الجزائر.. اللغة الأمازيغية تدخل صراع الحروف الثلاثة
حائرة بين اللاتينية والعربية ودعوات لاعتماد التيفيناغ
عودة "صراع الحروف" في الجزائر بعد طلب شبكة "أوال" الجزائرية اعتماد حروف التيفيناغ في اللغة الأمازيغية.
تشهد الساحة السياسية والثقافية بالجزائر جدلا جديدا حول الحروف التي يجب أن تُكتب بها اللغة الأمازيغية.
وكان الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، قد اعتمد يوم 12 يناير/كانون الثاني عيداً وطنياً وهو يصادف رأس السنة الأمازيغية مع الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية، وتكليف أكاديمية خاصة بتطويرها.
- بوتفليقة يغازل الأمازيغ: "رأس السنة" عطلة مدفوعة الأجر
- بالفيديو.. احتفالات رسمية لأول مرة برأس السنة الأمازيغية في الجزائر
وفتح الحديث عن تطوير وتعميم اللغة الأمازيغية بابا للجدل وتبادل الاتهامات، وأثار ما عُرف بـ"أزمة تعدد الحروف".
وبينما دعا البعض إلى عدم "انسلاخ" الجزائر عن هويتها العربية واعتماد اللغة الأمازيغية بالحروف العربية، أكد آخرون ينتمون إلى "الفرنكوفونية" أن نجاح اللغة الأمازيغية مرتبط باعتمادها على الحروف اللاتينية.
وظهر مؤخرا طرف ثالث تقوده شبكة "أوال" للكُتاب والباحثين بالأمازيغية في منطقة الأوراس (شرق الجزائر) التي تمثل "الشَّاوية"، الذين يشكلون أكبر نسبة من أمازيغ الجزائر.
وأعلنت شبكة "أوال" أن "حرف التيفناغ يبقى عنوان الأصالة ورمزا للهوية الجزائرية، وفخرا للغة الأمازيغية، وأن ما يثار حول مسألة تعدد الحروف هو "صراع وهمي تغذيه المصالح الضيقة الساعية إلى كسر جهود توحيد الصف".
ووفقاً لبيان الشبكة الذي اطلعت عليه "العين الإخبارية" فإن "مسألة توحيد الحرف أصبحت أكثر من ضرورة.
غير أن "أوال" ترى أن مسألة تطوير اللغة الأمازيغية بحرف التيفناغ لا بد أن يمر على مراحل، وأهم مرحلة بحسبها "الاعتماد على الخط العالمي الموحد وهو اللاتيني"، وبررت موقفها هذا "بأنه المخرج الآمن الذي يحتمه الظرف الحالي للحفاظ على كل المتغيرات بنفس الدرجة من الأهمية، وهو ما يحتاج إلى قرار شجاع وعقلاني لغلق إشكالية الحرف المثار مؤخراً".
واعتبرت الشبكة أن اعتماد حروف التيفناغ بشكل نهائي "يتطلب وقتاً أطول وعملاً أكاديمياً من طرف أخصائيين".
واقترحت شبكة "أوال" على الأكاديمية التي أنشأها الرئيس الجزائري لتطوير اللغة الأمازيغية "تقربها من منبع كل المتغيرات الأمازيغية، وإنشاء ملحقات لها داخل الحرم الجامعي؛ للاستفادة من منبع الثراء اللغوي فيها".
- الداخلية الجزائرية تنشر بيانا بالأمازيغية في سابقة تاريخية
- السعودية تستعد لطباعة أول مصحف باللغة الأمازيغية
وأثار مقترح الشبكة الذي دعا إلى اعتماد الحروف اللاتينية كمرحلة أولى لتطوير اللغة الأمازيغية، الكثير من الجدل في الجزائر.
صراع الحروف
وبدأ "صراع الحروف"الأمازيغية مع أول بيان تصدره وزارة الداخلية الجزائرية باللغة الأمازيغية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، والذي كتب بالحروف اللاتينية، وهو ما رأى فيه بعض المتابعين بأنه "حسم من الحكومة" بخصوص حروف "اللغة الرسمية الجديدة للبلاد".
وسبق لوزارة التربية الجزائرية أن اقترحت "تدريس الأمازيغية بحروف التيفيناغ للطوارق "جنوب البلاد"، وبالحروف العربية للشاوية والميزابيين "شرق وجنوب الجزائر"، وبالحروف اللاتينية لمنطقة القبائل.
واختلف المتابعون "لصراع الحروف" الأخير في الجزائر، حول أسبابه ما بين الصراع الإيديولوجي القديم والاستغلال السياسي القديم والجديد، وبين من يرى أن الحروف ما هي إلا "حروف تترجم صراع الهوية في الجزائر" إن كانت عربية أو أمازيغية، أو أمازيغية عَرَّبها الإسلام.
ورأى المحلل السياسي والاجتماعي الدكتور محمد طيبي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن مسألة تعدد الحروف يعود بالأساس إلى أصحاب مشروعات الهوية المنفصلة الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية، واستعمال الحروف اللاتينية فيه تجنّ على جذورها من التيفيناغ، ويؤدي إلى تدميرها أكثر مما يفيدها".
وأضاف أن "اللغة هي تعبير وترجمة عن عيش مشترك بين مجموعات إنسانية، واللغة الأمازيغية ممتدة في الثقافة العربية والعكس أيضا، والكتابة بغير الحروف العربية أو الأصلية هو محاولة لفصل بين الهويتين العربية والأمازيغية المتداخلتين بالأساس".
كما اعتبر الدكتور طيبي أن "الخطاب الأيديولوجي المغرض الذي يستثمر في الحاضنة الأمازيغية اللغوية هو الذي يستغل هذه القضية سياسياً، أما القرارات الأخيرة المتخذة فهي تندرج ضمن السياسات العامة للدولة الجزائرية المحافظة على كل موروث جزائري".
أما المحلل السياسي الدكتور عبدالرحمن بن شريط، فقال في اتصال مع "العين الإخبارية": "أن مسألة الأمازيغية ثقافية بالأصل، لكن تم إقحامها في المسائل ذات الطابع السياسي وتحول من ثقافي إلى سياسي، وملف الأمازيغية مفخخ في حد ذاته، ويطرح تساؤلات حول من يمثلها وينطق باسمها وحتى الجهات التي تقف خلفها".
وأضاف: "ليس كل الأمازيغ يبحثون عن الامتيازات، فالأمر مقتصر تاريخياً على منطقة القبائل لاعتبارات استعمارية، وأرى أن جوهر القضية هو محاربة اللغة العربية بمضامينها لصالح اللغة الفرنسية، لكن من يحارب العربية فهو يشوه الأمازيغية بالأساس، والسلطة الجزائرية وضعت نفسها رهينة أطراف تحاول أن تطلب المزيد، وأعتقد أن آخر هم لهذه الأطراف هو تعميم اللغة وترسيمها، وما يهمهم هو مصالحهم السياسية فقط".
إشكالية تعدد اللهجات
وإن كانت منطقة القبائل منذ عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، التي تتكلم اللهجة "القبائلية"، المنطقة الوحيدة في الجزائر التي ظلت تطالب "باستعادة الهوية الأمازيغية"، إلا أن الأمازيغ يتمركزون في مختلف مناطق الجزائر، وبلهجات مختلفة تماما عن بعضها، لكنها تندرج ضمن الموروث اللغوي الأمازيغي، رغم عدم وجود إحصائيات رسمية عن عدد الأمازيغ في الجزائر أو الناطقين بها.
- بالصور.. التبرعات تحول قرية "تيفَرْدُودْ" إلى "أنظف" قرى الجزائر
- بالفيديو.. "غــرداية".. تعرف على عاصمة الأصالة الجزائرية
ففي شرق الجزائر يوجد "الشًّاوِيَة" الذين يتكلمون اللهجة "الشًّاوِيَة"، ويتمركزون في المناطق الشرقية للجزائر، ويقدر عددهم بنحو 11 مليون نسمة.
وبوسط البلاد، نجد "الشْنَاوة" وينطقون باللهجة "الشناوية"، وبقدر عددهم بنحو 600 ألف نسمة، وفي غرب الجزائر، يوجد "الشَّلْحَة" أو "الشْلوح"، ويبلغ عددهم نحو 500 ألف نسمة.
وبشمال الجنوب الجزائري، يوجد "بنو ميزاب" في مدينة "غَرْدَايَة"، الذين يتحدثون اللهجة "الميزابية"، ويقدر عددهم بنحو 500 ألف نسمة، أما في أقصى الجنوب الجزائري، يوجد "الطوارق" الذين يتكلمون اللهجة "التارقية"، ويبلغ عددهم نحو مليون ونصف المليون نسمة.
يذكر أن مسألة الاعتراف بالهوية الأمازيغية بدأت منذ عهد الرئيس الجزائري السابق، اليامين زروال، عندما استحدث عام 1995 المحافظة السامية للأمازيغية، ثم أدرجها زروال في دستور 1996 "كتراث وطني"، ومع مجيء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، تقرر تحويل الأمازيغية إلى لغة وطنية في دستور فبراير/شباط 2016.