ادعاءات "تسييس" قرارات "أوبك+".. كيف جاءت ردود فعل السعودية؟
حملة أمريكية ممنهجة ضد السعودية منذ قرار تحالف "أوبك+" خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، رغم تأكيدات المنظمة والدول الأعضاء بأن القرار اتخذ بالإجماع ويستهدف استقرار سوق النفط العالمي وينشد مصلحة الجميع.
واشنطن اعتبرت القرار بمثابة اصطفاف مع روسيا في الأزمة الحالية مع أوكرانيا في محاولة لتأليب الغرب على المملكة وتعكير العلاقات وداخليا لمغازلة أعضاء الكونغرس وامتصاص صدمة أكبر من تداعيات القرار الذي يستبق انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في ظل انتقادات داخلية واسعة.
خفض إنتاج النفط أثار غضب بايدن الذي يقع تحت ضغوط داخلية جراء الأزمة الاقتصادية في ظل ارتفاع نسبة التضخم، واعتبره "مخيبا للآمال" التي كان يعقدها على نتائج زيارته للسعودية في يوليو/تموز الماضي والتي كان أحد أهم أهدافها إقناع الرياض بزيادة إنتاج النفط وهو ما حدث فعليا ولكن ليس بالنسبة التي كان يرغب فيها ساكن البيت الأبيض ثم امتثلت السعودية للقرار الجديد بالخفض من أجل ضبط استقرار الأسواق.
ومع تزايد الاتهامات، عبرت دول عربية عن تضامنها مع السعودية بخصوص قرارات سياستها الخارجية، ورفضا للادعاءات حول القرار الأخير لأوبك، مؤكدة أنه جاء بالإجماع وكاستجابة "فنية بحتة" للظرف الاقتصادي الدولي وحالة السوق النفطية التي تعمل المنظمة وحلفاء من المنتجين من خارجها على التعامل معها قصد تحقيق التوازن بين العرض والطلب.
توازن أسواق النفط العالمية
وهو ما أكده العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في الخطاب الملكي السنوي المفصل للسياستين الداخلية والخارجية للمملكة، خلال أعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى مساء الأحد.
وقال الملك سلمان: "تسعى المملكة حثيثا نحو ضمان مناعة ركائز عالم الطاقة الثلاث مجتمعة وهي أمن إمدادات الطاقة الضرورية، والتنمية الاقتصادية المستمرة من خلال توفير مصادر طاقة موثوقة، ومواجهة التغير المناخي".
وأضاف: "تعمل بلادنا جاهدة ضمن استراتيجيتها للطاقة، على دعم استقرار وتوازن أسواق النفط العالمية، بوصف البترول عنصراً مهماً في دعم نمو الاقتصاد العالمي، ويتجلى ذلك في دورها المحوري في تأسيس واستمرار اتفاق مجموعة (أوبك بلس) نتيجة مبادراتها لتسريع استقرار الأسواق واستدامة إمداداتها. وكذلك حرص المملكة على تنمية واستثمار جميع موارد الطاقة التي تتمتع بها".
رفض قاطع لادعاءات التسييس
كما جاء رد وزارة الخارجية السعودية قاطعا برفض "اعتبار قرار أوبك+ مبنيا على دوافع سياسية ضد أمريكا".
وعبرت الوزارة، في بيان، عن رفضها التام لتصريحات انتقدت المملكة بعد القرار، كان بينها أحاديث رددها مسؤولون أمريكيون، قالت إنها "لا تستند إلى الحقائق".
وأشارت إلى أن هذه التصريحات "تعتمد على محاولة تصوير قرار أوبك+ خارج إطاره الاقتصادي البحت".
وشددت الخارجية السعودية على أن "المملكة أوضحت خلال تشاورها مع الإدارة الأمريكية أن تأجيل قرار خفض الإنتاج شهرا حسب ما تم اقتراحه، سيكون له تبعات اقتصادية سلبية".
ونوهت إلى أن مجموعة "أوبك+" تتخذ قراراتها باستقلالية وفقا لما هو متعارف عليه من ممارسات مستقلة للمنظمات الدولية".
قرار اقتصادي وليس سياسيا
بدوره، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، إن دول منظمة "أوبك+" تصرفت بمسؤولية واتخذت القرار المناسب، كما أن "قرارها اقتصادي وليس سياسيا".
وأضاف بن فرحان، في تصريحات متلفزة، أن "قرار منظمة "أوبك+" بخفض الإنتاج تم بالإجماع"، مشيرا إلى أن دول "أوبك+" تسعى لاستقرار السوق وتحقيق مصالح المنتجين والمستهلكين.
وحول العلاقات مع الولايات المتحدة، أكد أن "العلاقة مع واشنطن استراتيجية وداعمة لأمن واستقرار المنطقة، والتعاون العسكري بين الرياض وواشنطن يخدم مصلحة البلدين وساهم في استقرار المنطقة".
من جانبه، أكد عادل الجبير، وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، أن بلاده لا تستخدم النفط وتحالف أوبك+ كسلاح ضد الولايات المتحدة، نافيًا أن تكون السعودية قد خفضت إنتاج النفط لإلحاق الضرر بواشنطن.
وأضاف الجبير، في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، أن "النفط في نظرنا سلعة مهمة للاقتصاد العالمي، الذي نمتلك فيه مصلحة كبيرة لكننا لا نقوم بتسييس النفط ولا القرارات المتعلقة به، إننا لا نقوم بتسييس النفط ولا القرارات المتعلقة به، والنفط ليس سلاحا".
استغراب سعودي من الادعاءات الواهية
الادعاءات الأمريكية دفعت الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع السعودي، للرد الذي حمل استغرابا من التناقض الكبير للمزاعم التي لا تمتلك أي أسانيد.
وقال الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز في تغريدة على حسابه الرسمي "تويتر: "على الرغم من أن قرار أوبك، الذي اتُّخذ بالإجماع، كان لدوافع اقتصادية بحتة، إلا أن البعض اتَّهم المملكة بوقوفها بجانب روسيا!!"، إيران كذلك عضو في أوبك، فهل يعني هذا أن المملكة وقفت بجانب إيران أيضًا؟".
وأبدى وزير الدفاع السعودي استغرابه من اتهام المملكة بالوقوف مع روسيا في حربها مع أوكرانيا.
فالسعودية التي قدمت 400 مليون دولار مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا لم تنحاز لطرف على حساب الآخر، ودعت أكثر من كرة إلى إنهاء الأزمة وعرضت الوساطة، فيما كان دورها كبيرا في إتمام صفقة تبادل الأسرى بين أوكرانيا وروسيا ولاقت ردود فعل إيجابية من شتى أنحاء العالم.
وبينما هاجمها بايدن بالاصطفاف مع روسيا، شكرها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مؤكدا أن المساعدات "دليل على ما يوليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من حرص للإسهام في تخفيف المعاناة الإنسانية، ولن ينسى الشعب الأوكراني هذه المواقف الإنسانية النبيلة التي تثبت صداقة المملكة العربية السعودية لأوكرانيا".
بايدن ومحمد بن سلمان
ويبدو أن الإدارة الأمريكية لم تتعلم الدرس جيدا، ففي محاولة لامتصاص غضب الكونغرس من ارتفاع أسعار الطاقة وتداعيات خفض تحالف أوبك للإنتاج، أعلن مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جاك سوليفان أن بايدن ليس لديه أي نية للقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال قمة العشرين.
بينما قالت مصادر دبلوماسية سعودية وخليجية إلى وكالة الأنباء الألمانية إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لم يطلب لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن ولا ينوي ذلك.
وسيحضر ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، قمة مجموعة العشرين بجزيرة بالي الإندونيسية يومي 15 و16 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، حيث سيكون الرئيس الأمريكي مشاركا أيضا في القمة المرتقبة.
وأكدت المصادر لوكالة الأنباء الألمانية أن جدول لقاءات الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، لا يشمل أي لقاء مع الرئيس بايدن.
وأوضحت أن الأمير محمد بن سلمان يعتزم لقاء عدد من قادة دول العشرين بينهم رؤساء روسيا والصين والهند وآخرين قبل أن يقوم بجولة تقوده إلى عدد من الدول الآسيوية، من بينها مشاركته في اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ "أبيك" الذي يضم 21 دولة بالعاصمة التايلاندية بانكوك يومي 18 و19 من الشهر نفسه.
وبدا أن التصريح الأمريكي الذي صدر أمس بشأن عدم تخطيط بايدن للقاء ولي العهد السعودي جزء من أوركسترا في واشنطن تعزف على أوتار اختلاق أزمة مع الرياض على خلفية قرار أوبك + خفض إنتاج النفط.
"دافوس" بلا مسؤولين أمريكيين
ومع تصاعد التوتر بين الشريكين واشنطن والرياض، قال المدير التنفيذي لمؤتمر الاستثمار السعودي "دافوس في الصحراء" الذي يعقد نهاية الشهر الجاري إنه "لن توجه دعوات إلى مسؤولين حكوميين أميركيين للحضور" على عكس السنوات السابقة، مشيرا إلى عدم الرغبة بأن يصبح التجمع "منصة سياسية".
وأضاف ريتشارد آتياس الرئيس التنفيذي للمؤسسة غير الربحية المنظمة لـ"مبادرة مستقبل الاستثمار" لوكالة فرانس برس أنّه من المتوقع أن يشارك ما يصل إلى 400 من الرؤساء التنفيذيين للشركات الأمريكية في نسخة العام الحالي.
وتجتذب المبادرة، وهي عبارة عن مؤتمر مدته ثلاثة أيام من المقرر أن يبدأ في 25 أكتوبر/ تشرين الأول في الرياض، عادة عمالقة "وول ستريت" ومسؤولين رفيعي المستوى من جميع أنحاء العالم.
aXA6IDMuMTM1LjI0Ny4xNyA= جزيرة ام اند امز