أسبوع الجزائر.. تعهدات لبوتفليقة واتساع الاحتجاجات ضد الولاية الخامسة
تطورات متسارعة شهدها الأسبوع الماضي بالجزائر، بداية من ترشح بوتفليقة الرسمي واتساع رقعة الحراك الشعبي ضد الولاية الخامسة
تطورات متلاحقة غير مسبوقة شهدتها الجزائر الأسبوع الماضي ضمن مشهد سياسي ومرحلة توتر لم تعشها البلاد منذ أكثر من عقدين.
مظاهرات حاشدة تشهدها الجزائر منذ الجمعة الماضية ضد ترشح الرئيس المنتهية ولايته، عبدالعزيز بوتفليقة، في الانتخابات الرئاسية التي تبدو مختلفة عن أي عملية تصويت شهدتها البلاد من قبل .
- أسبوع جزائري ساخن.. مظاهرات ضد ولاية بوتفليقة وعراك في البرلمان
- أسبوع الجزائر.. الإخوان يُفشلون اجتماع المعارضة وترقب لاحتجاجات شعبية
ومنذ إعلان ترشحه لولاية خامسة، أصبح بوتفليقة (82 عاما) والمقعد منذ إصابته بجلطة في الدماغ في 2013، هدفا لاحتجاجات غير مسبوقة هي الأولى في تاريخ حكمه، تطالبه بالرحيل وعدم الترشح في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها أبريل/نيسان المقبل.
وخلال الأيام الماضية، التحقت منظمات وأحزاب وشخصيات سياسية وتاريخية ورجال أعمال بالحراك، الذي تشهده الجزائر، وسط تقارير لوسائل إعلام سويسرية تؤكد تدهور الحالة الصحية لبوتفليقة الموجود في جنيف منذ 24 فبراير/شباط الماضي للعلاج.
تعهدات بوتفليقة
وفي الساعات الأخيرة من إيداع ملفات الترشح الأحد الماضي، قطعت 7 شاحنات رمادية اللون الشك باليقين، بعد أن حملت معها استمارات ترشح الرئيس الجزائري المنتهية ولايته إلى مقر المجلس (المحكمة) الدستورية، كان على رأسها عبد الغني زعلان مدير حملته الانتخابية الذي خلف عبد المالك سلال.
- بوتفليقة يتعهد بترك الحكم وانتخابات رئاسية مبكرة حال فوزه
- مدير حملة بوتفليقة يقدم أوراق ترشحه للرئاسة الجزائرية رسميا
ويأتي قرار إقالة سلال، عقب تسريب مكالمة هاتفية الأسبوع الماضي، دارت بينه ورجل الأعمال المثير للجدل علي حداد، التي "هدد فيها سلال باستعمال الكلاشينكوف ضد المتظاهرين"، وفق ما جاء في التسريب، وأثار ذلك ردود فعل غاضبة في الجزائر.
ووسط جدل حول قانونية توكيل بوتفليقة مدير حملته الانتخابية إيداع ملف الترشح، خرج "زعلان" برسالة تضمنت خارطة طريق الرئيس المنتهية ولايته من 6 تعهدات للمرحلة المقبلة إن أُعيد انتخابه، كما قال في رسالته.
وتعهد بوتفليقة بتنظيم ندوة وطنية "شاملة وجامعة ومستقلة لإعداد واعتماد إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تُرسي نظاماً جديداً للدولة الجزائرية".
ووفقًا للحوار الوطني الشامل، سيتم تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة طبقاً للأجندة التي سيتم اعتمادها، وإعداد دستور جديد عن طريق استفتاء شعبي "يكرس جمهورية جديدة ونظامًا سياسيًا جديدًا"، مع وضع سياسات "تضمن إعادة توزيع عادل للثروات الوطنية".
ليس هذا فحسب، بل وعد بوتفليقة باتخاذ إجراءات فورية لصالح الشباب الجزائري بشكل "يصبح فيها فاعلاً أساسياً في الحياة العامة"، ومراجعة قانون الانتخابات وإنشاء آلية مستقلة تتولى دون سواها تنظيم العملية الديمقراطية.
واعتبر حزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم)، في بيان له، أن بوتفليقة التزم بمطلب الشعب "بتغيير النظام" و"رسالته تعبر عن استجابة صادقة منه لنداء الشباب الجزائري".
- الحزب الحاكم في الجزائر: بوتفليقة التزم بمطلب الشعب "تغيير النظام"
- الجيش الجزائري يتهم أطرافا لم يسمها بمحاولة زعزعة الاستقرار
وتحضيراً لحملة بوتفليقة الانتخابية ووضع حد للانقسامات الداخلية في صفوفه ولم شمله، وسّع الحزب الحاكم، الأربعاء، الهيئة القيادية لـ 20 شخصية بعدما كانت 6 فقط، من خلال ضم معارضين ووزراء سابقين.
ولم يختلف موقف شريك "الأفالان (الحزب الحاكم)" في الحكم عن رسالة بوتفليقة، إذ أعرب التجمع الوطني الديمقراطي (الأرندي) الذي يقوده رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى عن "ارتياحه لما تضمنته رسالة بوتفليقة بمناسبة إيداع ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة".
وذكر الحزب أن "فحوى الرسالة هو تأكيد على إصغاء المجاهد عبد العزيز بوتفليقة، بكل إخلاص، لأصوات المواطنين المعبّرة عن مطالبهم".
من جانبها، اتهمت قيادة الجيش الجزائري، الأربعاء، أطرافاً، لم تسمها، بمحاولة زعزعة استقرار البلاد، وتعهدت بحماية الانتخابات الرئاسية المقبلة، في موقف هو الثاني من نوعه خلال أقل من 24 ساعة.
وقال الفريق أحمد قايد صالح، قائد أركان الجيش الجزائري: "إن الجيش سيضمن الأمن ولن يسمح بعودة البلاد إلى سنوات الجمر والألم، وسيبقى ماسكاً بزمام مقاليد إرساء مكسب الأمن".
المعارضة
وعقب الترشح الرسمي لبوتفليقة، شكّكت أحزاب وشخصيات معارضة بالجزائر في رسالة الرئيس المنتهية ولايته، واعتبرت أنها "منسوبة إليه ولا علاقة له بها، ومجرد مناورات لإجهاض الحراك الشعبي والالتفاف على أهدافه وتضحياته ومحاولة لتمديد عمر هذا النظام".
- المعارضة الجزائرية ردا على رسالة بوتفليقة: مناورة لإجهاض الحراك الشعبي
- "الرئاسة" الجزائرية.. انسحاب على بن فليس ورفض أوراق غاني مهدي
ودعت المعارضة، في بيان لها، المجلس الدستوري إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية ورفض العهدة الخامسة، وتفعيل المادة 102 من الدستور، التي تنص على شغور منصب رئيس الجمهورية.
وهو ما رفضه مدير حملة بوتفليقة، عبد الغني زعلان، في تصريحات صحفية، معتبرا أن "أي تعليق على مداولات المجلس الدستوري يعد محاولة للضغط".
كما ناشدت المعارضة بقية المرشحين الانسحاب من الانتخابات الرئاسية، وكان علي بن فليس رئيس وزراء بوتفليقة الأسبق ور حزب طلائع الحريات المعارض من أبرز المنسحبين بالفعل، مع لوزيرة حنون زعيمة حزب العمال.
وأمام المجلس الدستوري عشرة أيام لدراسة ملف بوتفليقة خاصة في شقه الصحي، كما هو الحال بالنسبة لعشرين مرشحا آخرين ليس بينهم أي رمز من رموز المعارضة.
الرأي العام الداخلي
وبعد ثبوت ترشح بوتفليقة الأحد الماضي بشكل رسمي، خرج مئات الجزائريين في مظاهرات "ليلية" رافضة لولايته الخامسة، غير أن شخصيات وأحزابا معارضة حذرت من خطورتها على أمن البلاد، ودعت إلى الالتزام بمواعيدها، حيث تزامن ذلك مع تظاهرات في عواصم ومدن أوروبية عدة، أبرزها باريس ومارسيليا ولندن وجنيف.
- الصحة الجزائرية: وفاة شخص وإصابة 183 بينهم رجال أمن بالمظاهرات
- مظاهرات الجزائر وولاية بوتفليقة الخامسة.. "العين الإخبارية" ترصد مسار الأحداث
وانطلق مئات الآلاف من الجزائريين، الجمعة الماضي، في "أضخم مظاهرات" تشهدها البلاد منذ استقلالها، حيث قدّر مراقبون أعداد الجزائريين الذين خرجوا رفضاً للولاية الخامسة بأكثر من مليونين.
وسجلت السلطات الجزائرية إصابة 183 شخصاً بينهم 56 شرطياً، ومقتل متظاهر، وهو حسان بن خدة، البالغ من العمر 56 عاماً، وهو نجل رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة سابقًا يوسف بن خدة (1961 – 1962).
واعتبر مراقبون أن مظاهرات الجمعة أظهرت "ضعف وهشاشة المعارضة وعجزها التام عن التأثير في الرأي العام"، وحذروا من "المحاولة الفاشلة لإخوان الجزائر ركوب الموجة لخطف ثمار الحراك الشعبي".
ودعت شخصيات ونشطاء سياسيون، الجزائريين أيضا للخروج اليوم الجمعة، بهدف الضغط على محيط الرئيس الجزائري لسحب ترشحه للانتخابات، وطلبت من المتظاهرين تفادي "التوجه نحو القصر الرئاسي بالمرادية" بأعالي العاصمة، وحددت "موعد انتهاء المظاهرات عند 18.30 مساءً تجنباً لأي انزلاقات".
اتساع رقعة الرافضين
شهد الأسبوع الماضي أيضًا، تطورات مفاجئة، صنعت الحدث فيها مواقف منظمات وهيئات وشخصيات أعلنت دعمها للحراك الشعبي ورفضها للولاية الخامسة.
- قدماء المحاربين والمحامون بالجزائر يعلنون رفضهم ترشح بوتفليقة
- وزير داخلية بوتفليقة الأسبق يدعم الاحتجاجات ويرفض الولاية الخامسة
ومن خلال البيانات المتتالية، أعلنت جميعها الالتحاق "بسفينة المظاهرات والالتحاق بالحراك الشعبي"، أبرزها المنظمة الجزائرية للمجاهدين (قدماء المحاربين)، ومجلس الاتحاد الجزائري لمنظمات المحامين، وأكثر من 10 نقابات في مختلف القطاعات، بين المستقلة وأخرى تابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين، وجمعية "قدماء وزراء التسليح والاتصالات العامة" التي يرأسها دحو ولد قابلية وزير الداخلية الجزائري الأسبق، وعدد من رجال الأعمال.
كما قرر حزب جبهة القوى الاشتراكية المعارض سحب نوابه الـ 16 من البرلمان الجزائري، واستقالة وزير الصيد البحري الأسبق، والنائب سيد أحمد فروخي من البرلمان وحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، ورؤساء مجالس محلية تابعة لأحزاب الائتلاف الحاكم.
وفي الوقت الذي جدد تمسكه بالترشح للانتخابات الرئاسية، تلقى الجنرال المتقاعد علي غديري ثاني ضربة موجعة أربكت حسابته، بعد انسحاب مقران آيت العربي مدير حملته الانتخابية، وزبيدة عسول العضو في إدارته الانتخابية، وقبلها بأسبوعين انسحب ناطقه الاعلامي أحميدة العياشي.
ردود الفعل الدولية
وشهد الأسبوع الأخير تغيراً لافتاً في موقف باريس المهتم الأول بالوضع السياسي في الجزائر، وانتقل من "ضرورة إجراء انتخابات نزيهة وشفافة" إلى اعتبار ما يحدث في الجزائر "شأناً داخلياً".
غير أن توالي تصريحات المسؤولين الفرنسيين، أكدت بحسب المتابعين مخاوف باريس من اختلاط الأوراق في الجزائر على مصالحها، وتأكد ذلك مع التصريح الأخير لرئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب، الأربعاء، الذي قال إن "فرنسا ليست غير مبالية إزاء الوضع في الجزائر، لكنها لا تريد ممارسة أي تدخل".
والتقى موقفه مع تصريحات وزير خارجيته جان إيف لودريان، الذي أكد أن الحكومة الفرنسية تتابع العملية الانتخابية في الجزائر باهتمام بالغ، مع إشارته إلى أنه "بلد ذو سيادة والأمر يرجع للجزائريين في اختيار زعمائهم وتحديد مستقبلهم".
أما الاتحاد الأوروبي فقد دعا الجزائر إلى "احترام حرية التعبير والتجمع"، وقالت مايا كوسيانسيتش المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي في تصريح صحفي: إن "المجلس الدستوري هو الهيئة المخولة في الجزائر لتأكيد تطابق ملفات المرشحين في الانتخابات الرئاسية، والمودعة على مستواه".
كوسيانسيتش أكدت أن "حرية التعبير والتجمع، حقوق يكفلها الدستور الجزائري، ونحن ننتظر أن تمارس هذه الحقوق بطريقة سلمية ومضمونة في إطار دولة القانون".
في حين كان موقف الولايات المتحدة من التطورات في الجزائر "أكثر حزماً" بحسب المراقبين، الذي قوبل باستهجان من قبل الجزائريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبروه "تدخلاً في الشؤون الداخلية لبلادهم".
وأعربت الخارجية الأمريكية عن "دعمها" للحراك الشعبي، حيث قال روبرت بالاديانو المتحدث باسمها في مؤتمر صحفي الثلاثاء: "نتابع الحركات الاحتجاجية التي تحدث في الجزائر وسنواصل القيام بذلك، والولايات المتحدة تدعم الشعب الجزائري وحقه في التظاهر السلمي".
وضع بوتفليقة الصحي
ووسط كل التطورات المتلاحقة المرتبطة بترشح الرئيس الجزائري الحالي والمنتهية ولايته، تسود الجزائر حالة من الغموض غير المسبوق حول الوضع الصحي لبوتفليقة، وتداعياته على مستقبل البلاد والعملية الانتخابية القادمة، وبات الإعلام السويسري "مصدر المعلومة الوحيد" الذي يحبس أنفاس أبناء هذا البلد العربي.
وكشفت صحيفة "لا تريبين دو جنيف" السويسرية، الأربعاء، أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لا يزال يتلقى العلاج في الطابق الثامن بالمستشفى الجامعي بجنيف، مؤكدة أنه بحاجة إلى عناية طبية مركزة مستمرة لكون حياته مهددة بالخطر بشكل دائم، حيث يعاني من مشكلات في التنفس والأعصاب.
وأكدت الصحيفة صحة التقارير التي تم تداولها حول هشاشة وضعه الصحي، حيث نقلت عن مصدر طبي مسؤول عن حالته الصحية القول إن حياة بوتفليقة مهددة بالخطر بشكل مستمر جراء خلل في نظم الأعصاب للجسم، مشيرا إلى أن الطعام يمكن أن يسلك طريقا خاطئا بجسده نتيجة لعدم التحكم في الأعصاب ويدخل مجرى الشعب الهوائية، الأمر الذي يمكن أن يسبب عدوى خطيرة في الرئة.
aXA6IDMuMTQ1Ljk1LjIzMyA=
جزيرة ام اند امز