خبراء: دبلوماسية الجزائر وتونس تفسد أجندة أردوغان في ليبيا
خبراء جزائريون يعددون أهمية زيارة الرئيس التونسي للجزائر في هذا التوقيت خاصة فيما يتعلق بحل الأزمة الليبية سلميا.
أكد خبراء ومحللون سياسيون جزائريون لـ"العين الإخبارية" أهمية زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد للجزائر في توحيد جهود دول الجوار الليبي لإيجاد مخرج للأزمة الليبية التي دخلت عامها الـ9.
منطلق الجزائر وتونس لحل الأزمة الليبية، حسب الخبراء، يرتكز على رفض التدخلات العسكرية الأجنبية، ودعم الحل السياسي في هذا البلد العربي والأفريقي.
- توافق جزائري تونسي على رفض أي تدخل أجنبي بليبيا
- قمة تونسية جزائرية الأحد لبحث الأزمة الليبية و"صفقة القرن"
كما أوضح الخبراء أن ضمن جملة المعطيات التي يرتكز عليها الدوران الجزائري والتونسي لحل أزمة جارتيهما المشتركة ليبيا، موقفهما المشترك الصارم والرافض للانسياق وراء الأجندة التركية المشبوهة وهو ما خلط حسابات أردوغان، خاصة في ظل تصاعد حدة التهديدات الأمنية التي بات يواجهها البلدان أكثر من أي وقت سابق.
خاصة مع ما ذكره الخبراء أن دول الجوار الليبي بينها الجزائر وتونس من أكثر المستهدفين من زج النظام التركي الآلاف من المرتزقة القادمين من سوريا وأفريقيا وإرهابيي داعش، مشددين على أن ذلك "يزيد من استنزاف القدرات الأمنية والعسكرية للبلدين".
وترتبط الجزائر وتونس بحدود مشتركة مع ليبيا، حيث يبلغ طول الحدود التونسية الليبية 459 كيلومتراً والجزائرية الليبية 982 كيلومتراً، بينما يعتبر الخبراء الأمنيون أن المثلث الحدودي المشترك بين البلدان الثلاث المسمى "غدامس" يعد الأخطر والذي يوصف بـ"مثلث الموت".
وهو المثلث الذي تحول منذ سقوط نظام القذافي سنة 2011 إلى ممر لتهريب الأسلحة الحربية والمخدرات والإرهابيين.
ووصل الرئيس التونسي، صباح الأحد، إلى الجزائر وأجرى محادثات على انفراد وبين وفدي البلدين مع نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون.
وكشفت الرئاستان التونسية والجزائرية عن أجندة الزيارة الأولى للرئيس التونسي إلى الجزائر، والتي تندرج أيضا في إطار تنفيذ تعهد التزم به غداة أدائه اليمين الدستورية في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتصدرت الأزمة الليبية المباحثات بين الرئيسين التونسي والجزائري بالإضافة إلى آخر التطورات في فلسطين المحتلة على خلفية ما يعرف إعلامياً بـ"صفقة القرن"، وكذا التنسيق الأمني المشترك.
وتتفق الجزائر وتونس على رفض التدخلات العسكرية الأجنبية بالمنطقة عامة وليبيا تحديداً، وتبنتا موقفاً مشتركاً رافضاً للتواجد العسكري التركي في ليبيا.
كما أبلغتا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفضهما القاطع أن تكون ضمن ما يعرف بـ"التحالف مع تركيا في ليبيا" أو تسمح بأن تكون ممراً لمرتزقته، الأمر الذي زاد من عزلة النظام التركي إقليمياً ودولياً.
وتوقع الخبراء تكثيف التنسيق الأمني والعسكري بين الجزائر وتونس، خاصة وأن الحدود المشتركة شهدت في السنوات الأخيرة نشاطاً إرهابياً لتنظيمات مسلحة تتبع تنظيم القاعدة الإرهابي، مع اتخاذ إجراءات استثنائية واستباقية على الحدود بين البلدين لمنع تقدم تنظيم داعش الإرهابي الذي وجد في ليبيا ومنطقة الساحل "بؤرة خصبة" لنشاطاته الإجرامية.
آمال اقتصادية كبيرة
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية" قدم المحلل السياسي والأكاديمي الدكتور حسين قادري قراءة تفصيلية لأهمية زيارة الرئيس التونسي للجزائر في هذا التوقيت الذي يميزه تدهور الوضع الأمني في ليبيا وتأثيره الكبير على البلدين.
وأوضح أن زيارة قيس سعيد للجزائر ترتكز على محورين: "الأول يتعلق بالعلاقات الثنائية، والتي تدخل في سياق الوعود الانتخابية التي قدمها كل رئيس في بلاده، حيث حظيت الجزائر بأهمية في البرنامج الانتخابي لقيس سعيد، كما أعطى تبون وعوداً انتخابية كثيرة لإعطاء الأهمية للتعاون المغاربي".
وأضاف أن "تطوير هذه العلاقات التاريخية التي لم تأخذ للأسف قسطها الكامل في العهدات السابقة، وأعتقد أنه آن الأوان لتتطور العلاقات بين الجزائر وتونس اللتين تربطهما حدود كبيرة تشهد تدفقاً كبيراً للسياح والبضائع".
وتوقع الأكاديمي الجزائري أن تنبثق عن المباحثات بين الرئيسين قيس سعيد وعبدالمجيد تبون في الملفات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية "لجان مشتركة لتفعيل هذا التعاون، خاصة مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس، التي تعلق آمالاً كبيرة على الجزائر في هذا الشأن".
كما أشار أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور لزهر ماروك في تصريح لـ"العين الإخبارية" إلى أن زيارة الرئيس التونسي للجزائر "تكتسي أهمية كبيرة ودلالات عميقة، خاصة وأنها أول زيارة خارجية رسمية لقيس سعيد، كما تأتي في ظل التغير الذي شهده البلدان بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في البلدين، وستشهد المرحلة المقبلة تطوراً في التعاون الثنائي سواء في المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية".
تحديات إقليمية مشتركة
الدكتور حسين قادري تطرق أيضا للتحديات الإقليمية المشتركة بين البلدين على رأسها الأزمة الليبية، وأشار إلى "أن ليبيا تقع على الحدود المشتركة بين الجزائر وتونس، ولعل أكثر البلدان تأثراً بالوضع الليبي هما تونس والجزائر".
وأشار في المقابل إلى أن تونس تتأثر أكثر بالوضع الليبي أكثر من الجزائر، مرجعاً ذلك إلى "الإمكانيات الأمنية الأقل من الجزائر، لكن لا يمكننا القول أو الحكم بأن أي بلد سيكون بمعزل عن المخاطر التي تأتي من الأزمة الليبية على دول الجوار، وهذا ما يضع البلدين أمام حتمية التعاون الأمني والعسكري والاستخباراتي وتبادل المعلومات، والتنسيق مع بقية الدول الفاعلة في الأزمة الليبية".
وأكد أن "الجزائر وتونس تلتقيان عن موقف موحد، وهو أنهما تسعيان لحل سلمي ليبي ليبي خالص، ومن ثم فهما ترفضان أي تدخل خارجي عسكري بأجندات مشبوهة، الهدف منها زيادة تعقيد الوضع في ليبيا، بإدخال مجموعات مسلحة إرهابية أسلحة متنوعة".
وتابع قائلاً: "إن هذا الوضع سيدخل المنطقة في سباق تسلح، ذلك أن دول الجوار ستجد نفسها مجبرة على اقتناء أسلحة مضادة للأسلحة التي دخلت إلى ليبيا وتمتلكها الجماعات الإرهابية، وهو ما يعني استنزاف لقدرات وإمكانيات البلدين الاقتصادية والعسكرية، وهما في مرحلة تتطلب توفير تنمية اقتصادية واجتماعية، والاهتمام بالشأن الداخلي".
وشدد الأكاديمي الجزائري على أن "الجزائر تونس نجدهما يرفضان بشكل قاطع كل النداءات التي تتجه إلى الحلول العسكرية والأمنية في ليبيا مثل الموقف التركي، وبقدر ما نجد التحديات الأمنية كبيرة، فإن تونس والجزائر أمام ضرورة تنسيق المواقف في جميع ما يتعلق بالملف الليبي لمساعدة الفرقاء لإيجاد حلول سلمية، أو على الأقل عدم التصعيد العسكري، لأن له تداعيات أمنية، كما تصاعد الاقتتال في ليبيا قد يؤدي إلى هجرة جماعية من ليبيا إلى تونس هرباً من القتل والدمار".
مضيفاً أن "هذه الزيارة تشكل فرصة تنصيب لجان أمنية وعسكرية على الحدود لتبادل المعلومات وللتنسيق خاصة وأن ليبيا قريبة من السواحل التونسية، في وقت تواجه الجزائر تحديات برية فقط مع ليبيا، لكن لتونس تحديات برية وبحرية مع ليبيا، ولا أستبعد أن تطلب تونس مساعدات من الجزائر لوجستية وتقنية لمساعدتها للتغلب على بعض المخاطر التي تواجهها لحماية حدودها البحرية والبرية".
وعما يمكن أن يقدمه التنسيق الجزائري التونسي لحل الأزمة الليبية، أوضح المحلل السياسي الدكتور حسين قادري أن "المشكل في ليبيا هو أن ما زاد في انقسام الفرقاء الليبيين هو الأجندات الخارجية، لكن عندما نجد أن جهة من جهات الفرقاء الليبيين تلجأ لأطراف خارجية وتستقوي بها (في إشارة إلى حكومة السراج) وتزودها بالسلاح، فهذا ما يصعب من النداءات التي تسير في إطار الحلول السلمية".
كما أوضح أن هذه الأطراف الخارجية "تقدم أسلحة وبشرا، لكن الجزائر وتونس ليس بإمكانهما تقديم إلا النداءات ووساطات".
بدوره، قال الأكاديمي لزهر ماروك بأن الوضع في ليبيا "بات يهدد أمن واستقرار البلدين، خاصة مع انتشار المرتزقة والسلاح، ومن الضروري تنسيق الجهود الجزائرية التونسية من أجل التأثير الإيجابي على المسار السياسي ولم شمل الليبيين وتنفيذ مخرجات مؤتمر برلين، حتى يتم الحد من التداعيات الخطرة للوضع في ليبيا على أمن البلدين".
وتابع "وبالتالي فإن الأزمة الليبية كانت حاضرة بقوة على طاولة الرئيسين قيس سعيد وتبون"، وتوقع في المقابل توحيد مقاربات حل الأزمة الليبية بين البلدين و"المهم هو التركيز على الحل السياسي وإعطاء الكلمة لليبيين من أجل الخروج بورقة طريق لإنهاء هذه الأزمة".
ووقعت الجزائر وتونس في السنوات الأخيرة اتفاقيات تنسيق أمني واستخباراتي لمكافحة الإرهاب على حدودهما المشتركة، والتي يرى فيها خبراء أمنيون أنها باتت غير كافية مع التطورات المتلاحقة في المنطقة خاصة بعد التدخل التركي في ليبيا وإغراق ليبيا بالمرتزقة والإرهابيين والأسلحة.
وأوضح المحلل السياسي أن "الوضع في ليبيا أصبح يهدد كياني الدولتين الجزائر وتونس مع تدفق السلاح والمرتزقة وانتشار شبكات استخباراتية وتحول ليبيا إلى مسرح صراع إقليمي ودولي، وهو ما يعني مخاطر جديدة وكبيرة تهدد البلدين وكل دول الجوار الليبي، وأتوقع رفع التنسيق الأمني والعسكري إلى أعلى المستويات وأن يكون مستمراً، الذي بات ضرورياً أكثر من أي وقت".
دبلوماسية وقائية وحياد تفاعلي
يشير الدكتور حسين قادري إلى أن الجزائر "انتقلت في موقفها من الأزمة الليبية من الحياد إلى التفاعل الإيجابي، لأن الخطر أمام الجزائر، وعليها التدخل بالحلول الإيجابية وتغلب في الميدان لغة السلمية في الساحة الليبية المليئة بالتناقضات".
وأضاف أن "على الجزائر تكثيف التنسيق مع تونس، ويجب أن تتعامل مع الدول الفاعلة في الملف الليبي، من خلال الدبلوماسية الوقائية، مشيراً في السياق إلى ما أسماه "التنسيق الجزائري التركي" الأخير الذي قال "إنه يهدف إلى وقف تأثيرها في المشهد الليبي واستنزاف القدرات الليبية والعيش على اختلاف الليبيين".