"حروب القمح".. صفقة ضخمة وموازنة إضافية لتحصين مخازن الجزائر
رغم اتفاق إسطنبول، إلا أن الجزائر تواصل إجراءاتها الاستباقية التي تتحسب للأسوأ فيما يرتبط بأمنها الغذائي.
ووفق نص قانون المالية التكميلي (الموازنة التكميلية)، فقد تم اتخاذ إجراءات تتعلق بزراعة الحبوب، أبرزها "تفعيل آليات الجمع والتخزين" للقمح التي عدها القانون "مادة استراتيجية".
- أزمة أوكرانيا تستنفر الجزائر لأمنها الغذائي.. هل تحصن مخازنها؟
- قبل المجاعات المتفرقة.. الجزائر تؤمن احتياطي القمح
وبحسب نص المادة الـ30 من الموازنة التكميلية أن على "كل مزارع يمارس زراعة الحبوب ويستفيد من دعم الدولة، سواء أكان ذلك في المنبع أو عند المصب، مهما كان شكله أو طبيعته، ملزم ببيع إنتاجه من القمح والشعير إلى الديوان الجزائري المهني للحبوب، المكتب المهني الجزائري للحبوب، يتم تحديد شروط تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم".
وبررت المادة هذه الخطوة إلى أن "الواقع الذي يشهده سوق الحبوب العالمي من الاضطرابات العديدة في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى انخفاض كبير في العرض، مع تأثير تقلب الأسعار صعودا، وكذلك معدل التضخم وزيادة أسعار المدخلات، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في العرض وتكاليف إنتاج الحبوب".
وأكد نص مشروع الموازنة التكميلية لعام 2022 في الجزائر على أن ذلك يعني "انخفاضاً كبيرا في دخل المنتج"، وأنه وفي الواقع "من حيث الإنتاج وعلى الرغم من هذه التقلبات، لم يتوقف الأداء عن النمو، وبالتالي إظهار القدرات الإنتاجية القائمة والاحتياطيات الإنتاجية الحالية لتحسين الإنتاج وتقليل اعتماد بلدنا والتبعية للخارج والسماح لنا بتعزيز أمننا الغذائي في مجال الحبوب".
ولفت خبراء اقتصاديون إلى أنه رغم الجهود المبذولة من قبل الحكومة الجزائرية لـ"تحقيق الأمن الغذائي" إلا أن مستويات جمع المحاصيل على المستوى المحلي تبقى دون المستوى، وبأنها لا تتجاوز 50 % من جميع أنواع الحبوب المنتجة.
مناقصة ضخمة
في الأثناء، كشفت وسائل إعلام محلية جزائرية، مساء الأربعاء، نقلا عن تجار أوروبيين بأن الديوان الجزائري للحبوب اشترى 660 ألف طن من القمح اللين.
ولم توضح مصدر استيراد شحنة القمح الضخمة، إلا أنها أشارت إلى أن عملية الشراء تمت عبر صفقة بعد مناقصة استيراد جرت، الثلاثاء.
ولفتت التقارير الإعلامية إلى أن سعر الطن الواحد من شحنة القمح اللين بلغت حوالي 384 دولارا للطن الواحد تشمل أيضا تكلفة الشحن.
ورجحت المصادر الإعلامية ذاتها، أن يكون مصدر القمح اللين الذي استوردته الجزائر من أمريكا الشمالية أو من استراليا، فيما طلبت الجزائر أن تكون عملية الشحن من مناطق التوريد الرئيسية، ومن المرتقب أن تصل الشحنة نهاية سبتمبر/أيلول المقبل أو خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم.
والجزائر ثاني أكبر مستورد للقمح في أفريقيا، باتت أمام رهان كبير جدا يؤكد الخبراء الاقتصاديون بأنه لا يختلف عن التحديات الأمنية، والمتمثل في تأمين ثم تحصين أمنها الغذائي.
وفي أبريل/نيسان الماضي، صنف "المؤشر العالمي للأمن الغذائي" الجزائر في المركز الأول بالقارة الأفريقية وفي المرتبة الـ54 من بين 113 بلدا عبر العالم في سنة 2021.
إجراءات حازمة
ومنذ اندلاع الأزمة في أوكرانيا، استشعرت الحكومة الجزائرية الخطر على أمنها الغذائي، وباشرت اتخاذ قرارات إجراءات عملية لضمان أمنها الغذائي، في القمح والشعير، وحتى في مختلف المحاصيل الزراعية الأخرى، وفق خطط مستقبلية لخلق صناعة فلاحية، والبحث عن أسواق خارجية لمنتجاتها الزراعية.
آخر تلك القرارات التي اتخذها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عقب اجتماع لمجلس الوزراء، ناقش فيه عرضاً لتهيئة المسار التقني لموسم إنتاج الحبوب 2022/ 2023.
وطالب الرئيس تبون من حكومته وفق بيان للرئاسة الجزائرية حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، على "تكثيف الجهود لضمان الأمن الغذائي، خاصة في مجال الحبوب، في ضوء التقلبات الدولية الحالية".
وهو التحدي الذي أكدت الرئاسة الجزائرية بأنه "يجب كسبه مهما كانت الصعوبات والعقبات، لأن إمكانيات الجزائر وقدراتها المادية والطبيعية تؤهلها لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي".
"محاصرة أباطرة" القمح
ومن أكثر القرارات الحازمة التي اتخذتها الحكومة الجزائرية إنشاء "قطب فلاحي غذائي كبير"، وهو المجمع الذي يشمل الاستحواذ على مجمعات القمح المسترجعة من رجال الأعمال الذين أدانهم القضاء الجزائري في قضايا فساد من عهد النظام السابق، وصدرت في حقهم أحكام نهائية بمصادرة الأملاك.
كما قررت حكومة أيمن بن عبد الرحمن "دمج الديوان الوطني المهني للحبوب وجميع الوحدات المختصة في هذا المجال والتابعة للدولة في هذا القطب المستحدث".
وتقرر أن يكون للجزائر "كيان فلاحي غذائي موحد"، شمل مصادرة مجمع "الرياض الجزائر" ومطاحن "الشرفة"، مع دمج المطاحن الحكومية في هذا القطب الفلاحي.
وجاء القرار الحكومي عقب التحقيقات الأمنية التي أكدت بأن "الديوان الجزائري المهني للحبوب" كان "معقلا لمافيا الحبوب على مدار عقود"، وتمكنوا خلال سنوات من احتكار بيع القمح في الجزائر، وكذا في فرض ندرته في أوقات مختلفة.
وعلى صعيد مماثل، تمكنت السلطات الجزائرية من استعادة 750 ألف هكتار من المساحات الفلاحية معظمها مُنحت امتيازات لرجال أعمال وسياسيين ونواب وشخصيات أمنية في عهد النظام السابق.
وتمثل المساحة المسترجعة من أصل 2 مليون و750 ألف هكتار هي المساحة الإجمالية الصالحة للزراعة في الجزائر.
في المقابل، منحت وزارة الفلاحة الجزائرية مساحة إجمالية قدرها 1 مليون و150 ألف هكتار لـ140 ألف مستفيد من نظام الحيازة الملكية العقارية، كما فعّلت القانون الذي يسمح للفلاحين بالتنازل عن المستثمرات الفلاحية في إطار حق الامتياز لفلاحين بشرط عدم تقسيم المستثمرات الفلاحية بين المستفيدين وإنما العمل على توسيعها، بهدف منحها للدولة أو للخواص.
ودعت الوزارة المستثمرين إلى التركيز على المناطق الصحراوية لاستثماراتهم الزراعية خصوصاً في الزراعات الاستراتيجية مثل الحبوب والذرة والأعلاف والشمندر السكري.
الاحتياطي الآمن
وفي وقت سابق، كشف وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري عبد الحفيظ هني عن أن مخزون القمح في الجزائر "يكفي لـ10 أشهر" لتلبية الاستهلاك المحلي.
وفي تصريحات إعلامية، توقع "هني" "انتاجاً وفيرا" من القمح الجزائري خلال الموسم الحالي، وقدره بنحو 3.2 مليون طن.
وكشف وزير الفلاحة عن أن الجزائر استوردت في المناقصة الدولية الأخيرة 3 ملايين طن إضافية من القمح، وهو ما رفع مخزون البلاد من هذه المادة الحيوية إلى 10 أشهر.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قررت الحكومة الجزائرية رفع سعر شراء القمح المحلي من المزارعين في خطوة تستهدف تشجيع زراعة السلعة الغذائية الاستراتيجية وتسريع الاكتفاء الذاتي منها.
وتبلغ واردات الجزائرية السنوية من الحبوب بما فيها القمح بنوعيه نحو 7 ملايين طن، بفاتورة تفوق 2 مليار دولار سنوياً.
فيما يقدر معدل الإنتاج المحلي السنوي من القمح الصلب نحو 3.17 مليون طن، والمساحات المزروعة 8.6 مليون هكتار.
ووصل استهلاك الجزائريين للقمح خلال الموسم الماضي نحو 11 مليون طن بحسب إحصائيات رسمية، فيما يبقى الإنتاج المحلي من الحبوب غير كافٍ والذي يلبي حاجة 34 % من الجزائريين، في مقابل استيراد كميات كبيرة لتغطية العجز.
aXA6IDMuMTM3LjE2OS4xNCA=
جزيرة ام اند امز