محللون لـ"العين الإخبارية": قرارات بوتفليقة جنبت البلاد الأسوأ
محللون جزائريون: قرارات بوتفليقة جاءت لحل أزمة سياسية خطيرة تمر بها الجزائر اليوم وحماية من الالتفاف على الإرادة الشعبية
رأى محللون وأحزاب جزائرية أن القرارات الأخيرة للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة أنهت بوادر أزمة أخطر من أزمة التسعينيات، خاصة بعد محاولات البعض إخراج الحراك الشعبي عن أهدافه، وجنبت البلاد الأسوأ.
وأنهى بوتفليقة، مساء الإثنين، حالة الترقب والغموض وحتى الخوف على مصير البلاد، بحزمة قرارات أبرزها تراجعه عن الترشح لولاية خامسة، وتأجيل رئاسيات 18 أبريل/نيسان إلى أجل غير مسمى.
- بوتفليقة يؤجل انتخابات الرئاسة الجزائرية ويعلن عدم الترشح لولاية خامسة
- تعيين نور الدين بدوي رئيسا لوزراء الجزائر ورمطان لعمامرة نائبا
وكلف بوتفليقة وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة نور الدين بدوي برئاسة الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات، خلفاً لأحمد أويحيى الذي قدم استقالته، وأصدر مرسوماً رئاسياً استحدث من خلاله منصب نائب أول لرئيس الوزراء، منح لوزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة.
وبعد صدور قرارات بوتفليقة، خرج مئات الجزائريين في الجزائر العاصمة ومحافظات أخرى إلى الشوارع، ترحيباً بقراره الاستجابة لمطلبهم عدم الترشح لولاية خامسة.
ولم يختلف الأمر كثيراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث اعتبر كثير من الجزائريين على مختلف المنصات الاجتماعية أن قرارات بوتفليقة "تعد انتصاراً لإرادة الشعب، بعد مظاهرات سلمية جاءت بقرارات معترفة بسلطة الشعب"، فيما شكك آخرون واعتبروها "التفافاً على المطالب الشعبية بالتغيير".
وبعد يوم من عودته من رحلة علاجية استغرقت 15 يوماً في جنيف، وجّه الرئيس الجزائري رسالة إلى شعبه، أعاد فيها طرح خارطة الطريق التي أعلن عنها في رسالة ترشحه، معلناً من خلالها عن دخول البلاد في مرحلة انتقالية تؤدي إلى "تغيير النظام" كما قال بوتفليقة في رسالته.
بوتفليقة الذي بدأ رسالته باعتراف مفاده أن "الجزائر تمر بمرحلة حساسة في تاريخها عقب جمعة ثالثة بعد سابقتيها، شهدت البلاد مسيرات شعبية حاشدة"، ومنوهاً بطابعها السلمي، أعلن فيها نيته "تنفيذ إصلاحات عميقة في الـمجالات السياسية والـمؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية، بإشراك على أوسع ما يكون وأكثر تمثيلاً للـمجتمع الجزائري".
واستبق الرئيس الجزائري طرحه لأجندة المرحلة المقبلة بالإعلان عن انسحابه من الترشح لولاية خامسة، مرجعاً ذلك إلى وضعه الصحي وسنه، مع تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى تاريخ تحدده الندوة الوطنية المقبلة، مبرراً قرار التأجيل "بتهدئة التخوفات المعبر عنها، قصد فسح المجال أمام إشاعة الطمأنينة والسكينة والأمن العام".
وأعلن بوتفليقة في رسالته عن تنظيم ندوة وطنية "جامعة ومستقلة ستكون هيئة تتمتع بكل السلطات اللازمة لتدارس وإعداد واعتماد كل أنواع الإصلاحات التي ستشكل أسيسة النظام الجديد الذي سيتمخض عنه إطلاق مسار تحويل دولتنا الوطنية"، محدداً نهاية عهدتها مع نهاية العام الحالي.
وتضمنت خارطة طريق الرئيس الجزائري خلال المرحلة الانتقالية، تعديلاً دستورياً يُعرض على الاستفتاء الشعبي، وتنظيم الانتخابات الرئاسية عقب انتهاء الندوة من أعمالها.
كما حل بوتفليقة اللجنة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات التي أقرها دستور فبراير/شباط 2016، وقرر في المقابل إنشاء لجنة جديدة "استجابة لـمطلب واسع عبرت عنه مختلف التشكيلات السياسية الجزائرية، وكذا للتوصيات التي طالما أبدتها البعثات الـملاحظة للانتخابات التابعة للـمنظمات الدولية والإقليمية التي دعتها واستقبلتها الجزائر بمناسبة المواعيد الانتخابية الوطنية السابقة" كما ذكر بوتفليقة في رسالته.
الموالاة ترحب
ورحبت أحزاب الائتلاف الحاكم في الجزائر بقرارات بوتفليقة، واعتبر حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، في بيان تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه، أن قرارات الرئيس الجزائري الأخيرة هي "استجابة لتطلعات الشعب الجزائري التواق إلى المزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
- الجزائري الأخضر الإبراهيمي.. من وسيط دولي إلى مرمم وطني
- رمطان لعمامرة.. دبلوماسي محنك أول نائب لرئيس الحكومة الجزائرية
وأضاف أن "الذهاب إلى حكومة كفاءات وطنية وإشراف شخصية وطنية مستقلة على الندوة الوطنية الجامعة، تمثل فرصة حقيقية لكل الطبقة السياسية ومكونات المجتمع المدني من شخصيات علمية وثقافية للانخراط والمساهمة في تحقيق هدف بناء الجزائر الجديدة".
كما علق حزب التجمع الوطني الديمقراطي على قرار بوتفليقة عدم الترشح لولاية خامسة وتأجيل الانتخابات بالقول: "إن رسالة الرئيس حملت العديد من التأكيدات والمزيد من التوضيحات".
وأوضح بيان "الأرندي" الذي حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، أن توضيحات وتأكيدات بوتفليقة تمثلت في "تحضير البلاد لمواجهة تحديات المستقبل والاستجابة لتطلعات شباب الجزائر".
موقف المعارضة الباهت
وفي الوقت الذي خرج فيه عشرات طلبة الجامعات في الجزائر العاصمة ومدن أخرى للتظاهر، الثلاثاء، واصفين القرارات الأخيرة في لافتاتهم بـ"خداع الشعب"، ظهرت مواقف المعارضة الجزائرية "مرتبكة وباهتة" في غالبها بحسب المراقبين.
- أسبوع الجزائر.. تعهدات لبوتفليقة واتساع الاحتجاجات ضد الولاية الخامسة
- محللون: رهان إخوان الجزائر على ركوب موجة الاحتجاجات "سيبوء بالفشل"
وتجلى ذلك – بحسبهم – في إصدار مواقف "متأخرة عن ساعة إصدار بوتفليقة لقراراته"، ما يعني وفق المتابعين أن "المعارضة الجزائرية تعيش في توقيت مخالف لتوقيت واقع الجزائريين" كما قال المعارض الجزائري كريم طابو، الأسبوع الماضي.
وفي شريط فيديو نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبر علي بن فليس، رئيس وزراء بوتفليقة الأسبق ورئيس حزب طلائع الحريات المعارض، أن قرارات الرئيس الجزائري شكّلت "تعدياً بالقوة على الدستور" على حد تعبيره، وانتقد ما أسماه "التمديد غير الدستوري للسلطة الحالية".
فيما ندد سفيان جيلالي، رئيس حزب جيل جديد، بـ"التدخل الفرنسي في الشأن الداخلي للجزائر الذي يُعتبر نقطة حساسة تمس السيادة الوطنية" كما قال.
وفي تسجيل مصور نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قال جيلالي إن "كل ما نشاهده مع الحراك الجزائري في الداخل والخارج هناك بداية تدخل أجنبي مباشر في القضايا الداخلية للبلاد"، واعتبر أن القرارات الأخيرة هي "سطو والتفاف على مطالب الشعب" على حد قوله.
جدل حول دستورية القرارات
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قال الدكتور عبدالرحمن بن شريط المحلل السياسي، إن "قرارات بوتفليقة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت في خضم حراك شعبي كبير جداً، ومع ذلك فإن السلطة الجزائرية لم توجه خطابها للحراك الذي لم يشر إلى ضرورة إشراكه في القرارات التي اتخذت، ومن المفروض عدم الانفراد في اتخاذها في مثل هذه الظروف".
- احتجاجات جديدة بالجزائر رفضا لتمديد رئاسة بوتفليقة
- المعارضة الجزائرية تطالب مرشحي الرئاسة بالانسحاب وترفض التدخل الخارجي
ورغم الانقسام البارز داخل الحراك الشعبي حول من يمثله ورفضه تكليف المعارضة بتمثيلها، إلا أن المحلل السياسي أشار "إلى أن المشكل في بقاء وجوه رفضها الحراك الشعبي ويعتبرها من أسباب الأزمة وهي التي تبادر إلى إيجاد الحلول، ودعاها إلى الرحيل".
حراك الجزائريين اتفق على مطلب واحد بحسب كثير من المتابعين وحتى المعارضين "رفض العهدة الخامسة"، وهنا يقول بن شريط "إن الشارع موحد وحالة الاحتقان تجاه السلطة موحدة أيضاً، أرى أن هناك محاولة للقفز على الحراك من خلال هذا الموقف، والنظام يكرر نفسه، ولا يترك المجال لتغييرات جذرية لأن الحراك يريد ذلك".
كما اعتبر الدكتور عامر رخيلة، المحلل السياسي وخبير الشؤون القانونية، أن "إصدار بوتفليقة مراسم رئاسية يعني تجميد العمل بالدستور، والدخول في مرحلة انتقالية".
وأضاف في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "الرسالة لم تستند إلى أي نص دستوري ولم تتضمن فقراتها أي أحكام دستورية، وفيها بالنسبة لنا ما يخرج عن نطاق الدستور، وفيها ما يندرج ضمنه، والقرارات الأخيرة تعني التمديد للرئيس الذي سيكون بعد انتهاء ولايته رئيساً للدولة وليس رئيساً للجمهورية وفق الدستور، والأزمة السياسية الحالية خلقت أزمة دستورية".
ورد المحلل السياسي الدكتور سليمان أعراج على ذلك، في حديث لـ"العين الإخبارية"، بالتأكيد على أن "صلاحيات رئيس الجمهورية في الجزائر والقرارات الصادرة تستمد من المكانة الدستورية لرئيس الجمهورية في حد ذاته".
وأضاف: "كما أنه يمكن الحديث عن الصلاحيات التقديرية لرئيس الجمهورية وفق الدستور، إضافة إلى المادة 107 التي تتحدث عن الحالة الاستثنائية التي يقرها رئيس البلاد، والحديث عن عدم دستورية القرارات هي مجرد حجج لا تمس بجوهر العمل القانوني، والأهم هو الحفاظ على روح القانون على اعتبار ما يكرسه الدستور الجزائري".
قرارات مهمة أوقفت انهيار الدولة
غير أن محللين سياسيين يرون أن قرارات الرئيس الجزائري الأخيرة "جنبت الجزائر عشرية سوداء جديدة حاولت أطراف إدخالها فيها" كما أكدوا ذلك في تصريحات لـ"العين الإخبارية".
- الأخضر الإبراهيمي: الجزائر مقبلة على مرحلة بناءة تعالج مشاكلها
- بالفيديو.. أول ظهور لبوتفليقة بعد عودته من جنيف
وفي حديث مع "العين الإخبارية" ذكر الدكتور لزهر ماروك، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، أن "ما أصدره رئيس الجمهورية من قرارات جاء استجابة لمطالب الحراك الشعبي الذي امتد لعدة أسابيع، وكان أبرز شعار فيه هو رفض العهدة الخامسة وتأجيل الانتخابات، ولاحظنا شبه إجماع على ضرورة تخلي الرئيس عن هذه العهدة، وكذلك عدم تنظيم الانتخابات بالنظر إلى الظروف الحساسة التي أصبحت تعيشها الجزائر والتي لا تسمح بتنظيم انتخابات رئاسية بهذه الأهمية في هذا الظرف".
ورأى المحلل السياسي أن "هذه القرارات جاءت لتلبي مطالب الجزائريين ولتهدئة الشارع والشروع في مرحلة مقبلة، لكن يبقى الإشكال إن كان لهذه القرارات سند دستوري؛ حيث إن الرئيس تنتهي عهدته مع نهاية أبريل/نيسان، ولم يتم توضيح كيف سيستمر في الحكم بعد ذلك".
وأضاف "لكن بصفة عامة، هذه القرارات جاءت لتؤسس لتغيير النظام بشكل سلسل وسلمي من خلال ندوة وطنية تتمتع بصلاحيات واسعة وفي فترة زمنية محددة، وتشرف على كتابة دستور، والأهم من ذلك وهو أنها ستحدد الانتخابات المقبلة".
وأشار ماروك إلى أن "مدى قبولها يبقى مرتبطاً برأي الشارع، ومن السابق لأوانه معرفة ذلك، والملاحظ حالياً من خلال خرجة الجزائريين، أمس الإثنين، في الشوارع، يبدو أن هناك من يقبل بهذه القرارات ويعتبرها تلبية لمطالبه، وهناك من يريد التصعيد الجمعة المقبل".
وخلص المحلل السياسي حديثه بالإشارة إلى أن "القرارات بقدر ما جاءت باستجابة لمطالب الشارع، بقدر ما جاءت بحل أزمة سياسية خطرة تمر بها الجزائر اليوم، خاصة بعد العصيان المدني الذي مس قطاعات حساسة وأخذت المسألة أبعاداً خطرة كان من شأنها أن تشل البلد، وتعود بانعكاسات سلبية على أمن واستقرار الجزائر".
من جانب آخر، رأى الدكتور سليمان أعراج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أن "القرارات التي اتخذها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة خاصة ما تعلق منها عدوله عن الترشح لعهدة جديدة وتأجيل الانتخابات والدخول في مرحلة انتقالية تؤسس لمرحلة جديدة في النظام الجزائري، أعتقد أنها رسالة معتدلة وطمأنة تسهم في الحفاظ على الطابع المؤسساتي للدولة".
وأضاف المحلل السياسي في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن "أي تعديل سياسي لا بد أن يتم في إطار الحسابات التي تضمن وتصون مفهوم الدولة الوطنية، إضافة إلى أنها رسالة تدعم الاستقرار والأمن، على اعتبار أن الرسالة تضمنت استجابة لمطالب الشارع، وحماية للإرادة الشعبية من تلك الفئات التي حاولت أن تستغل أو تنصب نفسها ناطقاً رسمياً باسم الحراك للاستيلاء عليها".
وعن مستقبل المشهد السياسي في البلاد في ضوء قرارات بوتفليقة الأخيرة، قال أعراج: "كأكاديمي أيني ولا أهدم، نظرتي إيجابية، وأرى أن الحديث اليوم عن دور الشباب في المرحلة المقبلة هو مؤشر إيجابي، إضافة إلى الحديث عن التأسيس لتغييرات كبرى تتم في إطار ندوة وطنية جامعة لكل الأطياف التي تمثل الشعب الجزائري وهذا يعتبر مسألة مهمة ورهاناً إيجابياً يجب تثمينه".
aXA6IDE4LjIxOC45NS4yMzYg جزيرة ام اند امز