أسبوع الجزائر.. نهاية حكم بوتفليقة بتغيير سلمي يدحر أطماع الإخوان
أسبوع الجزائر كان الأبرز منذ بدء الحراك الشعبي باستقالة بوتفليقة بعد موقف الجيش الحاسم المتبني مطالب الحراك وإعلانه الحرب على الفساد
"أسبوع النصر" في الجزائر.. هذا ما يمكن اقتباسه من كلام الجزائريين الذي تردد خلال الأسبوع المنصرم بعد تقديم الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة استقالته رسمياً، عقب استسلام "المحيطين به" "للأمر الواقع" كما ذكر متابعون.
- أسبوع الجزائر.. إسدال الستار على حقبة بوتفليقة وحراك شعبي لا يفتر
- أسبوع الجزائر.. استمرار رفض التمديد لبوتفليقة وضربات شعبية موجعة للإخوان
أسبوع الجزائر لم يصل إلى أن يكون الأخير في حكم عبدالعزيز بوتفليقة للجزائر المتبوع بـ"اعتذار واعتراف بالتقصير"، إلا بعد عدة تطورات، أبرزها عقد الجيش الجزائري اجتماعين "حاسمين" في أسبوع واحد لوقف الأزمة "بأثر فوري"، لقطع الطريق على قوى حاولت تمديد الأزمة كما ذكرت وزارة الدفاع الجزائرية، وأكده الرئيس الجزائري الأسبق اليامين زروال في أول موقف له مما يحدث، وما أعقب ذلك من فتح ملفات فساد 12 من رجل الأعمال المقربين من سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المستقيل.
ثورة بقرار شعب وتنفيذ جيش
أجمع الجزائريون على وصف الأسبوع المنقضي بـ"الحلقة الأخيرة من حكم بوتفليقة"؛ مسلسل أخرجه الحراك الشعبي الذي بدأ في 22 فبراير/شباط الماضي، وظهر في حلقته الأخيرة المؤسسة العسكرية ومحيط بوتفليقة، وبين كل حدث وحدث لم يختف عنصر التشويق، لكن مشهد الختام سبقه شائعات شدت أعصاب الجزائريين وأثارت مخاوفهم من "نهاية محزنة".
- الجيش الجزائري يدعو إلى إعلان "فوري" بشغور منصب الرئيس
- مصادر لـ"العين الإخبارية": الجيش الجزائري يبحث التعجيل بإعلان شغور منصب الرئيس
سيناريو الحلقة الأخيرة جاء محبوكاً بأحداث متتالية ومتسارعة، بدأت السبت الماضي باجتماع قادة عسكريين في وزارة الدفاع الجزائرية برئاسة قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح، صدر عنه بيان "التحاق بالحراك الشعبي" بعد أن أعلن "تبنيه" مطالبه وإسناد تطبيق المادة 102 من الدستور، التي تنص على شغور منصب رئيس الجمهورية مع المادتين 7 و8 منه.
وذكر البيان أنه "بتاريخ 30 مارس 2019 تم عقد اجتماع من طرف أشخاص معروفين، سيتم الكشف عن هويتهم في الوقت المناسب، من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش الوطني الشعبي، وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور".
فقرة زادت من غموض ما يحدث عند الجزائريين، خاصة مع تضارب الأنباء في الإعلام الجزائري عما يحدث، على الرغم من أن أصابع الاتهام كانت موجهة بالدرجة الأولى إلى رئيس جهاز المخابرات السابق الفريق محمد مدين المعروف بـ"الجنرال توفيق" بـ"التواطؤ مع المخابرات الفرنسية".
- زروال في أول تعليق على أزمة الجزائر: تعقلوا لتجنب أي انزلاق
- احتجاز رجل الأعمال الجزائري "حداد" المقرب من بوتفليقة تمهيدا لتحقيق ثان معه
وسرعان ما صدر بيان عن الرئيس الجزائري الأسبق اليامين زروال "كذّب توفيق وأكد كلام صالح"، عندما تحدث في بيان حصلت "العين الإخبارية" على تفاصيله عن "عرض تقدم به الجنرال محمد مدين باسم شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة لترأس مجلس انتقالي بعد انسحاب بوتفليقة"، ومعلناً رفضه للمقترح، وهو الرفض الذي قرأه المراقبون باعتباره "رسالة تنبيه موجه للجزائريين والجيش"، خاصة عندما دعاهم إلى الالتفاف حول المؤسسة العسكرية.
كما دعا زروال (1994-1999) أصحاب القرار في الجزائر إلى "التعقل تجنباً لأي انزلاق"، وعبّر عن "فخره" لـ"مطالبة ملايين الجزائريين بالديمقراطية"، واصفاً الحراك الشعبي الأخير "باستعادة الشعب السيطرة على مصيره".
كما خرج وزراء "عمّروا كثيراً في مناصبهم" ولقّبهم الجزائريون بـ"الوزراء المثيرين للجدل"، أبرزهم وزيرة التعليم نورية بن غبريط والطاهر حجار وزير التعليم العالي (الجامعات) والطيب لوح وزير العدل.
يوم الإثنين لم يخلُ أيضاً من الأحداث، عقب إصدار الرئاسة الجزائرية بياناً "أثار جدلاً واسعاً في الجزائر حول مصدره"، أعلن فيه أن بوتفليقة سيستقيل قبل 28 أبريل/نيسان.
استمرت "لعبة عض الأصابع" بين قيادة الجيش ومحيط بوتفليقة "المتهم بالتخابر مع جهات أجنبية" حسب عريضة قدمها جزائريون للعدالة الجزائرية ضد شقيق بوتفليقة، وأصدر القضاء الجزائري في اليوم ذاته أوامر إلى الجهات الأمنية لمباشرة تحقيقات مع 12 رجل أعمال مقربين من الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وشقيقه ومستشاره الخاص سعيد بوتفليقة بتُهم "الفساد وتهريب أموال نحو الخارج"، وقررت منعهم من مغادرة البلاد، وسحب جوازات سفرهم لمدة شهر كامل أبرزهم علي حداد، وفق ما جاء في بيان النيابة العامة الجزائرية الذي حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه.
ثم جاء "ثلاثاء الحسم" الذي أكدت وزارة الدفاع الجزائرية شكوك الجزائريين حول مصدر البيان الرئاسي، واعترفت بأن "جهات غير دستورية هي من حررته وأرسلته"، عقب "أكبر اجتماع لكبار قادة الجيش الجزائري" منذ التسعينيات، والذي ضم أيضا قائدي الحرس الجمهوري والدرك.
- الجزائر تحظر إقلاع الطائرات الخاصة وسط أنباء عن قرب استقالة بوتفليقة
- جزائريون يقاضون شقيق بوتفليقة: ينتحل صفة الرئيس
ليخرج الاجتماع بالدعوة إلى "الإعلان الفوري بشغور منصب الرئيس"، ومهاجماً بيان الرئاسة الصادر يوم الإثنين، الذي قال إنه صدر "عن عصابة تحكم البلاد".
بيان وزارة الدفاع الجزائرية، الذي حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، كان حاسماً في التعجيل باستقالة بوتفليقة وبـ"قرار لا رجعة عنه" كما جاء فيه، خاصة عندما ذكر أن "الجيش يرى أنه لا مجال للمزيد من تضييع الوقت، وأنه يجب التطبيق الفوري للحل الدستوري المقترح المتمثل في تفعيل المواد 7 و8 و102، ومباشرة المسار الذي يضمن تسيير شؤون الدولة في إطار الشرعية الدستورية".
وأضاف بيان الوزارة الجزائرية "إننا نقف مع الشعب حتى تتحقق مطالبه كاملة غير منقوصة، وبصفتي ابن الشعب وبناء على المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقي فلا يمكنني إلا أن أنحاز إلى هذا الشعب، الذي صبر طويلا وكابد المحن، وحان الوقت لأن يسترجع حقوقه الدستورية المشروعة وسيادته الكاملة".
كما تطرق البيان إلى "عمليات نهب وتحويل الأموال خارج البلاد مؤخرا"، وذكر "كيف تمكنت هذه العصابة من تكوين ثروات طائلة بطرق غير شرعية وفي وقت قصير، دون رقيب ولا حسيب، مستغلة قربها من بعض مراكز القرار المشبوهة، وها هي تحاول هذه الأيام تهريب هذه الأموال المنهوبة والفرار إلى الخارج".
ولم تمضِ ساعة على بيان وزارة الدفاع الجزائرية حتى خرجت الرئاسة الجزائرية بـ"ببيان استقالة" الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة "رسمياً" بعد 20 سنة من الحكم، وخرج آلاف الجزائريين إلى الشوارع، معبرين عن فرحهم بأن "أصبح بوتفليقة الرئيس السابق"، كما رصدته "العين الإخبارية" في منشورات الجزائريين عبر منصات التواصل.
بوتفليقة يعتذر من الجزائريين
بعد أن اعتبر في رسالة استقالته أنها جاءت "لتهدئة نفوس الجزائريين ودرءاً للمهاترات اللفظية" عاد بوتفليقة برسالة "اعتذار من الجزائريين" الأربعاء، بعد تثبيت المجلس الدستوري الجزائري شغور منصب رئيس البلاد، وهي الرسالة التي لم يتوقعها أكثر المعارضين له.
- بوتفليقة يعتذر للجزائريين: قصرت من حيث لا أدري
- استقالة بوتفليقة توحد أحزاب الجزائر.. ودعوات للالتفاف مع الجيش
حيث طالب الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة الشعب بالصفح والـمعذرة عن كل تقصير ارتكبه في حقهم، سواء بكلمة أو فعل، وبالوفاء لمن قضوا نحبهم أو ينتظرون ممن صنع معجزة التحرير الوطني، بجانب عدم التشرذم والوحدة.
كما أعرب بوتفليقة عن "عدم خوفه وحزنه على مستقبل البلاد"، متمنياً للرئيس الجديد على أن "يعينه الله على مواصلة تحقيق آمال وطموحات الجزائريين".
عزل الإخوان
على الرغم من انقسام الحراك الشعبي في الجزائر حول مسألة "من يمثله" أو على بعض المطالب المرفوعة، إلا أن ما جمعهم بحسب المراقبين "تلك السلمية" التي أصر الجزائريون على أن تكون "منهجاً مقدساً في حراكهم"، واستمر على ذلك النحو لـ6 جُمُعات متتالية، خاصة مع مشاهد "التلاحم" بين المتظاهرين والشرطة، وإصرارهم على أن "الشعب والجيش إخوة".
- الفريق قايد صالح.. من ثورة التحرير إلى "جنرال الجزائر القوي"
- بوتفليقة.. 20 عاما في رئاسة الجزائر تنتهي باستقالة مثيرة
وحسب ما ذكره نشطاء في الحراك الشعبي لـ"العين الإخبارية" فإن "كلمة السر في نجاح سلمية الحراك الشعبي" في الجزائر هو نجاحه "في عزل محاولات الإخوان وبعض التيارات الأخرى عن محاولات ركوب واختطاف الحراك وتوجيهه نحو الفوضى، ليكون ورقة ضغط لتنحية بوتفليقة وتوريط الجيش في النزول إلى الشارع".
ويذكر الجزائريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي إنهم باتوا يعرفون جيداً "السر الحقيقي للإخوان"، ويقولون "أينما حل الإخوان حل معهم الخراب".
إصرار الجزائريين على أن يكون حراكهم السلمي "غير ملون بأي تيار سياسي" أربك الإخوان، خاصة بعد حادثة طردهم الإخواني عبدالله جاب الله، والإخواني عبدالزراق مقري الذي "تَظاهَر بالتظاهُر حيث لا يوجد تظاهُر"، كانت حسب المراقبين مثابة المؤشر القوي على أن الحراك الشعبي "قضى على أي دور لهم في مهده" من خلال تلك السيول البشرية التي لم تُعلن القطيعة مع نظام يحكمها فقط، بل مع كل الأحزاب والتيارات السياسية، وما يؤكد ذلك عدم استناد الحراك على مبادرات الأطراف السياسية، بل حاولت الأخيرة "الالتفاف على مطالبهم واعتمادها كمبادرات لها وباسم الحراك"، وهو أبرزته المبادرة الأخيرة للإخواني عبدالله جاب الله الذي حاول تسويقها باسم المعارضة الجزائرية كما أكد ذلك معارضون جزائريون.
ويؤكد عدد من الناشطين في الحراك الشعبي بالجزائر أن موقف الجزائريين "الحازم" من أي دور للإخوان في حراكهم له مبرراته الموضوعية، أولها تجربة الجزائريين "المريرة" مع ما كان يُعرف بـ"الإسلام السياسي"، والذي نتج عنه دخول البلاد في عشرية دموية أزهقت أرواح أكثر من ربع مليون جزائري، ما جعل نسبة كبيرة من الجزائريين يقتنعون أن "الإخوان وبقية التيارات المتأسلمة عاجزة عن التحول في ذاتها نحو الديمقراطية"، كما أن موقف الجيش الجزائري الأخير "الداعم والمدافع" عن مطالب الجزائريين "طوّق" حسب المتابعين أي محاولات للإخوان في المرحلة الانتقالية لتصدر المشهد واغتصاب إرادة الجزائريين في التغيير الجذري الذي يدعو إلى كنس كل مكونات الطبقة السياسية بما فيها الإخوان"، على الرغم من أن خططهم "لافتراس الحراك" قوبلت برفض شعبي غير مسبوق جعلهم "يرقصون رقصة الديك المذبوح" في ساحات الحراك.
كما يرى عدد من المحللين السياسيين، كما ذكروا لـ"العين الإخبارية"، أن الجزائريين تعلموا كثيراً من تجارب دول عربية فيما عُرف بـ"ثورات الربيع العربي"، خاصة عندما قاد الإخوان "ثورات مضادة لاختطاف إرادة الشعوب" أعادت شعوباً بأكملها إلى نقطة الصفر ونجحت شعوب أخرى في استعادة "قرار مصيرها من طغيان الإخوان"، أظهرت في الأخير "حرب الإخوان الشعواء على الشعوب والجيوش اختلفت عناوينها ونتائجها".
مظاهرات ضد "الباءات الثلاث"
حراك الجزائريين الأخير كان بمثابة "العزل السياسي" للإخوان ولكل رموز نظام بوتفليقة، والذي يبدو أنه سيستمر من خلال مظاهرات الجمعة السابعة التي أطلق عليها الجزائريون عليها "مظاهرة الباءات الثلاث"، في إشارة إلى رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز.
- الجزائريون واستقالة بوتفليقة.. فرحة يشوبها غموض المرحلة المقبلة
- إعلام جزائري: الجيش هو من أمر بالتحقيق مع "رجال بوتفليقة"
وبعد استقالة بوتفليقة الثلاثاء الماضي، التي تعني تولي بن صالح رئاسة الدولة مؤقتاً لمدة 90 يوماً، جدد الجزائريون رفضهم ذلك، وأن يقود المرحلة الانتقالية رموز "نظام رحل رأسه وبقي جسده" كما يقولون، مع توقعات بخروج مئات الآلاف الجمعة أيضاً للمطالبة برحيل تلك الأسماء ومحاسبة "العصابة"، ما يعني حسب المراقبين أن حراك الجزائريين لن ينتهي مع رحيل بوتفليقة، وأن "مطالبهم غير قابلة للتجزئة أو الخضوع للأمر الواقع".
وما يؤكد ذلك بحسب المراقبين، هو موقف الجيش الجزائري "المتبني مطالب الحراك جميعها وغير منقوصة" كما ذكر في بيانه الأخير، وهو الموقف الذي أجمع الجزائريون على وصفه بـ"الحكيم والمسؤول"، والذي بإمكانه تجنيب الجزائر الدخول في نفق مظلم يصعب الخروج منه.
كما أن الجيش الجزائري أظهر في الأزمة الأخيرة بحسب المراقبين أنه "لم يستمد قوته بعدده وعتاده وسلاحه"، بل "بمطالب الجزائريين وسلميتهم وإصرارهم على التخندق مع الجيش لإنقاذ البلاد".