أحزاب جزائرية معارضة تشكك في دستورية قرارات بوتفليقة
انتقال الأزمة السياسية في الجزائر من مناهضة ولاية بوتفليقة الخامسة إلى رفض تمديد الرابعة، وتشكيك قانونيين في عدم دستورية قراراته.
تتسارع التطورات مرة أخرى في الجزائر، ومعها ردود الأفعال السياسية والشعبية على "قرارات الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الأخيرة التي أعلن عنها، وكان أبرزها سحب ترشحه لولاية خامسة، وتأجيل الانتخابات الرئاسية".
- وكالة الأنباء الفرنسية: ألف أستاذ وطالب يتظاهرون وسط العاصمة الجزائرية
- لعمامرة: نسعى إلى "لم الشمل" وسنُقنع الجزائريين
قرارات سرعان ما خلقت جدلاً، متعلقاً بتمديد ولاية بوتفليقة الرابعة، ومدى مطابقتها مع باقي القرارات للدستور الجزائري الذي أشرف بوتفليقة على تعديله في مناسبتين، وذلك في 2008 و2016.
من بين آخر ردود الفعل "الرافضة للتمديد"، الموقف الذي عبرت عنه أحزاب وشخصيات معارضة في الجزائر، التي دعت إلى مواصلة المظاهرات الشعبية ضد ما أسمته "تمديد عهدة بوتفليقة الرابعة"، ووصفت رسالته الأخيرة بـ"غير الدستورية"، وذلك عقب اجتماعها "الخامس" الأربعاء، بالجزائر العاصمة.
واعتبرت الشخصيات المعارضة أن "رسالة بوتفليقة التي أعلن من خلالها عدم الترشح لعهدة رئاسية خامسة مع تأجيل الانتخابات غير دستورية"، مضيفة أنها "لا تدل على وجود نية في تسليم السلطة للشعب وانتقالها". وأعلن المجتمعون أن "المعارضة تتخندق مع الشعب، وتتفاعل معه وتسانده في هذا الحراك"، ودعته إلى "مواصلة المظاهرات إلى غاية تحقيق جميع المطالب المرفوعة من طرف الشباب الذين خرجوا بالملايين إلى الشوارع في ثلاث جمعات متتالية".
وقالت أحزاب جزائرية معارضة إن "المرحلة الانتقالية التي أعلن عنها رأس السلطة، يسعى من خلالها لاستمرار اللوبي في السلطة لمدد زمنية لا يعلمها إلا الله" وفق تعبيرها.
وانتقدت أيضاً ما أسمته "استمرار السلطة الحاكمة في تعنتها وعدم قراءتها الجيدة لمطالب الشعب الجزائري"، مشيرة إلى رفضها "الاستهتار بمطالب الشعب" على حد تعبيرها.
وشهد الاجتماع غياب شخصيات معارضة بارزة حضرت اجتماع الأسبوع الماضي، أبرزهم لويزة حنون ورئيس الوزراء الأسبق أحمد بن بيتور والمعارض كريم طابو، وسيد أحمد غزالي رئيس الوزراء الأسبق.
مظاهرات فئوية ضد التمديد
وخرج، الأربعاء، آلاف الأساتذة وطلبة الجامعات والثانويات في مظاهرات سلمية بالجزائر العاصمة ومحافظات أخرى، رفعوا خلالها شعارات ورددوا هتافات مناهضة لتمديد بوتفليقة ولايته الرابعة.
ودعا متظاهرون في تصريحات لوسائل إعلام محلية إلى "قرارات فاصلة بحجم هذا الحراك النظيف، وبحجم نظافة مآزرنا البيضاء وقضية هذا الوطن وقرارات بهذا المستوى" حسب قولهم.
وأعلن تكتل نقابات قطاع التربية والتعليم في الجزائر، الذي يضم 7 نقابات مستقلة، عن إضراب وطني ليوم واحد، وشل المؤسسات التربوية؛ احتجاجاً على ما وصفوه في بيانهم بـ"عدم رد وزارة التربية الوطنية على المطالب المرفوعة من النقابات المستقلة المتمثلة في احترام إرادات الشعب والعمل على دعم وحماية الحراك الشعبي".
غير دستوري
من جانب آخر، أجمع عدد من الحقوقيين على اعتبار قرارات بوتفليقة الأخيرة بـ"غير الدستورية" وبأنها تمديد لولاية بوتفليقة الرابعة "سنتين على الأقل".
- محللون لـ"العين الإخبارية": قرارات بوتفليقة جنبت البلاد الأسوأ
- قائد أركان الجيش الجزائري: نتعهد بالحفاظ على أمن البلاد "مهما كانت الظروف"
ومن أبرز الشخصيات الحقوقية التي انتقدت القرارات الأخيرة وشكل ذلك "مفاجأة" للرأي العام الجزائري، ما أدلى به فاروق قسنطيني، الرئيس السابق للجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان لصحيفة "الخبر" الجزائرية.
ووصف قسنطيني قرارات بوتفليقة الأخيرة التي اعتمدها بـ"غير الشرعية دستورياً"، وبأن "مبررات الحالة الاستثنائية الواردة في المادة 107 من الدستور، والتي تكفل للقاضي الأول في البلاد حق اللجوء إلى تأجيل الاستحقاقات غير متوفرة في أرض الواقع".
قسنطيني الذي عُرف عنه "دفاعه وولاؤه" لبوتفليقة منذ حكمه للبلاد قبل 20 سنة، اعتبر أن الإجراءات الأخيرة تمثل "خرقاً واضحاً للدستور"، وأن قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية "لا يستند إلى أي مبرر قانوني من المبررات التي حددها المشرع في المادة 107 من الدستور، والتي تحصر إمكانية التأجيل في الحالة الاستثنائية، باعتبار أنه لا يوجد أي خطر داهم يهدد البلاد أو مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها، فلسنا في حالة حرب أو حالة طوارئ ولا توجد عملياً أي مخاطر على البلاد، اللهم إلا إذا اعتبر الرئيس أن تدهور صحته يشكل خطراً على البلاد".
بدورها، اعتبرت فتيحة بن عبو، الخبيرة في القانون الدستوري الجزائرية، في تصريحات لوسائل إعلام محلية جزائرية، أن قرارات بوتفليقة الأخيرة تعني "بقاءه في السلطة إلى غاية نهاية 2020 على الأقل"، ووصفت إجراءاته بـ"السياسية التي تحاول السلطة تغليفها بشرعية شعبية وسياسية عن طريق الندوة الوطنية التي أعلن عنها".
تحليل اتفق فيه الدكتور عامر رخيلة، الخبير القانوني الجزائري، في تصريحاته لـ"العين الإخبارية"؛ حيث وصف ما يحدث حالياً في الجزائر بـ"الأزمة الدستورية التي أفرزتها الأزمة السياسية"، وقدم تفسيراً قانونياً "لعدم دستورية قرارات بوتفليقة الأخيرة".
وقال رخيلة "إن القرارات التي تخرج عن إطار الدستور الجزائري، هو القول بإعلان تعيين نائب أول للوزير الأول، هذا غير منصوص عليه في الدستور، ولا يمكن لرئيس الجمهورية أن يعين نائباً لرئيس الوزراء، لأن الدستور فصل في تنظيم السلطة التنفيذية".
أما النقطة الثانية – بحسب الخبير القانوني الجزائري– فهي "ما تعلق منها بالهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، وهي هيئة دستورية وتعديلها أو إلغاؤها أو التصرف فيها يستوجب إجراء تعديل دستوري، وهذا ما لم يتم، ولا يمكن إصدار مرسوم رئاسي لإلغاء هيئة دستورية".
ويضيف رخيلة أن "رئيس الجمهورية الجزائري مدد عهدته بسنتين على الأقل، لأنه في رسالته قال إن الندوة الوطنية ستعقد قبل نهاية العام الحالي، وبما أنه أسندت لها مهام إحداث هيئات للمرحلة الانتقالية التي تنتهي بانتخابات رئاسية تستوجب مدة سنة على الأقل، خاصة ما تعلق منها بالتعديل الدستوري وتشكيل لجنة لذلك، وأخرى لتحضير الرئاسيات واستدعاء الهيئة الناخبة، بمعنى أن رئيس الجمهورية مدّد في عمر عهدته لسنتين على الأقل".
من هنا اختتم الخبير الدستوري الجزائري كلامه بالإشارة إلى أن "الإجراءات الأخيرة لا يمكن تفسيرها إلا بتجميد الدستور والعمل خارج أطره".
سيناريوهات الأزمة
من ناحية أخرى، قدم الدكتور حسين قادري، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، تصورات لسيناريوهات الأزمة السياسية في الجزائر، على ضوء قرارات بوتفليقة الأخيرة، والتي قسمت الطبقة السياسية ومعها الشارع ما بين مؤيد ومعارض، وسط دعوات لتصعيد الحراك الشعبي رفضاً لتمديد الولاية الرابعة، ما يعني بحسب مراقبين انتقال الأزمة في الجزائر من "مناهضة ولاية خامسة جديدة إلى رفض تمديد الولاية الرابعة، ودعوة بوتفليقة لترك الحكم وتسليم السلطة لرئيس جديد".
- نور الدين بدوي للجزائريين: ليل نهار في خدمتكم وأستمع إليكم
- أسبوع الجزائر.. تعهدات لبوتفليقة واتساع الاحتجاجات ضد الولاية الخامسة
وقال الدكتور حسين قادري، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إن "الأكيد هو التمديد غير قانوني ولا توجد في الدستور الجزائري ما تسمى بعملية التمديد للعهدة الرئاسية، والآن السلطة في شبه ورطة، من ناحية أن الانتخابات لا يمكن إجراؤها في ظل الحراك الشعبي الذي طالب بعدم ترشح بوتفليقة، والمخرج للنظام القائم هو عملية التمديد التي كانت مطروحة قبل الانتخابات، لكنها لم تلقَ توافقاً بين الطبقة السياسية، لهذا سار المحيطون بالرئيس في العهدة الخامسة".
وأضاف "إن ما هو مطروح الآن هو محاولة الالتفاف والسير في اتجاه تمديد العهدة بالرغم من أن الدستور لا يسمح بذلك، وكان يمكن تحقيق ذلك قبل الإعلان عن الرئاسيات، لكن المتغير الجديد هو الحراك الموجود الآن والشعب أخذ زمام الأمور، وبالتالي، من الصعب جداً الالتفاف وراء ما كان يسمى بهدوء الشارع أو تحييد الشارع".
وقدم المحلل السياسي سيناريوهات لما أفرزته الأزمة السياسية من تطورات جديدة، وذكر أن السيناريو الأول "هو أن تحاول السلطة بقدر الإمكان المضي في هذا الطرح ويمكنهم التعامل مع الحراك الشعبي إما بالالتفاف من حوله أو محاولة إخراج قيادة من الحراك".
السيناريو الثاني كما قال الدكتور قادري هو "أن ترضخ السلطة الجزائرية مرة أخرى للشارع ويخرج علينا بخرجة أخرى والتي قد تكون التوافق كحل وحيد بين مطالب الشعب وما تتطلبه عملية الانتقال، والمشكلة الراهنة ليس في بوتفليقة، بل فيمن يتحدث باسمه وفي جماعته السياسية، والتي كانت تستفيد من غيابه، فهناك مصالح كبيرة تتطلب استمرارهم على الأقل سنة لترتيب أمورهم، وهم الذين يطلبون اليوم المزيد من الوقت والبقاء بوجه آخر في السلطة".
aXA6IDUyLjE0LjEyNS4xMzcg جزيرة ام اند امز