لتفادي انفجار بالشرق الأوسط.. الحل في غزة على طريقة كيسنجر
بعد مرور ما يقرب من عام على هجمات 7 أكتوبر، أدى التصعيد الإسرائيلي المستمر مع حزب الله إلى وضع الشرق الأوسط على شفا كارثة إقليمية.
ورغم اعتقاد القادة الإسرائيليين أن زيادة الضغط على حزب الله سيدفع الجماعة اللبنانية إلى التراجع إلا أن استراتيجية "التصعيد من أجل التهدئة" نادرا ما تحقق النتائج المرجوة وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
وفي حين ربط حزب الله وقف هجماته بوقف إطلاق النار في غزة فمن غير المرجح أن يتغير هذا الموقف بعد مقتل حسن نصر الله الأمين العام للحزب في غارة جوية إسرائيلية.
وبالتالي فحتى لو نجح المقترح الأمريكي الفرنسي في وقف إطلاق النار في لبنان لمدة 21 يوما فلن يغير ذلك الواقع لأن أفضل طريقة لمنع اندلاع حريق إقليمي هو وقف إطلاق النار في غزة.
ومن المؤسف أن المفاوضات بين إسرائيل وحماس لا تزال في طريق مسدود بعد أكثر من 3 أشهر من وضع الرئيس الأمريكي جو بايدن لإطار عمل لوقف إطلاق النار والاتفاق على عودة الرهائن الإسرائيليين حيث أضاف الطرفان شروطا جديدة، بحسب المجلة الأمريكية.
وأشارت إلى أنه "بعد أسابيع من التفاؤل، يقر المسؤولون الأمريكيون الآن بأنه لا اتفاق وشيك، ومع اقتراب انتخابات البيت الأبيض فإن وضع بايدن كبطة عرجاء (اصطلاح لوصف وضع الرئيس العاجز عن تمرير سياساته عبر الكونغرس) يحد من نفوذه الدولي".
وفي الوقت نفسه، تستمر تكاليف الحرب في غزة في الارتفاع يوميا ويتضاءل احتمال عودة الرهائن الإسرائيليين المتبقين في حين تستمر الظروف الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين في التدهور كما يتزايد الضرر الذي يلحق بسمعة الولايات المتحدة، وإسرائيل مع عواقب سلبية على الأولويات العالمية الأخرى.
ولأن الوقت هو جوهر القصة فيتعين على واشنطن إصلاح نهجها الدبلوماسي والقيام بدبلوماسية مكوكية أكثر استباقية تهدف إلى إنهاء الحرب في الأسابيع القليلة المقبلة.
وفشلت الدبلوماسية المضنية وسياسة الصبر التي تنتهجها الإدارة الأمريكية والوسطاء في دفع إسرائيل وحماس لاتفاق.
ورغم أن الدبلوماسية المكوكية رفيعة المستوى محفوفة بالمخاطر، لكنها قد تركز الضغوط وتضخمها، مما يزيد من احتمالات شعور الطرفين بضرورة اتخاذ قرارات صعبة وإذا كانت هذه الدبلوماسية مصحوبة بمصادر أخرى للضغط، فقد تثبت أنها قادرة على تغيير قواعد اللعبة.
ويتعين على بايدن إرسال وزير خارجيته أنتوني بلينكن إلى المنطقة على الفور للقيام برحلات مكوكية بين إسرائيل ومصر وقطر لأكبر عدد ممكن من الأيام اللازمة لسد جميع الفجوات المتبقية في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
وسيتطلب هذا الهدف أيضا أن تكثف واشنطن ضغوطها السياسية والدبلوماسية والعسكرية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأن تعمل مع الشركاء العرب لعزل حماس ومواصلة الضغط على قيادتها السياسية والعسكرية.
حتى هذه اللحظة، كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بيل بيرنز يشرف على مفاوضات وقف إطلاق النار والتي تجري على نحو هادئ مع الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الخصوصية.
وبدلاً من فرض القرارات، يفضل الوسطاء الدعوة إلى فترات راحة ثم إعادة الاجتماع في وقت لاحق لمناقشة الخلافات في ظل ما يأملون أن تكون ظروفاً أفضل ويعتمد هذا النهج على شراء الوقت والمساحة لمزيد من المناقشات بما يؤدي بمرور الوقت إلى تقليص الفجوات وصولا إلى منطقة اتفاق في النهاية.
ورغم أن هذه الأساليب كانت فعّالة في العديد من السياقات، فمن الواضح أنها لم تكن فعّالة في هذه الحالة.
أما الدبلوماسية المكوكية، وهو مصطلح صُنِع لوصف وساطة وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر بين إسرائيل والدول العربية بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، فهي تنطوي على مخاطر عالية وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى تفاقم الخلاقات مع تنقل الوزير بين أطراف متحاربة لا تتفاوض مباشرة مع بعضها البعض.
لكن هذه الطريقة تعمل لإجبار الأطراف المتحاربة على الاختيار بين تقديم تنازلات صعبة أو رفض طلب المسؤول الأمريكي وتحمل عواقب سلبية واضحة.
وأثناء الرحلات المكوكية، يسعى الوسيط إلى تعظيم الضغوط وحرمان الأطراف من الوقت للمماطلة، أو تأجيل القرارات، أو خذلان الوسطاء بلطف.
وكانت الدبلوماسية المكوكية أكثر فاعلية عندما كانت مصحوبة بعواقب واضحة لعدم الامتثال مع ممارسة الوسيط التهديد بإلقاء اللوم علناً على الطرف أو الأطراف المتمردة بسبب فشل المحادثات وهو ما فعله كسينجر في اتفاقيتي فك الارتباط بين إسرائيل ومصر وإسرائيل وسوريا من 1974 إلى 1975.
وليس شرطا أن تنجح الدبلوماسية المكوكية دائما وهو ما يؤثر على سمعة الولايات المتحدة وسبق أن فشلت إدارتا الرئيس رونالد ريجان والرئيس بيل كلينتون في هذا النوع من الدبلوماسية.
وهناك أيضا خطر أن يصبح أي طرف أقل استعدادا للتنازل بعدما اتخذ موقفا علنيا معارضا للولايات المتحدة، مما يجعل القضية مسألة فخر وشرف وغالبا ما تكون الجهات الفاعلة غير الحكومية، وخاصة التنظيمات، أقل حساسية للتسمية والتشهير من الدول القومية.
وحاليا تصبح المهمة أكثر تحديا في ظل صعوبة الوصول إلى زعيم حماس، يحيى السنوار والحدود التي تفرضها الولايات المتحدة على الحركة.
ورغم ذلك فإن الدبلوماسية المكوكية تمثل أفضل فرصة للولايات المتحدة وشركائها الإقليميين لإنهاء حرب غزة قريبا، وبالتالي توفير مسار لخفض التصعيد الإقليمي خاصة وأن نقاط الخلاف الحالية ليست مستعصية على الحل.
وتعتقد المجلة الأمريكية أن الحاجز الأساسي أمام التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس، كما قال بيرنز علناً، هو "مسألة إرادة سياسية"، وليس غياب الصياغات الذكية لسد الفجوات وبالتالي فإن المطلوب حاليا هو الضغط السياسي الذي يمكن أن يولده بلينكن من خلال التنقل في المنطقة.
ومع انسحابه من الانتخابات فإن بايدن في وضع أفضل لامتصاص التكاليف السياسية للدبلوماسية المكوكية الفاشلة مقارنة بالرئيس القادم أيا كان.
وسيتعين على بلينكن إقناع نتنياهو بأنه لديه ما يخسره ويمكن لإدارة بايدن أن تهدد علنًا بوصف نتنياهو بأنه خطر على الشراكة الأمريكية الإسرائيلية أو التعبير بوضوح عن فقدان الثقة في تعامله مع الحرب.
ورغم انخفاض شعبية بايدن في إسرائيل منذ بداية 2024، فإن 57% من الإسرائيليين بشكل عام و66% من الإسرائيليين يعبرون عن ثقتهم فيه مما يعني أن التوبيخ العلني لنتنياهو يمكن أن يؤثر على مواقف المسؤولين والمدنيين الإسرائيليين.
ويمكن لبايدن استخدام الأمر التنفيذي رقم 14115، الذي أصدره في فبراير/شباط الماضي، لمعاقبة الوزراء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذين يؤججون حالة عدم الاستقرار في الضفة الغربية.
ومن المرجح أن تزيد العقوبات الأمريكية من جاذبية الوزراء لدى اليمين المتطرف لكن وصمة العار المترتبة على تصنيفهم من قبل واشنطن التي تعد الحليف الأقرب لإسرائيل قد تولد المزيد من الضغوط على الحكومة.
وإذا لزم الأمر فيتعين على بايدن وبلينكن التهديد بحجب أنظمة الأسلحة الإضافية التي تورطت في سقوط ضحايا مدنيين في غزة واعتبرت غير ضرورية لأمن إسرائيل، مثل قذائف الفسفور الأبيض.
ومن الممكن إيجاد توازن بين تلبية متطلبات الأمن الإسرائيلية والتأكيد على أن واشنطن لن تدعم إلى أجل غير مسمى حربا تتسبب في سقوط العديد من المدنيين وتؤدي إلى انخفاض العائدات الأمنية.
وهذه التهديدات ليست غير مسبوقة في العلاقات بين البلدين ففي الماضي هدد كل رئيس أمريكي منذ ليندون جونسون، باستثناء كلينتون ودونالد ترامب بحجب، أو حجب بالفعل، أنظمة الأسلحة أو المساعدات الأخرى من أجل التأثير على السياسة الإسرائيلية.
ولأن واشنطن لا تتعامل مع حماس فستضطر إلى العمل مع الوسطاء العرب لتكثيف الضغوط على يحيى السنوار زعيم حماس الجديد ومن خلال إظهار الاستعداد للضغط على إسرائيل، ستكون إدارة بايدن في موقف أقوى لمطالبة الشركاء بالضغط على حماس والمطالبة بأن يفوض السنوار سلطة التفاوض لشخص خارج غزة لتسهيل الدبلوماسية المكوكية.