خبراء عن مناظرة الجزائر الرئاسية: مهمة بتوقيتها.. غير حاسمة بمضمونها
أكاديميون وأخصائيون يقدمون لـ"العين الإخبارية" قراءة في أول مناظرة رئاسية بالجزائر لمرشحي الانتخابات التي ستُجرى الخميس المقبل
شهدت الجزائر، ليلة الجمعة، حدثاً سياسياً غير مسبوق، تمثل في أول مناظرة رئاسية في تاريخ البلاد، جمعت المرشحين الخمسة لانتخابات الرئاسة التي ستُجرى يوم الخميس المقبل.
- مناظرة انتخابية لأول مرة بين مرشحي الرئاسة الجزائرية الجمعة
- أسبوع استثنائي بالجزائر.. محاكمة رموز بوتفليقة وترقب لأول مناظرة رئاسية
وبشعار "الطريق إلى التغيير"، بث التلفزيون الجزائري الحكومي ومختلف القنوات المحلية مباشرة المناظرة التلفزيونية، التي استبقتها السلطة المستقلة للانتخابات بقرعة لتحديد مقاعد جلوس المرشحين وبحضور محضر قضائي.
وجاء في المقعد الأول عبدالعزيز بلعيد رئيس حزب "جبهة المستقبل"، والثاني المرشح المستقل عبدالمجيد تبون، ثم علي بن فليس رئيس حزب "طلائع الحريات" ثالثاً، وعز الدين ميهوبي رئيس حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، أما في المقعد الأخير فقد كان من نصيب المرشح الإخواني عبدالقادر بن قرينة رئيس "حركة البناء".
وفي 14 سؤالا بينها 13 عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتربية والتعليم والصحة والسياسة الخارجية وعلى مدار ساعتين و14 دقيقة، أجاب كل مرشح عما تضمنه برنامجه في كل منها في مدة لا تتجاوز الدقيقتين لكل ملف، وفق قرعة أيضا لترتيب المرشحين حسب الإجابة عن كل سؤال.
تعديل الدستور والمال الفاسد
في الجانب المتعلق بالدستور الجزائري، لم يختلف المرشحون الخمسة حول ضرورة تعديل الدستور الموروث عن عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة بشكل "يكرس مطالب الحراك الشعبي" كما قالوا، واختلفوا في بعض تفاصيل أبرز التعديلات.
وتعهد علي بن فليس بتغيير نمط النظام الجزائري بأن يكون "شبه رئاسي – برلمانيا" يفصل بين مختلف السلطات، ويضمن أيضا استقلالية العدالة والإعلام ويعطي مكانة للمعارضة، مرجعاً أسباب الوضع الحالي إلى ما سمّاه "شخصنة الحكم والمال الفاسد".
كما يضمن مساءلة الحكومة كل أسبوع أمام ممثلي الشعب، بالإضافة إلى تعديل قانوني الأحزاب والانتخابات التي قال إنها ستكون "أولوية رئيسية في سياسته" حال انتخابه، إضافة إلى فصله المال عن السياسة.
واعتبر عبدالمجيد تبون أن تغيير الدستور أولوية في برنامجه الانتخابي أيضا ووصفه بـ"أول لبنة للتغيير"، مرجعاً ذلك إلى "مطالب الجزائريين بالتغيير وإلى احتوائه على ثغرات كبيرة"، مركزاً على أن يكون هناك فصل "حقيقي" بين مؤسسات الدولة وأن تكون الرقابة آلية أساسية "حتى نبتعد عن الحكم الفردي للبلاد" كما قال.
وانتقد المال الفاسد في الحملات الانتخابية، وتعهد بتعديل قانون الانتخاب بشكل يسمح بـ"الوصول إلى منتخبين نزهاء بعيداً عن المال الفاسد"، مرجعاً في السياق أسباب الانزلاقات التي حدثت في البلاد إلى "الحكم الفردي وسيطرة جماعة على الحكم".
كذلك، قدم عز الدين ميهوبي رؤيته للدستور المقبل للبلاد في حال انتخابه، مشيراً إلى أن منصب رئيس الجمهورية لن "يكون مقدساً" ويضمن توازاناً بين السلطات، على أن يكون بتوافق بين الطبقة السياسية على "دستور متين يجنب البلاد الهزات السياسية" وفق تعبيره.
كما أقر بأن الأحزاب باتت "وعاء للمال الفاسد"، الأمر الذي أدى وفق تصريحه إلى "نفور المواطن منها"، معتبراً أن ذلك سبب كافٍ لإعادة بناء بنية المشهد السياسي.
ولم يختلف كثيراً المرشح عبدالعزيز بلعيد عن بقية المرشحين؛ إذ تعهد بفتح حوار وطني شامل يأتي بـ"دستور على مقاس الشعب وليس على مقاس الرئيس وعرضه على استفتاء شعبي"، مع تكريس الاستشارات الشعبية في جميع القضايا الكبرى.
وقدم تصوراً لمشكلة انعدام الثقة بين السلطة والأحزاب من جهة ومع الشعب من جهة أخرى كما قال، وأشار إلى أن الوضع السياسي في بلاده "تعفن بسبب ممارسات الإدارة"، وأن استعادة ثقة المواطن تكون من خلال قانون الأحزاب.
القدرة الشرائية
وفي الجانبين الاقتصادي والاجتماعي في برامج المرشحين، قدم كل مرشح تصوره وتعهداته للناخب الجزائري في المناظرة الرئاسية، والتزم جميعهم بالحفاظ على سياسة "الدعم الاجتماعي" في عدة قطاعات؛ أبرزها التعليم والصحة، مع مغازلة فئة الشباب التي تمثل 60% من تركيبة المجتمع الجزائري.
كما اتفقت إجابات المرشحين على صعوبة الوضع الاقتصادي لبلادهم، وقدموا تصورات عن الحلول التي رأوا فيها حلاً لها، وكشف عبدالمجيد تبون أن 30% من الجزائريين يعيشون في ظروف صعبة، واتفق مع المرشح علي بن فليس على الإبقاء على سياسة الدعم واقتصارها على الفقراء.
أما عز الدين ميهوبي فرأى أن حماية القدرة الشرائية للجزائريين تبدأ من حماية الفئات الفقيرة وإلغاء الضريبة على الأجور التي لا تتعدى 30 ألف دينار جزائري (نحو 160 دولاراً أمريكياً).
بينما وصف المرشح عبدالعزيز بلعيد اقتصاد الجزائر بـ"اقتصاد السوق الذي يسير بتفكير اشتراكي"، وتعهد بالتركيز على الفلاحة والسياحة كبديل عن التبعية لقطاع النفط.
وفي المجال الدبلوماسي، التزم المرشحون الخمسة بمبادئ السياسة الخارجية للجزائر، خاصة فيما تعلق منها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مع فروقات في أولوياتها بين من ركز على العمق الأفريقي للجزائر كأولوية استراتيجية، وبين تعهد بتنشيط الدبلوماسية الاقتصادية، من خلال تغيير طريقة عمل البعثات الدبلوماسية في مختلف دول العالم.
مؤشر على بداية التغيير
وأجمعت ردود الفعل الأولية للمراقبين ولكثير من الجزائريين على أن المناظرة الرئاسية الأولى من نوعها مؤشر على بداية التغيير السياسي في البلاد، رغم النقائص في شكل ومضمون المناظرة.
وأكد أكاديميون وخبراء جزائريون، لـ"العين الإخبارية"، أن المناظرة الرئاسية "بداية لتكريس عهد جديد من الممارسات السياسية وامتحان حقيقي للخطب الشعبوية والواقعية"، التي قالوا إنها "المعيار الحقيقي لمدى اهتمام الناخب بالعملية الانتخابية".
كما أجمعت تصريحاتهم على أن غالبية المرشحين "تمكنوا من وصف المشاكل الحقيقية التي تعانيها الجزائر لكنهم عجزوا عن تقديم حلول واقعية أو ملائمة لها" كما ذكر المحلل السياسي محمد دلومي لـ"العين الإخبارية"، مضيفا أن المناظرة لم تسمح بتحديد المرشحين الأكثر حظاً بالدخول إلى قصر "المرادية" الجمهوري.
خطوة أولى
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية"، أعطى الأكاديمي الدكتور حسين قادري قراءة تحليلية لأول مناظرة رئاسية في البلاد، مشيراً إلى أنها "من بين المؤشرات على التحول الديمقراطي من الناحية المبدئية، والمتحكمون في زمام الأمور في الجزائر يريدون أن يبادروا بما يؤسس إلى الانفتاح وإقناع المواطن بالمشاركة في العملية الانتخابية، وبالتالي فإن المناظرة هي خطوة أولى بنية حسنة في مسار هذه النيات، وبالنظر إلى توقيتها وإلى عدم التجربة يمكن القول إنها كانت إلى حد بعيد مفيدة لتأسيس ملامح وضع جديد".
وعن مستوى المناظرة بين المرشحين الخمسة، قال المحلل السياسي إنه "لا بد من تقدير ظرفهم لأنها أول تجربة ولم يتعود الجزائريون ولا المرشحون عليها، إضافة إلى التوزيع الزمني للإجابات وطريقة توزيع المرشحين لا يعطي ذلك التحرر الكبير الذي يكون فيه المرشح حراً كما يكون أمام مؤيديه، لكنه وقف أمام المتعاطف وغير المتعاطف، وأمام منافس حذر على تكرار بعض الأفكار التي يمكن للمنافس أن يتبناها".
وتابع موضحاً: "الارتباك الذي ظهر على المرشحين والتسرع في بعض الإجابات هو أمر طبيعي، لأن المناظرة تعتمد على المرشح الأكثر قدرة على إعطاء الفكرة وإيصالها في وقت محدد، ولن يكون ذلك إلا لمن يؤمن ببرنامجه وبفكرته".
تقارب بين المرشحين
ومن بين الملاحظات التي قدمها المحلل السياسي عن ردود المرشحين في المناظرة الرئاسية، ما قال إنه "تقارب بين المرشحين في جميع المواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا نجد أي مرشح يعطينا أفكارا وبرامج محددة في قطاع ما في وقت قصير، بل تغلب عليها وعود".
وأرجع ذلك إلى أن "جميع المرشحين يفتقدون المعطيات الحقيقية للاقتصاد والسياسة والساحة الاجتماعية، وهذه هي مصيبة البرامج الانتخابية في الجزائر، ولذلك تجد الجميع يعتقد أنه سينطلق من الصفر، وعليه ألا يعطي حقيقة تلامس الواقع بل يعطي وعودا، وفي رأيي أن أكبر وعد في المناظرة ما ذكره عبدالمجيد تبون عندما طمأن الجزائريين باسترجاع الأموال المنهوبة، لأن الجمهور الجزائري مختلف عن الأوروبي، بينما كان بقية المرشحين أكثر واقعية".
كما أشار أستاذ الفلسفة السياسية الدكتور عبدالرحمن بن شريط، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى "غياب الخلفيات الأيديولوجية في خطاب المرشحين، والفرق بينهم في طريقة تشخيص المشاكل وفي إعطاء الأولويات لهذه المشاكل".
العجز عن الإقناع
وبصفة عامة، أوضح الدكتور قادري أن المناظرة "تزيد في سمعة الجزائر وفي مصداقية الانتخابات، وهي تجربة أولى في مسار المناظرات الذي يجب أن يستمر في السياسة الجزائرية، كما لم نجد التجريح أو الانتقاد، والتزم المرشحون بما وقعوا عليه في ميثاق أخلاقيات الحملة".
وعن مدى قدرة المرشحين على إقناع الناخبين من خلال المناظرة الرئاسية، ذكر الأكاديمي الجزائري أنها لم "تؤدِ الغرض المرجو منها بالنظر إلى الكم المتقطع للمناظرة، وميثاق أخلاقيات الحملة الذي منع المرشحين من انتقاد بعضهم، والتي يجب أن تكون فيها إمكانية الرد على الخصم، رغم أن فتح مجال النقاش قد يؤدي إلى تأثير عكسي عند الجمهور الذي قد يرى فيها تخاصماً بينهم وليس نقاش أفكار".
وفي اعتقاده، فإن المناظرة "لم تتمكن من تحديد المرشحين الأكثر حظاً بحسم الانتخابات، لأن كل واحد استعرض فكرته دون أي نقاش، لكنها مجرد بداية مهمة تسمح للشعب بسماع أفكار أشخاص في مكان ووقت واحد، وما زالت الجزائر بعيدة عن معايير المناظرات العالمية".
أما الأكاديمي الدكتور عبدالرحمن بن شريط فيرى أن تأثير المناظرة يتوقف على الناخب ذاته، لأن السؤال الذي يجب أن يطرح هو: هل ستؤثر المناظرة في اختيار الناخب؟ أم أن موقفه محسوم قبل المناظرة؟".
وتابع أن "هذه المناظرة تجري للمرة الأولى، والناخب لم يكن ينتظرها حتى يحسم خياره، وفي المواعيد المقبلة سيتروى في اختياره حتى يستمع إلى المناظرة، وأعتقد أن حسم الجزائري موقفه لم يكن مناقضاً كثيراً قبل المناظرة".
كما أشار إلى أن طبيعة المناظرة "ساعدت بشكل كبير على تنبيه المرشحين إلى نقاط لم يكن الرد عليها في إطار جدلي، وتم إطلاعهم بشكل مسبق على طبيعة الأسئلة، لذلك كانت لكل واحد منهم قراءته المختلفة، وما يدل على ذلك الفصاحة والتحكم في اللغة".
وأضاف أن "بعضهم استفاد من فصاحته وبعضهم بقي حبيس أسلوب المهرجانات الشعبية، وهناك من ظهر بقدرة إقناع لا يستهان بها".
aXA6IDE4LjIyNy43Mi4yNCA= جزيرة ام اند امز