انتخابات الرئاسة في الجزائر.. انقسام شعبي وسياسي
سياسيون وخبراء يوضحون لـ"العين الإخبارية" أسباب الانقسام الشعبي بالجزائر حول انتخابات الرئاسة والسيناريوهات المتوقعة.
لم يسبق وأن شهدت انتخابات رئاسية في الجزائر حالة من السجال والانقسام الشعبي والسياسي، إلى درجة الاحتقان كما يحدث مؤخراً حول انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
- احتجاجات طلابية بالجزائر للمطالبة بإلغاء انتخابات الرئاسة
- مرشحو انتخابات الجزائر.. وعود كثيرة وحضور شعبي ضعيف
وانقسم الجزائريون بين معسكرين؛ الأول تمثله شريحة كبيرة من الحراك الشعبي وشخصيات سياسية وحقوقية وبعض أحزاب المعارضة، ترى فيها "مشكلة في حد ذاتها وتعقيداً للأزمة الحالية وانتخابات مفروضة بسياسة الأمر الواقع، وإعادة لتدوير النظام السابق والتفافاً على مطالب التغيير الجذري للنظام بسياساته ووجوهه".
كما صعّد الحراك الشعبي من رفضه للانتخابات الرئاسية رغم عجزه عن الخروج بقيادات تمثله في التفاوض مع السلطة أو الترشح للانتخابات، وبات إلغاؤها المطلب الأكثر إلحاحاً للمحتجين الذين لم يعد يقتصر خروجهم على يومي الثلاثاء والجمعة من كل أسبوع، بل حتى في مظاهرات ليلية، وأخرى لمنع المرشحين من إجراء تجمعاتهم الانتخابية في بعض المدن والمحافظات، ودخلت الجزائر وسط ذلك في أطول احتجاج شعبي في تاريخها.
أما المعسكر الثاني فيمثله أيضا جزء كبير من الجزائريين، بعضهم كان في الحراك الشعبي، ومنهم من ينظر إلى الموعد الانتخابي كـ"أفضل أنواع الحلول السيئة للأزمة السياسية".
والبعض يقول إن الحراك الشعبي حقق مطالب استثنائية أكبرها سجن أكثر النافذين في عهد بوتفليقة و"لا يمكن تحقيق بقية المطالب إلا بوجود رئيس شرعي وانتخاب أول رئيس غير مصنوع في مخابر الدولة العميقة"، وطرف آخر منهم "يتوجس من تجارب بلادهم السابقة مع حالات الفراغ والمراحل الانتقالية، ولا يرون إلا في الانتخابات مخرجاً من الأسوأ".
جهة أخرى من المعسكر ذاته، يمثلها مثقفون ومؤرخون، يحذرون من تبعات عودة جناحي الدولة العميقة إلى الحكم.
ويرجع هؤلاء أسباب الرفض الشعبي غير المسبوق للاستحقاق الانتخابي إلى "تغلغل الدولة العميقة وقدرتها الكبيرة على التأثير في الرأي العام من خلال سياسيين وإعلاميين ونشطاء في الداخل والخارج تم تكوينهم لمثل هذه الحالات التي تعتمد على استراتيجية الهجوم المعاكس، كواحدة من أوراق التفاوض غير المعلن مع صناع القرار الحاليين في الجزائر" كما يقولون.
وفي ظل بروز الفئة الرافضة للانتخابات في المظاهرات بشكل واضح، وتنشيط المرشحين لحملاتهم الانتخابية التي وصفها المراقبون بـ"الباهتة" وسط حضور شعبي ضعيف في التجمعات الانتخابية وقاعات شبه فارغة في بعض الأحيان، بقيت تلك "الفئة الصامتة أو الغائبة عن المشهدين الرافض والمؤيد" التي ذكر خبراء لـ"العين الإخبارية" بأنها الأكبر، فإنها قد تغير كثيراً -وفق قراءاتهم للمشهد- من المعطيات الانتخابية في حال تصويتها أو مقاطعتها لانتخابات الرئاسة.
ويخوص غمار سباق انتخابات الرئاسة الجزائرية 5 مرشحين، جميعهم كانت لهم صلة بنظام الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة من خلال توليهم مناصب وزارية أو انتمائهم السابق لحزب جبهة التحرير الوطني، الذي كان أكبر حزب داعم للنظام السابق.
ويتعلق الأمر بكل من عز الدين ميهوبي الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي (الموالي)، ورئيس الوزراء الأسبق عبدالمجيد تبون بصفته مرشحاً مستقلاً، وعلي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات (المعارض) ورئيس الوزراء الأسبق، ورئيس حزب جبهة المستقبل عبدالعزيز بلعيد، والإخواني عبدالقادر بن قرينة رئيس ما يعرف بـ"حركة البناء الوطني".
وعلى ضوء كل ذلك، طرح مراقبون منذ بدء الحملة الانتخابية قبل نحو 12 يوماً، تساؤلات عن طبيعة انتخابات الرئاسة المقبلة إن كانت حلاً للأزمة السياسية التي تعيش شهرها التاسع أم تزيد من تعقيدها في ظل إصرار المتظاهرين على إلغائها واحتمال خروج الانتخابات برئيس "منقوص الشرعية الشعبية" قد يكون عاجزاً عن إيجاد حلول لمعضلات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وهل تنجح السلطات الجزائرية في تمرير الانتخابات بـ"أقل الأضرار"؟ أم أن احتمالات إلغائها تبقى واردة مع تلويح معارضين في الخارج بورقة العصيان المدني والإضراب الشامل وإغلاق مكاتب الاقتراع يوم الانتخابات؟ وهل هي انتخابات لإنقاذ البلاد من الاضطرابات أم لإنقاذ النظام من السقوط؟
مناخ صعب
القيادي في حزب "جيل جديد" المعارض حبيب براهمية قال إن حزبه لا يزال ينظر في أن "الحل كان من الممكن أن يكون عبر الانتخابات الرئاسية في حال كانت منظمة من هيئة انتخابية مستقلة بشكل حقيقي، وتكون من مخرجات حوار حقيقي".
وأوضح في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن انتخابات الرئاسة "لن تحقق هدفها الرئيسي في استعادة الثقة والعودة للشرعية الشعبية، فإنها بذلك ستؤزم الوضع، ولا يمكن لها أن تكون حلاًّ للأزمة السياسية، ولهذا نتمنى أن تراجع السلطة الحالية موقفها بأكثر جدية ومسؤولية، من خلال تأجيل الانتخابات وإطلاق سراح معتقلي الرأي وتفتح حواراً حقيقياً مع كل أطياف الشعب الجزائري، حتى نخرج بالآليات السياسية التي تسمح بالعودة إلى الشرعية الشعبية، وقد تكون تلك الآليات بانتخابات رئاسية حقيقية".
وفي اعتقاده، يرى حبيب براهمية أن انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل هي "لإنقاذ النظام القائم"، وأضاف بأنها "إعادة تدوير النظام السابق، وعملية تعيين رئيس لا يملك أي شرعية، ومن الخطأ الاعتقاد أنه يمكن في هذه الظروف إجراء انتخابات رئاسية بدون الشعب، وأهم رسالة خرج بها الحراك يوم 22 فبراير/شباط هي عودته للمعادلة السياسية، ولا يمكن تمرير أي مشروع يكون فيه الشعب خارج تلك المعادلة".
المؤرخ والناشط السياسي الدكتور محمد أرزقي فراد نشر فيديو عير صفحته الخاصة على موقع "فيسبوك" شرح فيه أسباب استمرار الحراك الشعبي ورفضه للانتخابات الرئاسية.
ومما ذكر فيه أن "إصرار الجزائريين على الخروج إلى الشوارع منذ فبراير/شباط الماضي يدل على أن الشعب قد أخذ الدرس والعبرة من كل النضالات التي قامت منذ استقلال الجزائر لاسترجاع الاستقلال المُصادَر".
ضرورة أمنية وسياسية
أما الباحث والمحلل السياسي الجزائري الدكتور محمد طيبي فقد "غاص في عمق الأزمة من خلال المسار السياسي الذي تحركه قوى ظاهرة وأخرى خفية" كما ذكر في تصريح لـ"العين الإخبارية"، وقدم قراءة تحليلية لحقيقة ما يحدث في الجزائر مؤخراً.
وأوضح بأن القوى الظاهرة "تتمثل في سلطة الدولة التي يقع على عاتقها تسيير الشأن العام، والقوى الخفية هي التي تطرح على الرأي العام أمراً ليس من صلاحياتها دستورياً، فيه بين تأجيل الانتخابات وفي عمقه رفض للانتخابات".
وفسر ذلك بأن "من يريد للانتخابات أن تتم في موعدها هو رأي معتد بنفسه أولاً من ناحية الوزن السياسي في المجتمع، وينطلق أيضا من فكرة أن استمرارية الدولة كمؤسسات هو أمر ضروري للتحكم في كل الرهانات وخاصة الرهانات الأمنية، والناس لا تجهل الصعوبات وحتى المضاعفات، وترى بأن الدولة تبنى بآليات الحداثة السياسية وهي الصندوق".
أجندات خفية
أما عن "الجهات الخفية التي تطالب بتأجيل الانتخابات وتعارض إجراءها في الوقت ذاته"، فقد ترجمها المحلل السياسي بأنها "تجد نفسها في الناحية السياسية في وضع يشبه العار السياسي، حيث إنهم يصفون أنفسهم بالديمقراطيين ويرفضون آليتها الطبيعية وهي الانتخابات، والديمقراطية ليس لها دين أو عقيدة، بل هي آلية تعطي للأغلبية حق تسيير شأنها".
وأضاف بأن "القوى الخفية التي ترفض الانتخابات هي قوة تشتغل بخطاب علني يهدف لتأزيم الوضع إلى أقصى حد، وشيطنة الجيش إلى أقصى حده".
وعدّد الدكتور محمد طيبي أسباب ذلك في أن "يكون لتلك القوى الرافضة كلمة في مسار البلد وهي تخاف على هذه الكلمة اليوم، وهي تريد طرفاً في الحل خارج الصندوق كما حدث في التسعينيات، وتريد أيضا أن تربط مصيرها السياسي والوجودي ليس بمصير البلد بل بمصير القوة التي تحميها لتحكم البلد، وهذا أهم وأخطر هدف لها".
وتابع موضحا: "بأن المخرج الديمقراطي يتكرس، وفي أزمة مثل التي تعيشها الجزائر لن تكون هناك آلية لحل الصراع المحتدم والاستقطاب الواضح إلا بالمخرج الديمقراطي، وأساسه الانتخابات التي ستعطي للشعب من يقوده وليس هناك من وصي على الإرادة الشعبية لا من هؤلاء ولا من أولئك".
وأكد أن "الدعم الفرنسي للقوى الخفية التي تقف وراء رفض الانتخابات يشير إلى تمكنها منهم طوال الـ20 سنة الماضية، وسابقاً كانت هناك مناورات في السلطة للتحكم في بعض الملفات لكنها لم تكن متمكنة في مؤسسات البلد إلى أن صار لها مشروع قائم بذاته، والجماعة الرافضة للانتخابات (الجهات الخفية) لا تفاوض من أجل مشروع مجتمع، وكل كلامهم فيه فقط كلمة الديمقراطية، بل هم يفاوضون لتكون الجزائر لهم سلطة وهوية وعلاقات دولية وجغرافيا سياسية.
سيناريوهات متوقعة
وعن السيناريوهات المتوقعة، وفي حال إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها في ظل "هذا المناخ الصعب"، قدم القيادي في حزب "جيل جديد" الجزائري حبيب براهمية تصوراً للسيناريو الذي يلي ذلك الموعد الانتخابي، توقع فيه "استمرار الحراك وخروج المحتجين للمطالبة بالتغيير الجذري للنظام، والرئيس المقبل لن تكون له شرعية في أي إصلاحات أو تغييرات، وسيكون من الواجب عليه العودة إلى الحوار وإلى طاولة التفاوض حتى يمكن الخروج بحل، لكن المؤكد أن الانتخابات الرئاسية لن تعيد الجزائر إلى الشرعية الشعبية، والوضع قد يتأزم أكثر".
أما المحلل السياسي الدكتور محمد طيبي فقد أوضح بأن "الحل هو الارتباط بالمشروع الوطني الذي يجمع كل الجزائريين لعزل ذلك المشروع الذي يعود إلى مدرسة الفكر الاستعماري".
وتوقع إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها "لأنها موعد لإنقاذ الجزائر وليست موعداً انتخابياً فقط" كما قال، وأعطى مقارنة باندلاع الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي في نوفمبر/تشرين الثاني 1954، حيث قال إن "هناك أشخاصاً مستعدين للتضحية من أجل البلد مهما كانت الظروف ومهما كانت مواقعهم".
aXA6IDMuMTQ3LjUxLjc1IA== جزيرة ام اند امز