أسبوع الجزائر.. إسدال الستار على حقبة بوتفليقة وحراك شعبي لا يفتر
لم تتضح معالم المجهول في معادلة الأزمة الجزائرية ومستقبلها خاصة بعد الحلول التي قدمها الفاعلون في المشهد السياسي في البلاد
باتت نهاية حكم الرئيس الجزائري المنتهية ولايته عبدالعزيز بوتفليقة قاب قوسين من "أن تصبح من ماضي الجزائريين" عقب أضخم مظاهرات سلمية في تاريخ البلاد، مطالبة برحيله. وشكّل الأسبوع الماضي المحطة الأولى لذلك.
- أسبوع الجزائر.. استمرار رفض التمديد لبوتفليقة وضربات شعبية موجعة للإخوان
- أسبوع الجزائر.. بوتفليقة يتراجع عن ولاية خامسة وحراك متجدد ضد"التمديد"
أسبوع تغيرت فيه معادلة اللعبة السياسية في أزمة دخلت شهرها الثاني، كان الثابت الوحيد فيها موقف الحراك الشعبي المُصر على رحيل النظام الحاكم الحالي، ودخلت معها متغيرات جديدة، بعد أن ضبط حلفاء بوتفليقة تردداتهم على مطالب الحراك الشعبي بالتغيير.
ورغم ذلك، لم تتضح معالم المجهول في معادلة الأزمة ومستقبلها، خاصة بعد الحلول التي قدمها الفاعلون في المشهد السياسي الجزائري، التي يقول المراقبون إنها بحاجة إلى "توقيع المجلس الدستوري وختم الحراك الشعبي" الذي "عاد لممارسة حقه وواجبه الدستوري في حماية بلده"، كما يقول المتابعون.
حلول طرحتها المعارضة "خارج إطار الدستور" بنظر القانونيين، و"حل دستوري"، كما طالب قائد أركان الجيش الجزائري بتفعيل المادة 102 من دستور البلاد التي تنص على إقرار شغور منصب الرئيس، الذي دافع عنه عمار سعداني الأمين العام الأسبق للحزب الحاكم، متهماً محيطه بـ"الفساد"، وهو الفساد الذي أبعدت شركة سوناطراك النفطية شبهته عنها، عقب نفيها تصدير الغاز الطبيعي مجاناً إلى فرنسا.
شغور منصب الرئيس
"اهتزت" الجزائر خلال الأسبوع المنتهي على "زلزال سياسي بدرجة 102 على سلم الدستور"، بعد أن وضع الجيش موقفه من الأزمة السياسية الحالية على سكة مطالب الحراك الشعبي.
- قائد الأركان الجزائري يدعو إلى إعلان شغور منصب الرئيس
- المجلس الدستوري بالجزائر.. "كلمة الفصل" في نهاية حكم بوتفليقة
وفي كلمة له من مقر الناحية العسكرية الرابعة بمحافظة ورقلة (جنوب الجزائر)، دعا قايد صالح قائد أركان الجيش الجزائري إلى تفعيل المادة 102 من الدستور التي تنص على إقرار شغور منصب الرئيس بسب العجز الناجم عن الاستقالة أو المرض أو الوفاة، معتبراً أنه "الحل الذي يضمن رضا الشعب واستمرارية الدولة".
وقال صالح: "يتعين بل يجب تبني حل يكفل الخروج من الأزمة، ويستجيب للمطالب المشروعة للشعب الجزائري، وهو الحل الذي يضمن احترام أحكام الدستور واستمرارية سيادة الدولة، حل من شأنه تحقيق توافق رؤى الجميع، ويكون مقبولاً من الأطراف كافة، وهو الحل المنصوص عليه بالدستور في مادته 102".
كما حذر "من استغلال المظاهرات من طرف أطراف معادية من الداخل أو الخارج لزعزعة استقرار البلاد، وبأن الشعب واعٍ ويعرف كيف يُفشل هذه المناورات"، مشدداً على أن "الجيش الوطني الشعبي سيظل وفياً لتعهداته والتزاماته، ولن يسمح أبداً لأي كان بأن يهدم ما بناه الشعب الجزائري".
موقف جرّ الائتلاف الحاكم نحو مزيد من "التصدع" في مقابل "تماسك" مطالب الحراك الشعبي برحيله أيضا "كونه ركيزة نظام بوتفليقة" كما ظهر في لافتات وهتافات الجزائريين في مظاهراتهم الجمعة الماضية.
حيث أعلن حزب التجمع الوطني الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحاكم دعمه لموقف قائد الأركان، ودعا حزب أحمد أويحيى رئيس وزراء بوتفليقة السابق "الرئيس لتقديم استقالته وتشكيل الحكومة تفادياً لأي فراغ أو تأويلات وتسهيل دخول البلاد في المسار الانتقالي المحدد في الدستور"، كما جاء في بيان الحزب.
مسار انتقالي إن تم تطبيقه وفق المادة 102 من الدستور، سيجعل من حزب أحمد أويحيى "الحاكم الأول للجزائر للمرة الأولى ولو مؤقتاً"، ذلك أن الدستور الجزائري يفوض عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة بتولي رئاسة البلاد لفترة 90 يوماً، والذي يعتبر من مؤسسي حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وأول أمين عام له عند تأسيسه سنة 1997.
"آلية" رفضها كثير من أحزاب المعارضة، خاصة حزبي جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، اللذين اعتبرا تطبيق المادة 102 "تدويراً لوجوه النظام الحالي والتفافاً وانقلاباً على الإرادة الشعبية"، وأن "الشعب يطالب بتغيير النظام وليس بتغييرٍ في النظام" كما جاء في بيانات الحزبين.
معارضة "الحل غير الدستوري" تنقسم
بعض الشخصيات والأحزاب المعارضة في الجزائر التي عقدت 6 اجتماعات منذ بدء الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط الماضي، وغيرت تسميتها في اجتماعها الأخير إلى "فعاليات قوى التغيير من أجل نصرة خيار الشعب"، انقسمت مواقفها إزاء دعوة قائد أركان الجيش إلى إعلان شغور منصب الرئيس بين "مؤيد حذر" "ومسارعٍ للرفض"، بعد أن دعوا إلى تأسيس "هيئة رئاسية تقودها مجموعة من الشخصيات"، أكد قانونيون لـ"العين الإخبارية" "عدم دستوريتها".
- محللون جزائريون: مخرجات اجتماع المعارضة غير دستورية
- إعلان شغور منصب الرئيس.. طوق نجاة للمقربين من بوتفليقة أم حل للأزمة؟
حزب طلائع الحريات المعارض الذي يرأسه رئيس وزراء بوتفليقة الأسبق علي بن فليس، أصدر بيان "ترحيب حذر" لدعوة قائد أركان الجيش الجزائري إعلان شغور منصب الرئيس، و"رحب بتعهد قيادة الجيش الاستجابة لمطالب الشعب"، وطالب "بتكييف المادة 102 مع ما يضمن احترام معايير الشفافية".
بينما كان إخوان الجزائر "أول المهرولين" نحو "انتقاد" الحل المقترح من قيادة الجيش الجزائري، واعتبر كل من الإخواني عبد الله جاب الله رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية الإخواني، وعبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم الإخوانية أنه "حل غير كافٍ ولا يضمن الانتقال الديمقراطي"، رغم أنهما كانا من "أشد" المطالبين بتفعيل المادة ذاتها.
واختلفت تسمياتهما بين جبهة وحركة، غير أن ما جمع بينهما "صفعة موقف الجيش الجزائري" التي أسقطت بحسب المتابعين "المزيد من أقنعة إخوان الجزائر المتناقضة واللامتناهية، والتي سعوا من خلالها لركوب موجة الحراك الشعبي، ثم انتقلوا إلى التكلم باسمه.
ثم جاء كفُّ قايد صالح الذي سبقته الصفعة الجماعية لرفض المتظاهرين أي دور لهم، والتي أوقفت شلال دموع تماسيح الإخوان المتباكين على هموم الجزائريين، والتي تُخفي بين فكّيها أنياب الانقضاض على ثمرات حراك شعبي سلمي أذهل العالم، وأسال لعاب الإخوان بأن يكون طريقاً مُعبداً نحو الحكم، لكنهم اصطدموا بجبهة الجيش وحركة الشارع.
سعداني يدافع عن بوتفليقة
بعد غياب عن المشهد السياسي 3 أعوام كاملة، عاد عمار سعداني الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الحاكم بالجزائر خلال الأسبوع المنقضي ليصنع الحدث من جديد، بتصريحاته التي يصنفها المتابعون عادة في خانة "الجريئة والنارية"، وبات معها من أكثر الشخصيات الجزائرية "المثيرة للجدل".
- الجزائر تفكك خلية إرهابية خططت لهجمات خلال التجمعات الانتخابية
- "يرحلون جميعا".. شعار جديد بمظاهرات الجزائر للمطالبة برحيل النظام
وفي مقابلة مع وسائل إعلام جزائرية، وجه سعداني نيرانه إلى "الدولة العميقة ومحيط بوتفليقة" الذي دافع عنه ورفض "خروجه مهزوماً" كما قال، ودعا الجزائريين إلى "تركه ليكمل ما تبقى من ولايته ويدشن المسجد الأعظم"، ووصفه "بالمجاهد والشيخ الكبير والمريض الذي قدم الكثير للجزائر".
سعداني الذي برز اسمه في عهد بوتفليقة، وكان وراء إقالة رئيس المخابرات السابق الجنرال محمد مدين المعروف باسم "الجنرال توفيق" أو "صانع رؤساء الجزائر" وذلك عام 2015، عاد ليتهم من أسماها "الدولة العميقة" بأنها كانت "وراء كل القرارات التي يشك فيها الجزائريون والتي كانت تخرج بأوامر منها وممثلها في الرئاسة بما فيها رسالة ترشحه لعهدة خامسة".
كما اتهم الأمين الأسبق لـ"الأفالان" "محيط بوتفليقة بالتحالف مع الدولة العميقة"، ومن سماهم بـ"القوى غير الدستورية" بمحاولة "السيطرة على قيادة أركان الجيش الجزائري المستهدفة من الدولة العميقة وبرغبة من دول كبيرة" كما قال.
وأضاف أن "مطالب الحراك الشعبي لم تتضمن ذهاب الدولة العميقة، وإنما ذهاب بوتفليقة الذي أنزل الناس من الجبال وأرجعهم إلى عائلاتهم وأولادهم" وفق تصريحاته.
سوناطراك تنفي بيعها الغاز مجاناً لفرنسا
كسر عملاق النفط الجزائري "سوناطراك" صمته الذي دام شهرين كاملين، عقب نفيه تقارير إخبارية أوروبية تحدثت عن "تصدير الغاز الجزائري إلى فرنسا مجاناً منذ استقلالها عنها عام 1962"، واعتبر ذلك بـ"الأمر المستحيل"، وبأنها أخبار "مزعومة".
- "سوناطراك" الجزائرية تنفي تصدير الغاز مجاناً إلى فرنسا
- موديز: الأزمة السياسية في الجزائر تعمق التحديات المالية
نفي سوناطراك الجزائرية جاء على لسان أحمد الهاشمي مزيغي الرئيس المكلف بالنشاطات التجارية بالشركة في تصريحات لوكالة الأنباء الرسمية الجزائرية، مؤكداً أنه "من المستحيل أن تُصدر الجزائر الغاز مجاناً أو أي منتج سائل آخر إلى عملائها سوء فرنسا أو بلد آخر".
ولفت إلى أن وجود إجراءات متخذة في عمليات التصدير، "وهي أنه ومن أجل مغادرة المحروقات للتراب الجزائري يجب أن يكون هناك إعلان جمركي يتضمن الحجم والسعر، ودون الإعلان عن السعر والحجم لا يمكنك تصدير أي شيء".
كما أوضح أن هناك استثنائين لهذه القاعدة، وقال "في عام 2004 عندما اضطررنا إلى تصدير النفط الخام مؤقتاً إلى طاقتنا التخزينية في كوريا، فقد غادر النفط الخام الجزائر بفاتورة مؤقتة، أما الاستثناء الثاني يتعلق بمعالجة النفط الخام الذي بدأ في 2018".
وتحتل فرنسا المرتبة الثالثة من حيث حصص الغاز الجزائري المصدر إلى أوروبا بنسبة 12%، ويرتبط البلدان باتفاقية لنقل شحنات من الغاز الطبيعي الجزائري منذ مايو/أيار عام 1967، وأجرى عليها الطرفان تعديلات كثيرة، تجسدت في ثلاثة عقود، اثنان منها لمجموعة "إينجي" النفطية والثالث مع "غاز فرنسا".
نفي سوناطراك جاء عقب الأنباء المتضاربة عن بيع الجزائر غازها الطبيعي مجاناً لفرنسا الذي أحدث ضجة كبيرة في الجزائر، بعد أن فجرته وسائل إعلام إيطالية منذ شهرين، والتي قالت "إن هناك اتفاقاً سرياً بين الجزائر وفرنسا لتزويدها بالغاز الطبيعي مجاناً بموجب اتفاقيات إيفيان 1962 التي أنهت الاستعمار الفرنسي للجزائر".
بينما اعتبر كل من علي بن فليس رئيس وزراء بوتفليقة الأسبق ورئيس حزب طلائع الحريات المعارض، والسياسي المثير للجدل رشيد نكاز بأن "بيع الغاز الجزائري مجاناً بدأ منذ عهد بوتفليقة".
نكاز ذهب أبعد من ذلك في مقابلة مع قناة "ِC8" الفرنسية الأسبوع الماضي، عندما تحدث عن "وجود أدلة دامغة بحوزته تؤكد تورط النظام الجزائري في منح الغاز مجاناً لفرنسا مقابل وقوفها معه" دون أن يقدمها، في وقت لم ترد السلطات الفرنسية بالنفي أو التأكيد على صحة تلك المعلومات.