بين نفوذ الصين وهيمنة أمريكا.. ميرتس يضبط بوصلة ألمانيا

في مشهد دولي يتأرجح بين صعود الصين المتسارع وتشبث أمريكا بقيادة النظام العالمي، تسعى ألمانيا لإعادة تعريف موقعها كقوة مركزية في أوروبا.
ومع صعود فريدريش ميرتس في المشهد السياسي، تتبلور ملامح مقاربة أكثر واقعية في السياسة الخارجية، توازن بين حماية المصالح الاقتصادية الألمانية واحتواء التحديات الجيوسياسية.
ففي ظل تنامي الضغوط الغربية على بكين من جهة، وتراجع الثقة الأوروبية في القيادة الأمريكية من جهة أخرى، يبدو أن ميرتس يسعى لـ«ضبط البوصلة» الألمانية في اتجاه يراعي حقائق القوى الدولية بدل الانحياز العاطفي لأي معسكر.
وعلى الرغم من توليه منصب المستشار منذ بضعة أشهر فقط، برز فريدريك ميرتس سريعًا بوصفه أحد أكثر حلفاء واشنطن موثوقية في أوروبا، وفقًا لما ذكره موقع «ناشيونال إنترست».
وبينما تذبذب ميرتس بين التعبير، في فبراير/شباط، عن حاجة أوروبا إلى «استقلال حقيقي» عن الولايات المتحدة، وبين وصفه لأمريكا بأنها «صديق وشريك لا غنى عنه لألمانيا» في يونيو/حزيران، فإن استراتيجية حكومته لإعادة ضبط العلاقات مع أوروبا وإحياء التحالف عبر الأطلسي تُعزز في الوقت نفسه النفوذ الاستراتيجي الأمريكي في عموم القارة.
وستُسهم شعبية ميرتس النسبية لدى القادة الأوروبيين، إلى جانب رغبته في تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية لألمانيا وبراعتها العسكرية، في تحقيق توازن فعّال في العلاقات المتنامية بين الغرب والصين.
وقد يُسهم ميرتس في الحفاظ على التفوق المالي والعسكري للولايات المتحدة في أوروبا، في مواجهة أبرز منافسيها الاستراتيجيين في المستقبل القريب.
وبصفتها الدولة الأكبر في الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان وحجم الصادرات، تُعد ألمانيا لاعبًا هادئًا، لكنه محوري في التنافس على الهيمنة بين الولايات المتحدة والصين.
من ناحية، تُعد ألمانيا حليفًا سياسيًا للولايات المتحدة، مع وجود أكثر من 34 ألف جندي أمريكي على أراضيها، كما تمثل شريكًا أمنيًا رئيسيًا داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي العام الماضي، حلّت واشنطن محل بكين كأكبر شريك تجاري لألمانيا في الصادرات والواردات المُجمعة.
ومن ناحية أخرى، تُمارس الصين ثقلًا اقتصاديًا غير متناسب على ألمانيا، الأمر الذي يؤثر على الشراكة مع أمريكا.
وفي عام 2024، بلغ إجمالي التجارة الثنائية بين البلدين نحو 279 مليار دولار، مع أكثر من 5 آلاف شركة ألمانية تستثمر وتعمل في الصين. كما أعلنت شركات تصنيع سيارات بارزة، بما في ذلك «فولكس فاغن» و«بي إم دبليو» و«مرسيدس بنز»، خططا لزيادة الاستثمار في مصانعها لتصنيع السيارات في المقاطعات الصينية.
ولا تزال ألمانيا تعتمد بشكل كبير على الصين في مكونات الطاقة المتجددة، مثل الألواح الشمسية وبطاريات السيارات الكهربائية، وهو ما يثير مخاوف داخل حزب ميرتس، «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين الوسط)، بشأن تأثير هذه العلاقة التجارية على مصالح الأمن القومي الألماني.
وعلى النقيض من سلفه أولاف شولتس، الذي عارض علنًا فرض الاتحاد الأوروبي رسومًا جمركية على السيارات الكهربائية الصينية في عام 2023، اعتمد ميرتس نهجًا حازمًا تجاه بكين. وقال في يناير/كانون الثاني الماضي: «لقد أصبحت أكثر اقتناعًا في الأسابيع والأشهر الأخيرة بأن السوق الأمريكية، بما في ذلك سوق أمريكا الجنوبية، تُمثل قاعدة أكثر أمانًا لنا من الصين وحدها».
وبعد تشكيل ائتلاف مع «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» (يسار الوسط) في أبريل/نيسان الماضي، أصدر «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» مخططًا للسياسة الأمنية المستقبلية لألمانيا، وأعلن الصين «منافسًا منهجيًا».
بعبارة أخرى، فإن حكومة ميرتس عازمة على استعادة الاستقلال الاستراتيجي، والتعاون مع الصين فقط عندما يكون ذلك في مصلحة ألمانيا.
ولا تدعو حكومة ميرتس إلى الانفصال التام عن الصين، لكنها تعمل على الحد من التغلغل الصيني في الاقتصادين الألماني والأوروبي.
وفي هذا الإطار، فإن ابتعاد ألمانيا عن الصين سيؤدي إلى تقارب أكبر بين أوروبا والولايات المتحدة، خاصة في ضوء الجاذبية الدولية لميرتس، الذي لفت الانتباه بسبب جهوده في إصلاح العلاقات الفرنسية الألمانية، التي كانت قد وصلت إلى أدنى مستوياتها في عهد شولتس.
كما عمل ميرتس أيضًا على إعادة دمج المملكة المتحدة في المدار الجيوسياسي للاتحاد الأوروبي، حيث سافر شخصيًا إلى لندن في 17 يوليو/تموز لتوقيع اتفاقية تعاون دفاعي بين البلدين.
aXA6IDIxNi43My4yMTcuNSA= جزيرة ام اند امز