أسبوع دبلوماسي بالجزائر.. صفعة من جوار ليبيا لأطماع أردوغان
اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي ومشاركة تبون في مؤتمر برلين.. هكذا طغت الأجندات الدبلوماسية على أسبوع الجزائر.
شهد الأسبوع المنقضي عودة قوية للدبلوماسية الجزائرية على الساحتين الإقليمية والدولية، فرضتها التطورات المتلاحقة في الجارة الشرقية ليبيا التي تربطها حدود تقارب الألف كيلومتر مع الجزائر.
- حوار مع المعارضة وتجريم للكراهية.. أسبوع "رئاسي" بامتياز في الجزائر
- أسبوع الجزائر.. حراك دبلوماسي حول ليبيا وخطوات لتغيير دستور بوتفليقة
وسجلت العاصمة الجزائر "هزة دبلوماسية قوية من دول الجوار على سلم الأزمة الليبية شعر بها النظام التركي"، زحزحت وحاصرت دور أردوغان المشبوه في البلد العربي والأفريقي المهم عشية زيارته للجزائر، ليضع الجيران الـ6 بمن فيهم السابع (مالي) كل ثقلهم لإيجاد مخرج سلمي لأزمة عقد من الزمن، بعد أن استضافت الجزائر العاصمة لأكبر اجتماع لدول الجوار الليبي.
وبالتوازي مع ذلك، سجل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أول ظهور له مع الإعلام المحلي منذ تنصيبه بعد أول زيارة خارجية له إلى برلين، كشف فيه عن "خطوات التغيير" التي ينوي القيام بها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
وربط تبون في الوقت ذاته انتقال البلاد إلى "التغيير المطلوب" بـ"دستور توافقي شامل" يكون القاعدة الأساسية والصلبة لامتصاص "صدمات المستقبل".
بداية سقوط الجدار التركي في ليبيا
عاشت الجزائر على مدار أسبوع كامل حراكاً دبلوماسياً غير مسبوق لبحث تداعيات الأزمة الليبية التي "تفاقمت جراء التدخلات الأجنبية"، وهي الجملة التي يبدو واضحاً أنها حركت الآلة الدبلوماسية الجزائرية قبل أن تنفجر المنطقة بحرب يبدأ لهيبها من ليبيا، وينتهي رمادها عند جيرانها.
فلا صوت يعلو في أروقة الدبلوماسية الجزائرية إلا صوت الأزمة الليبية، التي جعلت من ألمانيا أول محطة خارجية لرئيس الجزائر عبدالمجيد تبون منذ انتخابه ديسمبر/كانون الماضي، لحضور مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا بمشاركة 12 دولة وأربع منظمات دولية وإقليمية.
كما أجبرت الأزمة ذاتها الجزائر وباريس على الالتقاء مجدداً ووضع الخلافات الثنائية بينهما جانباً لتكثيف التنسيق بهدف وقف الحرب في ليبيا ومكافحة الإرهاب في الساحل عقب زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
ثم جاء أكبر اجتماع لوزراء خارجية دول الجوار الليبي الذي احتضنته الجزائر العاصمة الخميس الماضي، وجمع الدول الـ6 المجاورة لليبيا وهي: الجزائر، مصر، تونس، السودان، تشاد، النيجر، ومالي بالإضافة إلى وزير الخارجية الألماني.
واتفق المجتمعون خلال اللقاء على 5 مبادئ أساسية تدعم مخرجات مؤتمر برلين أبرزها رفض التدخل الخارجي وحظر توريد الأسلحة.
بالإضافة إلى "إجبارية" احترام وحدة وسيادة الأراضي الليبية، وإشراك دول الجوار والاتحاد الأفريقي في الجهود الدولية لحل الأزمة، وإعادة تفعيل التنسيق بين دول الجوار، ورفض التدخلات الخارجية.
تحرك الجزائر الذي قال عنه وزير الخارجية صبري بوقادوم إنه "ليس انفرادياً" بل مع دول الجوار والدول الفاعلة، تمخض عنه أيضا موافقة غالبية الفرقاء الليبيين على الوساطة الجزائرية التي اقترحها تبون في مؤتمر برلين، على رأسهم القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ومعظم قبائل الجنوب الليبي، وما يعرف بـ"حكومة الوفاق".
وبعد أن حاول النظام التركي فرض واقعه وأجندته المفضوحة في ليبيا على دول المنطقة، جاء تحرك الدبلوماسيتين الجزائرية والمصرية بما لا تشتهيه سفينة أردوغان المحملة بالأسلحة والمرتزقة والإرهابيين والأطماع.
وتمكنت القوتان الإقليميتان القاهرة والجزائر في وقت قياسي مقارنة بـ"عمر الأزمة الليبية والتدخلات التركية" من بعثرة أوراق أجندة أردوغان تمهيداً لإخراج ليبيا من حسابات "إعادة الإمبراطورية المزعومة".
ويجمع المتابعون للملف الليبي على أن مشاركة مصر والجزائر في مؤتمر برلين ثم في اجتماع دول الجوار، وقبلها تكثيفهما التنسيق مع الدول الفاعلة، كان الضربة الأولى لكسر النفوذ التركي في ليبيا خاصة بعد أن قرر أردوغان إرسال جنود ومرتزقة وإرهابيين من داعش إلى الأراضي الليبية.
وإن نجح البلدان في تأمين حدودهما الشاسعة مع ليبيا أكثر من بقية دول الجوار، إلا أن خطر التنظيمات الإرهابية المنتشرة في الأراضي الليبية لا تزال تهدد الجزائر ومصر والمنطقة برمتها.
خاصة بعد ترحيل تركيا لعناصر من تنظيم داعش الإرهابي في سوريا إلى ليبيا، يضاف له تموقع البلدين بين دول غالبيتها هشة أمنياً كما يذكر الخبراء الأمنيون، وهو ما يزيد من مخاوف انفلات الأوضاع في المنطقة.
تحييد الدور التركي
وأسهم التحرك الإقليمي والدولي لحل الأزمة الليبية وفق المراقبين، في تحييد التغول التركي في محاولة لتكرار السيناريو السوري في المنطقة، وهو الذي تعوّد، بحسب العارفين بهذا النظام، على "الاصطياد في الأزمات العكرة" خاصة تلك التي يوجد بها العرب.
أردوغان أو كما يصفه كثير من الجزائريين بـ"رأس المهمات الإخوانية القذرة"، وجد نفسه محاصراً في ليبيا، بأقوال تحولت إلى أفعال من دول الجوار والقوى الكبرى، بعد أن وجهت له رسائل صارمة من برلين والجزائر.
وسبق لخبراء ومحللين سياسيين أن توقعوا نجاح الجهود الدبلوماسية الجزائرية من خلال المبادرات المكثفة التي وعدت بها، في تحييد التدخل التركي بليبيا.
وعزا الخبراء توقعاتهم إلى معرفة الجزائر بحقيقة الوضع في جارتها الشرقية، بعد سنوات من الغياب عن المشهد الذي أفسح المجال أمام أردوغان لاستغلال اهتمام الجزائر بأوضاعها الداخلية، حتى وجدته على مشارف حدودها، بعد أن فشل مخططه في الجزائر الذي كشفته الأجهزة الأمنية منذ نهاية العام الماضي.
وهو المخطط الذي كان ينتظر ساعة الصفر مع اندلاع احتجاجات شعبية على ترشح بوتفليقة لـ"تحريك مليشيات مسلحة" قاعدة عملياتها في إسطنبول، يقودها جزائريون ومن جنسيات أخرى ينتمون للتنظيم العالمي الإرهابي للإخوان.
"الإجباريات الثلاث"
وكان واضحاً من إصرار مؤتمر برلين ودول الجوار الليبي على "الإجباريات الثلاث" وهي "حظر توريد الأسلحة، وسيادة ووحدة ليبيا، ورفض التدخل الأجنبي" بأنها موجهة للطرف الوحيد الذي أسهم في تمديد عمر الأزمة الليبية وهو النظام التركي، بعد أن قرر دعم مليشيات السراج الإرهابية في ليبيا بكل أنواع الدعم السياسي والعسكري واللوجستي.
وذكر خبراء جزائريون لـ"العين الإخبارية" بأن التدخل التركي في الأزمة الليبية كان له الأثر العكسي في حسابات نظام أردوغان، وأسهم بشكل جلي في امتصاص التباينات في مواقف كثير من الدول حيال الوضع في ليبيا خاصة المجاورة لها.
وزادت التحركات الإقليمية والدولية التي قادتها الجزائر ومصر ومعهما روسيا ودول أخرى فاعلة في عزل التدخلات الخارجية في الأزمة الليبية على رأسها التركي، ولم يعد أمامه أي مبرر أمام المجتمع الدولي واستعادة دول الجوار زمام المبادرة، وتقلصت خيارته إلى الإقرار بأن "كتف ليبيا عصية على النهش بوجود القوتين الشرقية مصر والغربية الجزائر".
رسالتان لأردوغان وواحدة للسراج
وأجمع مراقبون على أن لاستضافة الجزائر لأكبر اجتماع لوزراء خارجية دول الجوار الليبي دلالات تمثلت في رسائل دبلوماسية مشفرة بعثت بها الجزائر إلى كل من أنقرة والسراج.
حيث كان لافتاً تأكيد الجزائر موقفها من رفض التدخلات العسكرية الأجنبية خاصة عندما وصفته بـ"التدخلات غير الشرعية التي ساهمت في تفاقم الأزمة الليبية"؛ إذ كانت الرسالة الأولى لأردوغان عشية زيارته للجزائر الأحد المقبل، على أنه "موقف غير قابل للنقاش أو التفاوض أو المساومة"، ورفض جزائري مبطن واستباقي لطلب تركي بدعم غزوها لليبيا، حتى ولو بـ"الصمت"، فجهرت الجزائر بموقفها الرافض للتواجد التركي.
أما الرسالة الثانية التي تؤكد بأن البساط الأحمر الذي سيفرش لأردوغان يوم زيارته للجزائر، لن يكون إلا خطًّا أحمر لا يمكنه تجاوزه وهو الانتماء العربي والأفريقي لليبيا من خلال دعوة الجزائر دول المنطقة والقارة السمراء لاستعادة دورها في حل الأزمة "بعيداً عن المصالح الضيقة للدول الأخرى".
وهو ما يعني -بحسب المتابعين- أن الجزائر التي جمعت دول جوار ليبيا وشاركت في مؤتمر برلين ستستقبل أردوغان بموقف واضح رافض للدور والتواجد التركي في المنطقة بسند إقليمي ودولي.
كما أظهر التحرك الجزائري الأخير ما يشبه "التغير في موقفها" مما يعرف بـ"حكومة الوفاق" الليبية التي حاول رئيسها فايز السراج التشويش على اجتماع دول الجوار بزعم رفضه المشاركة لدعوة وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة.
حيث سارعت الجزائر إلى تكذيبه مرتين، مؤكدة بأنها لم تدع أي طرف في الأزمة الليبية، قبل أن يكشف وزير الخارجية الجزائري عن اتفاق الدول المجاورة على ضرورة الوصول إلى "شرعية للسلطات الليبية تحظى بموافقة جميع الليبيين".
وقرأ متابعون تصريحات بوقادوم على أنها بداية في تغير الموقف الجزائري من حكومة السراج، التي كانت تعتبرها "ممثلاً للشعب الليبي"، واعتراف واضح منها على أنها باتت "حكومة لتفريق الليبيين"، ولم تعد معها تحكم على تفاصيل الواقع الليبي بـ"عين واحدة".