"ورثة العصابة".. كابوس يؤرق اقتصاد الجزائر و"تبون" يتوعد
"مكر ورثة العصابة" جملة قالها الرئيس الجزائري الحالي أعادت إلى الواجهة مدى قدرة استمرار النظام السابق على التمسك بدواليب الاقتصاد.
كان ذلك اتهاماً صريحاً متبوعاً بتهديد حازم من رئيس الجزائر لمن وصفهم بـ"ورثة العصابة الماكرة" الذين اتهمهم بـ"تعطيل الاقتصاد" و"استنزاف خيرات البلاد"، ما يعني بحسب خبراء اقتصاديين بأن السلطة الجديدة بالجزائر لم تتخلص بعد من ألغام النظام السابق رغم الزج بعدد كبير من أركان النظام السابق في السجون بتهم فساد.
وفي بيان للرئاسة الجزائرية حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، وجه الرئيس عبد المجيد تبون رسائل حزم لفلول النظام السابق وكذا للجزائريين، أقر فيها بالعراقيل التي تواجه مخططات حكومته للنهوض الاقتصادي.
تبون في رسالته توجه بكلامه من قال إنهم "أولئك الَّذينَ دَرَجُوا على تَثْبيطِ العزائم وكَبْحِ المُبادراتْ وَتَوارَثُوا تَواطُؤَ العصابةِ وتآمرها".
واتهمهم بـ"عرقلة بَعْثِ الاقتصاد الوطني، والتشكيك في إرادةِ الوطنيين المخلصين، الراميةِ لتخليصِ المجتمع من اسْتِنْزافِهم لخيراتِ البلاد بالتّحَايُل والنَّهبِ والتبذير".
الرئيس الجزائري توعد فلول النظام السابق بـ"سلطان القانون" و"شل أذرعهم"، وشدد على أن بلاده "عازمة بحزمٍ على شَلِّ أذْرُعِ هذه العصابةِ الماكرة، وكَشْفِ خُبْثِها في تحريك أدوات التَّعطيلِ والتَّيْئيسْ".
اتهام هو الثاني من نوعه خلال الشهر الحالي، إذ شبه الرئيس الجزائري في مقابلة تلفزيونية مع وسائل إعلام محلية الوضع الاقتصادي الذي ورثه بـ"الاقتصاد الألماني بعد الحرب العالمية الثانية"، في إشارة إلى قضايا الفساد التي قال إن بدايتها كانت منذ تسعينيات القرن الماضي.
أخطبوط الاقتصاد
تبون عاد إلى ما قال إنه "بدايات فشل الاقتصاد الجزائري"، وربط فشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق الاقلاع الاقتصادي إلى انتقال البلاد من النظام الاشتراكي إلى نظام اقتصاد السوق مطلع تسعينيات القرن الماضي، والذي تزامن مع بداية أزمة أمنية خطرة بسبب تكالب الجماعات الإرهابية.
وخلال حديثه عن حقيقة الوضع الاقتصادي للجزائر، أوضح تبون بأن انتقال اقتصاد بلاده من نظام اقتصادي إلى نظام آخر أفرز "عصابات مالية" قال إنها "تحكمت في الاستيراد والتصدير وخلقت سوقاً موازية للعملة الصعبة" كشف عن أن قيمتها تتجاوز 60 مليار دولار.
واعتبر بأن السوق السوداء للعملات "نوع آخر من تحكم العصابة في اقتصاد البلاد"، وإن أقر بصعوبة التخلص منها إلا أنه تحدث عن "إجراءات سرية" باشرتها السلطات الجزائرية لاستعادة الأموال الضخمة خارج البنوك التي تدور في السوق السوداء.
كما اتهم فلول النظام السابق بالوقوف وراء ظاهرة المضاربة في أسعار مختلف المواد الاستهلاكية واعتبرها من أوجه "الثورة المضادة".
إلا أن الرئيس عبد المجيد تبون كشف عن "تفكيك ألغام" اقتصادية أخرى بينها فاتورة الاستيراد التي قال إنه تم تقليصها بواقع 30 مليار دولار ووضع حد لظاهرة تضخيم الفواتير التي تكبد الجزائر خسائر سنوية قدرها خبراء اقتصاديون بنحو 7 مليارات دولار.
وفي وقت سابق من العام الماضي، اتهمت السلطات الجزائر النظام السابق بالوقوف وراء "ثورة مضادة" تستهدف اقتصاد وأمن البلاد، وتحدثت عن تورطه في أزمة المياه والكهرباء وندرة السيولة المالية وارتفاع الأسعار.
"مصالحة" اقتصادية
وتزامنت مواقف وتهديدات الرئاسة الجزائرية مع بدء حكومة أيمن بن عبد الرحمن إجراءات "تسوية ودية" لاستعادة الأموال المنهوبة من أركان النظام السابق في في سابقة هي الأولى من نوعها سقوط نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة أبريل/نيسان 2019، والزج بأركان نظامه في السجن بتهم فساد، بينهم رؤساء حكومات ووزراء سابقون، ورجال أعمال، وشخصيات سياسية وأمنية وعسكرية.
وأشارت الحكومة الجزائرية إلى أن "اللجوء إلى التسوية الودية" مع أركان النظام السابق "يسهم في تعزيز القدرات المالية للدولة" التي تعيش على وقع ضائقة مالية منذ 2014، وازدادت حدتها عقب تفشي جائحة كورونا السنة الماضية، فيما بلغت خسائر الجزائر من تبعات تذبذب أسعار النفط وجائحة "كوفيد 19" 10 مليارات دولار في 2020، وسط توقعات باستمرار تآكل احتياطات الصرف إلى نحو 40 مليار دولار.
وجاءت رغبة السلطات الجزائرية في تسوية ملف الأموال المنهوبة ضمن إصلاحات جديدة تنوي القيام بها بحسب ما ورد في مخطط عمل الحكومة، والمرتبطة أساسا بإصلاح الوضعين الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
ولم تحدد الحكومة الجزائرية صيغة واضحة في برنامج عملها الجديد لطريقة "التسوية الودية" مع أركان النظام السابق المتورطين في قضايا ونهب المال العام، وإن كانت الخطوة مرتبطة أيضا بـ"صدور عفو شامل عنهم مقابل إرجاعهم الأموال المنهوبة".
وتضاربت تفسيرات المراقبين إزاء الخطوة المفاجئة لحكومة تبون بين من اعتبرها مؤشرا على فشل مفاوضات الجزائر مع سلطات الدول التي قام أركان النظام السابق بتهريب أموالهم إليها، غالبيتها في دول أوروبية تتصدرها فرنسا وسويسرا.
ونهاية مايو/أيار الماضي، أصدرت المحكمة العليا؛ الهيئة القضائية الأعلى في الجزائر، أحكامها النهائية بـ"رفضها" جميع الطعون المقدمة في قضايا فساد كبار رموز النظام السابق.
وأقرت الهيئة القضائية العليا في الجزائر بأن الأحكام الصادرة في حق المتهمين "أصبحت نهائية وقابلة للتنفيذ" بما في ذلك أحكام السجن ومصادرة جميع أملاكهم داخل وخارج البلاد.
aXA6IDMuMTQyLjIxMi4xMTkg جزيرة ام اند امز