مجزرة ساقية يوسف.. حين امتزج دم شهداء تونس والجزائر
الجزائر ترسل فاقلة تضامنية من 11 طنا من المساعدات لتونس بمناسبة ذكرى امتزاج الدمين التونسي والجزائري خلال الثورة التحريرية سنة 1958.
احتفلت، الاثنين، الجزائر وتونس بمرور الذكرى الـ63 لأحداث ساقية يوسف التي شهدت مجزرة بشعة نفذها الاحتلال الفرنسي، شكلت منذ ذلك التاريخ ملحمة فريدة في امتزاج دماء شهداء بلدين عربيين ناضلا من الاستقلال.
وللعام الثاني على التوالي، غابت الاحتفالات الرسمية المشتركة بين تونس والجزائر والتي تقام سنوياً بمدينة ساقية سيدي يوسف التونسية، بسبب جائحة كورونا، والإجراءات الاحترازية التي يفرضها البلدان لمنع تفشي فيروس كورونا.
- بعد فشل اغتياله.. رئيس الجزائر يطمئن على صحة نظيره التونسي
- الجزائر تتقاسم حصتها من لقاح كورونا مع تونس
ولم يمنع ذلك المسؤولين في تونس والجزائر من تنظيم احتفالات تخلد للذكرى التي تؤرخ لدعم الشعب التونسي للثورة التحريرية الجزائرية (1954 – 1962) والتي تعد "عيدا وطنياً مشتركاً" بين البلدين العربيين والمغاربيين.
عربون عرفان
وتقرر أن تكون لذكرى مجزرة سيدي يوسف هذا العام أن يعاد لها بعدها الإنساني بين بلدين عربيين جارين ناضلا سوياً من أجل نيل كل بلد استقلاله عن الاحتلال الفرنسي.
وأرسلت الجزائر 11 طناً من المساعدات الطبية إلى منطقة "ساقية سيدي يوسف" تتضمن معدات ومستلزمات مكافحة فيروس كورونا بأمر من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وفق ما أعلنت عنه وزارة الصحة الجزائرية.
وتضمنت القافلة المحملة أدوية ومستلزمات طبية من كمامات ومعقمات انطلقت برا من العاصمة الجزائرية ودخلت عبر العبر الحدودي المشترك بين تونس والجزائر في جهة مدينة "ساقية سيدي يوسف".
وأكد عبد القادر سايح الأمين العام لوزارة الصحة الجزائرية في تصريحات صحفية بأن القافلة التضامنية "لا تمثل إلا اعترافاً بالجميل للأشقاء التونسيين لأحداث ساقية سيدي يوسف في ذكراها الـ63".
وتبادل الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والتونسي قيس سعيد برقيات التهنئة بمناسبة الذكرى الـ63 لأحداث "ساقية سيدي يوسف"، مؤكدين على أنها تبقى ذكرى لـ"الدفاع عن قيم الحرية والكرامة".
وشدد الرئيس قيس سعيد في برقيته التي نشرتها الرئاسة التونسية واطلعت "العين الإخبارية" على تفاصيلها بأن ذكرى ساقية سيدي يوسف "ستظل مناسبة متجددة للتذكير بما يجمع البلدين من روابط الأخوة الصادقة، وصفحة مشرقة في التاريخ النضالي المشترك التونسي الجزائري، نستلهم منها قيم التضحية والتضامن والتآزر والتكامل وفاء للشهداء وحرصا على بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة".
ولم تمنع جائحة كورونا من استذكار واستحضار الملحمة التاريخية بين البلدين، حيث وضعت عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري الحر في تونس إكليلاً من الزهور على أضرحة شهداء القصف الدموي الذي نفذه الطيران الحربي لجيش الاحتلال الفرنسي ببلدة "ساقية سيدي يوسف"، انتقاماً من دعم أهل البلدة للثورة الجزائرية.
وفي الجزائر، أكد الأمين العام لوزارة المجاهدين (قدماء المحاربين) العيد ربيقة أن أحداث ساقية سيدي يوسف تمثل "محطة تاريخية هامة لإبراز تلاحم وتضامن ووحدة الشعبين الجزائري والتونسي".
وعلى هامش احتفالات رسمية ببلدية "لحدادة" في ولاية سوق أهراس الحدودية مع المدينة التونسية "ساقية سيدي يوسف" شدد المسؤول الجزائري على أن هذه الذكرى الأليمة شكلت فرصة للشعبين التونسي والجزائري "للتمسك بمنظومة القيم المشتركة بينهما والنضال الموحد في سبيل استرجاع السيادة الوطنية".
الجريمة الحية
"ساقية سيدي يوسف" بلدة سياحية جبلية تونسية تابعة لولاية الكاف على الحدود مع الجزائر، تقع في الشمال الغربي من الجمهورية التونسية وتبعد عن العاصمة بنحو 290 كيلومترا.
هي ليست بلدة صغيرة أو منطقة سياحية فقط، بل كانت وبقيت شاهدا على همجية أعتى قوة استعمارية في القرن العشرين، وعلى المصير المشترك لشعبين عربيين ومغاربيين، وملحمة فريدة لم تتكرر في امتزاج دماء الشعبين التونسي والجزائري.
هذا ما يرويه التاريخ، وتؤكده الحقائق والشهادات الحية عن واحدة من أبشع المجازر التي نفذها الاحتلال الفرنسي ضد الشعبين التونسي والجزائري ذات الـ8 فبراير/شباط سنة 1958، خلفت استشهاد نحو 100 شخصاً بينهم 20 طفلاً و11 امرأة، وإصابة 130 بجروح.
"ساقية سيدي يوسف" رغم صغر مساحتها، إلا أن تحتفظ بإرث تاريخي يتعدى الحدود الجغرافية للبلدين الجارين تونس والجزائر، عندما قام الاحتلال الفرنسي بـ"عملية عسكرية انتقامية" ضد التونسيين على دعمهم للثورة التحريرية الجزائرية، نفذتها طائرات "بي- 26" و"ميسترال".
حاول الاحتلال الفرنسي إبادة سكان البلدة التونسية عن بكرة أبيها، بعد أن تعقب الثوار الجزائريين، الذين كانوا يحصلون على دعم قوي وكبير من الشعب التونسي خصوصاً في جمع المؤن.
حتى إن اختيار الاحتلال الفرنسي تاريخ 8 فبراير/شباط لم يكن صدفة، بل كان مدروساً وخبيثاً، وهو التاريخ الذي يتزامن مع السوق الأسبوعي في بلدة "ساقية سيدي يوسف" التونسية، ليضمن قتل أكبر قدر ممكن من التونسيين والجزائريين الذين كانوا ينتقلون للبلدة التونسية.
وأحدث القصف الفرنسي للبلدة التونسية صدمة عالمية واستنكارا دولياً، صنفت خلالها جريمة حرب وواحدة من "وصمات العار" التي كتبها الاحتلال الفرنسي في تاريخها الإجرامي الكبير في منطقة المغرب العربي.
ومنذ ذلك التاريخ، تحولت بلدة "ساقية سيدي يوسف" إلى "البلد المشترك" أو "أرض الأخوة" بين الجزائريين التونسيين كما يصفها أهل هذين البلدين العربيين، التي تحكي قصص كفاح وتضحية تونسية جزائرية مشتركة، وجريمة ضد الإنسانية بقيت آثارها مدفونة تحت وفوق أرض "ساقية سيدي يوسف".