المشهد في الشرق الأوسط غاية في الغرابة حيث تبدلت تحالفات واختلت روابط واستبدلت بها "مصالح".
الروابط التقليدية لم تعد تكفي لشد الوثاق، كاللغة والعرق والدين والقوميات، المصالح هي التي ستحكم طبيعة العلاقات الدولية في المنطقة؛ فهل ذلك أمر سيئ أم جيد؟
نرى وتيرة استبدال التحالفات تتسارع لتعيد رسم المنطقة بشكل مختلف عما كان عليه الشرق الأوسط لعقود، قد يكون إصرار الحليف الأمريكي على الخروج من المنطقة، أو البقاء بشروط جديدة، أحد أهم الأسباب التي تحث على إعادة ترتيب طبيعة الروابط التي تحكم العلاقات العربية - العربية من جهة، والعربية مع الدول الإقليمية "إيران وتركيا وإسرائيل" من جهة أخرى.
بعض من تلك الروابط الجديدة التي لم نكن نتخيلها ستحدث في يوم من الأيام؛ كتحالف جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية مع اليمين الإسرائيلي المتطرف، نراها الآن بالعين المجردة، حيث تحالفت جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية لعرب إسرائيل، مع حزب ديني يهودي إسرائيلي، وصوتت له في الانتخابات، وظهرت صورة منصور عباس القيادي في الجماعة وهو يصافح نفتالي بنيت مهنئه بالفوز، والأهم أن منصور انتخب نائباً لرئاسة "الكنيست"!!
ووصف عباس على صفحته في "فيسبوك" فوزه بمقعد نائب الرئيس بأنه "استحقاق للقائمة المشتركة لأربعة أحزاب عربية لديها 15 مقعداً في "الكنيست" المؤلف من 120 مقعداً".
المفارقة أن عباس درس في الجامعة العبرية، وتخرج فيها طبيب أسنان، وهو عضو في الكنيست الإسرائيلي منذ عام 2019، ثم قاد ائتلاف الأحزاب العربية الأربعة، وتحالف مع بنيت، وقد كان بنيت هذا رئيساً للأركان في عهد نتنياهو، ومع ذلك فقد تمت تنحية أي عقبات تقليدية أمام التحالف الجديد، وساعده على الفوز!
بل إن أحد الحاخامات الإسرائيليين، ويُدعى تشيم كنفسكي، يصرح لـ"هآرتس" الإسرائيلية، مبرراً تحالف اليمين الإسرائيلي مع "الإخوان المسلمين" بأنهم أفضل من اليسار الإسرائيلي، لأنهم جماعة تحترم الدين!
ولن تنتهي علامات التعجب، حيث كتب الأستاذ طارق حميد في مقاله يوم الأربعاء: "لو بادرت دولة عربية لإجراء علاقات سلام، فستهبّ حملة التخوين، ولو بادرت دولة عربية حتى لدعم فلسطينيي رام الله، ولو بإرسال فريق كرة قدم للعب هناك، يقال إنه تطبيع، بينما تقوم الحركة الإسلامية بالمشاركة في حكومة إسرائيلية، فيبتلع الجميع ألسنتهم، يساراً وإسلاميين، ودون انتقاد، ولو بكلمة!".
ثم ينهي مقاله: "وهذه الحالة المحيّرة تقول لنا إن على دول الاعتدال أخذ زمام المبادرة في حالة القضية الفلسطينية، وعدم الاكتراث كثيراً للعبة التخوين والتحريض، وهذا أمر يتطلب عملاً دؤوباً لفضح تلوُّن الإخوان المسلمين، وغيرهم ممن يستخدمون القضية". انتهى.
المحور العربي - الإسرائيلي بدأ يتشكل متضمناً فلسطينيين من الجماعات الدينية.
ثم نشهد على صعيد آخر تحركات المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات شرقاً تجاه الصين وروسيا، لتكسر أحادية التحالف الأمريكي مع المنطقة، وبعدها نشهد إعادة ترتيبها الداخلي؛ فيأتي الحراك التركي لإعادة ترتيب وضعه مع مصر والمملكة، على ضوء "اتفاقية العلا" التي أعادت ترتيب الأوضاع الخليجية مع قطر، ثم توظيف العلاقات الوطيدة السعودية مع الحكومة العراقية بمباحثات غير مباشرة مع إيران، ومحاولات أحمدي نجاد حث الطرفين على المفاوضات المباشرة، كلها رمال متحركة جديدة على صعيد رسم العلاقات الدولية في إطار منطقة الشرق الأوسط الجديد.
تقول داليا زيادة في مقالها المهم جداً والمنشور على موقع "مركز دراسات الديمقراطية الحرة" في أبريل "نيسان" بعنوان "نهاية الشرق الأوسط الذي نعرفه": "قد تكون هذه هي نهاية الشرق الأوسط كما نعرفه. لكنها ستكون بداية منطقة أقوى، وأكثر استقراراً وقوة. وقد تكون التحولات الحالية في التحالفات السياسية التقليدية في المنطقة، والمبنية على أسس برغماتية وليست عاطفية، بداية لإرساء السلام وتحقيق الاستقرار طويل الأمد في المنطقة التي عانت طويلاً من صراعات ليس لها نهاية. وهذا ممكن بشكل خاص في ضوء الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها للانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط. دعونا لا نخشى التغيير، إذن! فعادة ما يؤدي التغيير إلى نتائج إيجابية، خاصة عندما يحدث طوعاً، وليس بضغط من قوى خارجية".
هل نحن مَن سنشكل الشرق الأوسط الجديد، إنما بأيدينا هذه المرة، ووفق مصالحنا، لا وفق خريطة برنارد لويس التي بُنيت على أسس عرقية وطائفية؟ الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة