أسبوع الجزائر.. رفض للتدخل الخارجي وعِبر مستخلصة من "خراب الإخوان"
ذكرى أحداث أكتوبر 1988 ورد الحكومة على مواقف نواب أوروبيين من الأزمة وارتفاع مرشحي انتخابات الرئاسة إلى 139.. أبرز أحداث أسبوع الجزائر
انقضى خلال الأسبوع المنتهي بالجزائر الشهر الأول من الفترة الدستورية المحددة لإجراء انتخابات الرئاسة بعد استدعاء الهيئة الناخبة 3 أشهر.
ولم يبقَ أمام الجزائر إلا شهران فقط للتعرف على الوافد الجديد إلى "قصر المرادية" (مقر رئاسة الجمهورية)، وارتفع عدد الطامحين لكرسيه إلى 139 مرشحاً محتملاً.
- أسبوع الجزائر.. الجيش يتعهد بعدم "صناعة الرئيس"
- أسبوع الجزائر.. مصرع أطفال حرقا و"نهاية" رموز نظام بوتفليقة سجنا
وبالتوازي مع ذلك، استذكر الجزائريون أحداث 5 أكتوبر 1988 أكثر من أي عام آخر، لتزامنها مع الحراك الشعبي الذي أطاح بنظام بوتفليقة، خاصة أن الحدثين شكّلا -بحسب المراقبين- نقطة مفصلية وحاسمة في تغيير مستقبل الجزائر السياسي وحتى الاجتماعي.
وفي أسبوع واحد، رد وزيران جزائريان على تصريحات مسؤولين في البرلمان الأوروبي ومشاركة نائبة برلمانية فرنسية في مظاهرة للطلبة، وأعربا عن رفض الجزائر التدخل في شؤونها الداخلية، تزامنا مع موقف قائد أركان الجيش الذي دعاها إلى "الاهتمام بمشاكلها".
"تعليقات" خارجية مرفوضة
بعد الجدل الذي أحدثته تصريحات نائبة في البرلمان الأوروبي ومشاركة نائبة فرنسية في مظاهرة للطبة، صدر أول موقف رسمي من الحكومة الجزائرية، عبر عن رفضه التدخل في شؤون البلاد الداخلية.
وفي تصريح نقلته وكالة الأنباء الرسمية، أعرب وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم عن رفض بلاده "أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية من أي كان، سواء تعلق الأمر بشخص مدني أو سياسي"، مشيراً إلى أن موقف الاتحاد الأوروبي مختلف عن موقف النائبة الأوروبية.
ونفى بوقادوم "اعتقال" السلطات الجزائرية النائبة الفرنسية ماتيلد بانو خلال مشاركتها في مظاهرة للطلبة بمحافظة بجاية (شرق)، وإن اتهم أطرافاً لم يسمها بـ"تسهيل دخولها إلى البلاد للمشاركة خصيصاً في المظاهرة".
موقف وزير الاتصال (الإعلام) والناطق الرسمي باسم الحكومة الجزائرية حسان رابحي كان أكثر "حزماً" من موقف زميله في الخارجية، إذ شدد على أن بلاده "لن تسمح لأي كان المساس بسيادتها وحرمة ترابها".
واعتبر الوزير الجزائري بأن "تواجدها دليل على أن هناك أوساطاً مغرضة لا تتمنى الخير للجزائر سبق وأن حذرت منها السلطات، تسعى لخلق البلبلة وعدم الاستقرار في البلاد".
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي التي استهجن روادها تدخل مسؤولين أوروبيين في شؤون بلادهم الداخلية، اعتبرت منشورات كثيرة أن "فرنسا هي الدولة الأوروبية الوحيدة المتضررة من أي انتقال ديمقراطي لا يضمن بقاء مصالحها".
في حين، أرجعت منشورات أخرى أسباب تلك المواقف الأوروبية إلى ما أسموه "التماطل في حل الأزمة السياسية من قبل بعض الأطراف السياسية الداخلية"، وهو ما يعطي – بحسبهم – الذريعة "لإصدار مواقف نابعة من ضبابية المشهد السياسي"، خاصة وأن الجزائر تمثل أهمية استراتيجية للاتحاد الأوروبي، التي تعتبر ثالث أكبر ممون له بالغاز الطبيعي.
كرسي المرادية يجذب 139 مرشحاً محتملاً
ووصل عدد المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها بالجزائر في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل إلى 139 مرشحاً محتملاً، وفق ما كشف عنه علي ذراع الناطق الإعلامي باسم السلطة المستقلة للانتخابات.
وخصصت الهيئة الانتخابية الجديدة 200 خبير دستوري لدراسة ملفات المرشحين، ما يعني بحسب تصريحات حقوقيين لـ"العين الإخبارية" بأن مهمة المجلس الدستوري لن تكون كما كانت، بل ستكون شكلية فقط، وأن "الكلمة الفصل في تحديد مرشحي الانتخابات ستكون للسلطة المستقلة للانتخابات".
وألزمت السلطة المستقلة للمرة الأولى كل المرشحين بحضور المواطنين الموقعين على استماراتهم للترشح "شخصياً" إلى مصالح الحالة المدنية أو الموثقين والمحضرين القضائيين للمصادقة على استمارات الترشح.
وفي خضم تحضيرات الجزائر لانتخاب رئيسها الجديد، تواصلت المظاهرات الشعبية "الرافضة لإجراء الانتخابات بإشراف رموز نظام بوتفليقة"، رخم التراجع الكبير في زخم الحراك مقارنة ببداياته.
واعتقل الأمن الجزائري منذ الجمعة الماضية حوالي 200 متظاهر بحسب أرقام قدمها نشطاء حقوقيون، وفرقت الشرطة مظاهرتين يومي السبت والثلاثاء الماضيين، ومنعت جميع وسائل الإعلام من تغطيتها.
بين الانتفاضة والحراك.. نهاية الإخوان
وعادت ذكرى أحداث 5 أكتوبر 1988 أو التي يسميها الجزائريون "انتفاضة 5 أكتوبر"، لتلقي بظلالها بداية الأسبوع المنتهي بالجزائر، وعاد الجزائريون بذاكرتهم ثلاثة عقود إلى الوراء، مستذكرين تداعياتها على مستقبل بلادهم.
ذكرى تزامنت مع حراك شعبي خاضه الجزائريون للمرة الأولى ضد نظام عبد العزيز بوتفليقة، الأمر الذي دفعهم إلى وضع مقارنة بين أبرز أزمتين سياسيتين عرفتهما الجزائر في تاريخها.، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المحلية.
وقدم محللون سياسيون ومؤرخون لـ"العين الإخبارية" نقاطاً مشتركة بين الحدثين البارزين، وأخرى متباينة، يرون بأنها "عِبر مستخلصة في الحراك من الشعب والسلطة معاً" لعدم تكرار سيناريو التسعينيات.
ومن أكثر تلك العبر التي ترجمها الجزائريون بمواقف في مظاهراتهم التي "أفاقت الإخوان من وهم القوة الشعبية الضاربة"، وهي الأسطوانة التي تعودت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" الإخوانية على ترديدها في التسعينيات.
حيث ذكر المحللون السياسيون في تصريحاتهم لـ"العين الإخبارية" بأن الجزائريين أكدوا في حراكهم الأخير بأنهم "لن يلدغوا من الجحر مرتين"، ورفضوا أي دور للإخوان في مظاهراتهم، أو التحدث باسمهم، حتى أنهم طردوا قيادات إخوانية من المسيرات، وتحولت معها الأخيرة إلى ما يشبه المحاكمات الشعبية لما يسمونه "نفاق الإخوان".
مشهد مغاير تماماً عاشته الجزائر عن الذي عاشته سنوات التسعينيات وبعد أحداث أكتوبر 1988، حينما استغل الإخوان نقمة الجزائريين على الحزب الحاكم، ليستقطبوه بـ"خطابات شعبوية مغلفة بشعارات دينية"، وسرعان ما تحول الخطاب ذاته إلى "لغة تهديد وتطرف".
تهديد لم يكن فقط ضد من عبّر عن رفضه لـ"كذبة الدولة الإسلامية المزعومة" بشعارات "عليها نحيا وعليها نموت"، بل حتى لـ"الصامتين" منهم، وكشفت "الجبهة الإرهابية" عن أجندتها الحقيقية "باسم الديمقراطية" وهي "أن تكون معي أو ضدي"، ثم "إما مع الجبهة أو في القبر".
ورغم العبر الكثيرة التي استخلصها ملايين الجزائريين في حراكهم الأخير من تظاهر سلمي ورفض لأي شكل من أشكال العنف، إلا أن التجربة الأخيرة أكدت بحسب المتابعين أن "الإخوان كانوا الوحيدين الذين لم يتعلموا من ذلك الدرس القاسي"، بل "حاولوا ركوب موجته بنفس الأساليب الخبيثة التي اتبعتها الجبهة الإرهابية".
وانتج حراك فبراير/شباط 2019 نوعان من الخاسرين، الأول كان نظام بوتفليقة وكل من سار في فلكه من أحزاب وشخصيات، والثاني كان التيارات الإخوانية التي أكد محللون سياسيون في وقت سابق لـ"العين الإخبارية" بأنها لم تعد إلا "مجرد ظاهرة صوتية"، وبأنه لا مجال لعودة "الإسلام السياسي" إلى بلد تحول في التسعينيات إلى نموذج وشاهد حي على "الخراب الذي يحل عندما يمارس الإخوان السياسة".