"تمزيق الكراسات" ظاهرة سنوية بمدارس الجزائر.. كبت وحشو
تشهد مختلف مدارس الجزائر في الآونة الأخيرة امتحانات نهاية العام الدراسي لنحو 8 ملايين تلميذ بالمرحلتين الابتدائية والمتوسطة.
وبين تنافس التلاميذ في الحصول على أعلى العلامات والانتقال إلى عام دراسي جديد يتوج اجتهادهم السنوي، وبين جهد أوليائهم وحتى ارتباكهم النفسي مع كل مادة يمتحن فيها أبناؤهم، تعيش العائلات الجزائرية هذه الأجواء في الأيام الأخيرة.
- بعد جدل "عقوبة تارك الانتخابات".. الجزائر تحسم "الفتوى المفتعلة"
- دخول مدرسي "على مرحلتين" للمرة الأولى بالجزائر
ولم تتبق إلا أسابيع لتختتم كل المراحل التعليمية بما فيها المرحلة الثانوية امتحانات نهاية العام الدراسي، إيذاناً بدخول العطلة الصيفية التي ينتظرها الأبناء والأولياء وحتى المدرسون، لأخذ قسط من الراحة والترويح عن النفس من ضغط الدراسة والعمل.
إلا أن ما بين نهاية الامتحانات وبداية العطلة الصيفية هناك مشهد يتكرر بشكل سنوي في الجزائر وهي "تمزيق التلاميذ للكراسات ورميها في الشوارع"، سخر منها بعض الجزائريين عبر منصات التواصل بتعليقات ورد فيها بأنها "بداية موسم تساقط الأوراق المدرسية" وشبهوا شوارع المدن بـ"تساقط الثلوج".
وفي الأيام الأخيرة، نشر جزائريون صور كراسات الدراسة ممزقة ومرمية في كل مكان، خصوصاً أمام المدارس وفي الأحياء السكنية، وسط استياء الكثيرين ودهشة البعض، وتباين في تفسير هذه الظاهرة الاجتماعية.
حشو المناهج
وأعطى مختصون جزائريون في علم الاجتماع والتعليم لـ"العين الإخبارية" تفسيرات متعددة لظاهرة "إتلاف الكراريس" بعد انتهاء كل موسم دراسي.
وكان أبرز سبب اتفق عليه جل المختصين هو "حشو المناهج الدراسية"، معتبرين بأنه السبب الرئيسي والدافع النفسي وراء رغبة التلاميذ فيما سموه "التخلص من عبء سنوي".
وتُحمل نقابات التعليم في الجزائر وزيرة التربية والتعليم السابقة نورية بن غبريط مسؤولية ما يسمى في القطاع بـ"تدمير التعليم في الجزائر".
ومنذ توليها المنصب سنة 2014، أقرت الوزيرة الجزائرية السابقة حزمة إصلاحات في قطاع التعليم بالبلاد، قوبلت بانتقادات واسعة من قبل النقابات وأولياء التلاميذ، واحتجوا على "حشو المناهج التعليمية" بدروس تفوق قدرة الاستيعاب العقلية والتعليمية للتلميذ، وحتى قدرته الجسمية، بعدما باتت "ثقل محفظة الطالب" واحدا من ظواهر المدرسة الجزائرية.
ويشير بعض الأخصائيين إلى أن الأمر مرتبط بـ"الضغط الذي تحمله التلاميذ طوال عام كامل نتيجة حشو المناهج"، في مقابل "ضعف التكوين التعليمي لدى بعض المعلمين والأساتذة.
وحملوا الأساتذة "جزء من المسؤولية"، مؤكدين على أن ضعف تكوينهم التعليمي كان له تبعات على تربية ونفسية التلميذ لـ"عدم وجود نظام تشجيعي وردعي يجعل التلميذ يميز بين الخطأ والصواب".
نواة المجتمع
كما يطرح أخصائيون في علم الاجتماع أسباباً أخرى يقولون إنها "الأسباب الخفية" وراء هذه الظاهرة الاجتماعية، ويؤكدون بأنها تبدأ من "أسرة التلميذ".
ويرجعون تفشي ظاهرة تمزيق الكراسات إلى ظاهرة أخرى "معدية بين العائلات" على حد وصف بعضهم، وهي ظاهرة "الدروس الخصوصية" التي يقولون إنها باتت في السنوات الأخيرة "عنواناً للتفاخر بين العائلات ومظهرا اجتماعياً دخيلاً على قطاع التعليم".
وأشار المهتمون والمتابعون للشأن التعليمي بالجزائر إلى أن ظاهرة الدروس الخصوصية تحولت إلى "إجبارية على التلاميذ وعائلاتهم"، وهو ما ولّد – بحسبهم – ضغطاً نفسياً إضافياً على التلاميذ، ناهيك عن الضغط المادي المفروض على أوليائهم وأثقل كاهل عائلات كثيرة.
ويجد كثير من التلاميذ أنفسهم مجبرين بـ"أمر عائلي" على دروس خصوصية في معظم المواد التعليمية وبشكل شبه يومي، الأمر الذي يرهقه جسدياً ونفسياً نتيجة الحجم الساعي التعليمي الذي يفوق 8 ساعات يومياً ويصل إلى 12 ساعة.
إلا أن البعض يدافع عن قرار الأولياء تدريس أبنائهم خارج المدارس ويعتبرون ذلك "شرا لا بد منه"، فرضه "تدني المستوى التدريسي لبعض المعلمين والأساتذة بفعل نقص تكوينهم" وهو ما يؤدي بالضرورة إلى عدم استيعاب التلاميذ دروسهم في الأقسام الدراسية، ما يضطر أوليائهم لتدعيم مستواهم التعليمي بالدروس الخصوصية.
الفراغ الأخلاقي
ومع ذلك تبقى العائلة "متهمة بشكل أو بآخر" في بعض التفسيرات التي يذكرها الأخصائيون، ويرجعون ظاهرة تمزيق الكراسات مع انتهاء العام الدراسي إلى "التربية".
ويعتبر أولئك بأن "العائلة التي تعد نواة المجتمعات هي مصدر أخلاق الأبناء والتلاميذ من خلال أساليب التربية التي يتبعها الآباء والأمهات مع أبنائهم" والتي تنعكس بحسبهم على أي سلوك لهم في محيطهم ومجتمعهم، ويطلقون توصيفاً لذلك بـ"الفراغ الأخلاقي".
الكبت النفسي
ووسط تباين التفسيرات، هناك من الأخصائيين من يجمع كل التفسيرات السابقة في سبب وحيد وهو "الكبت النفسي" الذي يعيشه التلميذ طوال عام كامل.
ويعزون ذلك إلى جملة من الأسباب التي تترسب في نفسية التلميذ تدفعه مع نهاية العام الدراسي إلى التعبير عن ذلك الكبت النفسي والراحة والاسترخاء والفرح بقدوم العطلة، بينما يحدده نفسانيون في خانة "الانتقام العاطفي على حرمانه من اللعب أو النوم أو الاستمتاع بطفولته" من كل الضغوط التي واجهها التلميذ طوال العام الدراسي.
ويقولون إن وراء ذلك الكبت النفسي ضغط الدارسة عاماً كامل، وضغط الامتحانات، وضغط المعلم والعائلة، في مقابل قلة ساعات الترفيه واللعب التي يحتاجها التلميذ.
وفي مقابل ذلك، أكد جزائريون بأن هذه الظاهرة ليست حديثة في المجتمع الجزائري، ويؤكدون بأن بداياتها كانت فترة الثمانينيات، بالتزامن مع إرهاصات التغيرات التي بدأت تطرأ على المجتمع في عدة جوانب، أبرزها نظرته للواقع وبداية تفتحه أكثر على العالم، وكذا أسباب سياسية واقتصادية أخرى ألقت بظلالها على سلوك ونفسيات أفراد المجتمع.
وطالب أخصائيون بأن يبحث الجميع عن أسباب هذه الظاهرة، وإيجاد حلول عملية تجعل التلميذ يحب التعلم ومؤسسته ومعلميه، ويحتفظ بكراساته، محذرين من خطورة تفكير التلاميذ من أن تلك الكراسات أو الكتب "فارغة المحتوى، فلا تنفعه، ولا تنفع غيره من أفراد أسرته إلا نادرا".
ووسط كل ذلك، رأى آخرون هذه الظاهرة المتفشية في مدراس البلاد من زوايا أخرى، وكانت لجزائريين تعليقات عبر منصات التواصل انتقدوا فيها تمزيق الكراسات "المكتوبة باللغة العربية وبها آيات قرآنية"، معتبرين بأنها "كارثة أكبر من الظاهرة في حد ذاتها".
بينما يلوم آخرون – وفق كثير من التعليقات – العائلات وأبنائهم التلاميذ، ويعتبرون بأن تعبير التلميذ عن فرحته بانتهاء الدراسة تكون في ذلك الوقت "لحظة تعب وإرهاق جديدين لعمال النظافة"، ويقولون إن عمال النظافة "يدفعون نتيجة ذلك ثمن سوء تربية الأبناء في المدارس وعند عائلاتهم".