"مصالحة الذاكرة".. حراك جزائري فرنسي لطي أزمة من 6 عقود
أعلنت الجزائر وفرنسا اعتزامهما "طي أول ملف من صندوق الذاكرة" في سابقة هي الأولى من نوعها بتاريخ العلاقات بين البلدين.
ويتعلق الملف استعادة ما تبقى من جماجم شهداء المقاومات الشعبية والثورة التحريرية ضد الاحتلال الفرنسي من 1830 إلى 1962، والتي يبلغ عددها 13 جمجمة ورفات، أول خطوة في هذا الحراك لحلحلة الأزمة القائمة بين الدولتين.
وكشفت اللجنة العلمية الجزائرية المكلفة بملف "دراسة وتحديد هوية رفات الشهداء" عن عقد لقاء مع نظرائهم الفرنسيين بباريس في 7 يونيو/حزيران المقبل كمرحلة أولى، يعقبها اجتماع ثانٍ خلال الشهر ذاته كـ"مرحلة ثانية وأخيرة" لاسترجاع الجماجم.
وفي تصريحات إعلامية، أوضح رشيد بلحاج، رئيس اللجنة الجزائرية، أن "مرحلة استرجاع الجماجم من فرنسا تسير بشكل جيد لكنها ليست بالأمر السهل"، متوقعاً أن يتم الانتهاء من هذا الملف الشائك قبل يوليو/تموز المقبل، ليكون بذلك "اختراقاً غير مسبوق في الجمود الذي طبع علاقات مستعمِر الأمس بمستعمرته السابقة طوال 6 عقود كاملة" بحسب مراقبين.
ويشغل البروفيسور رشيد بلحاج أيضا منصبي رئيس مصلحة الطب الشرعي بمستشفى مصطفى باشا الجامعي بالجزائر العاصمة، ورئيس النقابة الجزائرية للأطباء الجامعيين.
وكشف عن أن مهمته تتعلق بـ"عملية التحليل والتعرف على جماجم شهداء الجزائر"، لافتاً إلى أن الوفد الجزائري سيزور في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، متحف "الطبيعة والإنسان" بباريس.
وتعهد بلحاج "بطي الملف في أقرب وقت بشكل كامل".
وقال إنه "تم تشكيل لجنة مشتركة بين البلدين لتسوية ملف جماجم شهداء الجزائر الذي نهبتهم قوات الاحتلال الفرنسي غداة استقلال الجزائر عام 1962 ونقلتهم إلى باريس لعرضهم في المتحف".
وفي يوليو/تموز 2020، أعلنت الجزائر استرجاعها 24 من رفات من شهداء المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي من أصل 37 لدفنها بـ"شكل يليق بشهداء الجزائر".
و أقامت سلطات الجزائرية لرفات الشهداء استقبالاً كبيرا بحرس الشرف والطائرات، التي قادتها مقاتلات حربية رافقت الطائرة العسكرية التي نقلت رفاتهم من باريس إلى أن حطت بمطار "هواري بومدين" الدولي بالجزائر العاصمة.
واستقبلت تلك الرفات على بساط أحمر وبالحرس الجمهوري، و58 طلقة مدفعية، وبحضور كبار المسؤولين الجزائريين.
وشاركت في مراسم الاستقبال أيضا، السفن الحربية الجزائرية بصافراتها التي دوت سماء العاصمة، وإنزال جوي للمظليين المغاوير حاملين رايات بالألوان الثلاثة لعلم الجزائر، قبل أن يتم تشييعهم في مقبرة "العالية" المخصصة لكبار الشخصيات السياسية والتاريخية وفق برتوكول عسكري.
وبحسب الدراسات التاريخية في البلدين، فإن من استرجعتهم الجزائر كانوا "شهداء من نوع خاص"، فقد قطعت فرنسا رؤوسهم "وهم أحياء" انتقاماً منهم على الخسائر التي كبدوها لجيشها.
وسيكون استعادة ما تبقى من رفات وجماجم شهداء الجزائر من متحف "الإنسان" أول ملف شائك يطويه البلدان في ملف الذاكرة المزمن الذي ظل لنحو 6 عقود أكبر الملفات التي أججت العلاقات بين الجزائر وباريس، وهي الخطوة التي أجمع المتابعون في البلدين على وصفها بـ"المعجزة المرتقبة" في علاقات البلدين.
ومع ذلك، يبقى أمام البلدان – بحسب المراقبين – في "صندوق الذاكرة" أكثر المواضيع المزمنة والمعقدة في طريق "التطبيع الكامل" للعلاقات بينهما، أبرزها مطلب الجزائر باعتذار فرنسا عن جرائمها وتقديم خرائط التجارب النووية وتعويض ضحاياها، واستعادة الأرشيف المنهوب.