فيها لحماية المواطنين لا سيما أثناء المسيرات، لكن بالمقابل ننتظر من شعبنا أن يتفادى اللجوء إلى العنف وأن يحافظ على الممتلكات العمومية والخاصة، ويتجنب عرقلة مصالح المواطنين".
وأضاف: "وأود الإشارة في هذا الإطار إلى ضرورة الاحترام التام لرموز الدولة وعلى رأسها العلم الوطني، لما يمثله من رمزية مقدسة لوحدة الوطن والشعب وتضحيات الأجيال عبر التاريخ".
فيما تحددت النقطة الثالثة في دعوة قايد صالح القضاء الجزائري إلى "الإسراع في محاسبة المتورطين في قضايا الفساد" خاصة أولئك "الذين استفادوا من "قروض بآلاف المليارات بغير وجه حق وألحقوا الضرر بخزينة الدولة واختلاس أموال الشعب".
المركزي الجزائري يتهم أويحيى بالإفراط في إعادة طبع النقود
وبالتزامن مع استمرار الأزمة السياسية، تبرأ بنك الجزائر من سياسة التمويل التقليدي التي أقرها رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بهدف تمويل العجز في الخزينة العمومية ولتمويل المشاريع المتأخرة جراء الانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ 2014.
وكشف تقرير للمركزي الجزائري عن أن "لجوء حكومة أويحيى إلى خيار التمويل غير التقليدي، والإفراط في سياسة طبع النقود، جاء رغم تحذيرات البنك الذي قدم اقتراحات بديلة"، في وقت بلغت قيمة الأموال المطبوعة ما قيمته 50 مليار دولار.
كما أوضح بنك الجزائر أنه منذ "منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2017 حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2019 تم توفير 6556.2 مليار دينار جزائري أي ما قيمته 55.5 مليار دولار".
وأشار إلى أن "الوضع الاقتصادي في الجزائر كان بعيدا كل البعد عن وضع دول استعملت التمويل غير التقليدي مثل الولايات المتحدة واليابان"، مضيفا أنه "أبلغ الحكومة بأن الجزائر لم تستنفد الوسائل النقدية المتاحة في السياق التقليدي وأنه يمكن تطبيقها خلفا للتمويل غير التقليدي".