المثير للجدل والسخرية في آنٍ معاً هو نفي المحسوبين على التيار "الإخواني" وغيرهم، علاقات التعاون بين أنقرة وتل أبيب
نضطر دوماً أمام الترويج الكبير لوصف تركيا وحكومتها ورئيسها كطرفٍ معادٍ لإسرائيل، إلى التذكّير بالعلاقات المتينة بين أنقرة وتل أبيب، رغم محاولات البعض في العالم العربي نفي وجود هذه العلاقة التي لم تنقطع منذ اعتراف تركيا رسمياً بإسرائيل عام 1949 وإلى يومنا هذا، وحتى قبل هذا الاعتراف بسنوات كانت العلاقة قائمة بين الطرفين بحكم "الأمر الواقع"، كما تصف أنقرة علاقتها التاريخية مع إسرائيل.
والمثير للجدل والسخرية في آنٍ معاً هو نفي المحسوبين على التيار "الإخواني" وغيرهم، وجود علاقات سياسية ودبلوماسية وعسكرية واستخباراتية واقتصادية وأمنية بين أنقرة وتل أبيب، رغم أن كلا الجانبين لا ينفيان أبداً هذه العلاقات المستمرة بينهما منذ عقود بما يخدم مصالحهما المشتركة والمتداخلة في المنطقة لا سيما في دول الجوارين التركي والإسرائيلي.
ولا يتوقف جهل بعض داعمي جماعة "الإخوان المسلمين" عند هذا الحدّ، فهم يتهمون كلّ من يعادي مشروعهم التخريبي والاستعماري في العالم العربي بالعمالة لإسرائيل، علماً أن ـ سلطانهم رجب طيب أردوغان ـ هو من يتمتع بعلاقاتٍ متأصلة معها، ويكاد يكون شخصياً حليفها الوحيد في المنطقة، لا أولئك الّذين يحاربون مشروعه التركي دفاعاً عن أرضهم واستقرار بلدانهم.
الدعم الإسرائيلي للتحرّكات التركية في المنطقة هو حقيقة لا يمكن نفيها ولا يقتصر على مساعدة تل أبيب لأنقرة عسكرياً في ليبيا من خلال منحها طائراتٍ من دون طيار.
وآخر الفصول التي تؤكد متانة هذه العلاقات بين أنقرة وتل أبيب واستمرارها في التآمر على دول المنطقة وضرب استقرارها هو ما سرّبته وسائل إعلامٍ دولية، منها روسية حول حصول أنقرة على طائرات من دون طيار من تل أبيب تشبه التي تنتجها شركة صهر أردوغان والتي تعرف باسم عائلته "بيرقدار"، وقد استخدمتها القوات التركية والميليشيات المدعومة منها في ليبيا ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
وقد يعتقد البعض أن هذه التقارير غير دقيقة، و لكن ما ينفي هذه الفرضية، هو وجود عدّة اتفاقياتٍ مبرمة بين الكيانين أبرزها تلك التي وُقِعت حول استئناف علاقاتهما مجدداً منتصف العام 2016 بعد توتّراتٍ سادت بينهما إثر حادثة سفينة مرمرة عام 2010، وتضمنت عودة التنسيق الأمني والاستخباراتي بين أنقرة وتل أبيب إلى جانب تعهد الأخيرة بصيانة طائراتٍ حربية تركية والعودة لعقد صفقات الأسلحة بينهما، إلى جانب بنودٍ أخرى أبرزها عودة العلاقات الدبلوماسية إلى سابق عهدها.
لذلك، الدعم الإسرائيلي للتحرّكات التركية في المنطقة هو حقيقة لا يمكن نفيها ولا يقتصر على مساعدة تل أبيب لأنقرة عسكرياً في ليبيا من خلال منحها طائراتٍ من دون طيار، وإنما يكمن كذلك في محاولتها من تخفيف الضغوط العسكرية على الجيش التركي في سوريا.
وعلى سبيل المثال سُجلت ضربات إسرائيلية للجيش السوري جنوب البلاد بعد ساعاتٍ من مقتل جنودٍ أتراك شمالها وقد تكرر هذا الأمر بالفعل عدّة مرات قبل أشهر. وهذه أيضاً حقيقة تؤكد التناغم التركي ـ الإسرائيلي.
ويضاف إلى كلّ ذلك اعتراف الجيش الإسرائيلي بقصف منشآتٍ سورية عام 2007 انطلاقاً من قواعدٍ داخل الأراضي التركية، بذريعة وجود أسلحة نووية فيها، الأمر الذي نفته دمشق بشدة حينها.
هذه كلّها وقائع تؤكد بالدليل القاطع وجود مشروع تركي – إسرائيلي لزعزعة استقرار المنطقة من سوريا والعراق وصولاً إلى ليبيا خاصة وأن كلا الجانبين دعما ما يسمى بـ "الربيع العربي".
وفي حين استغلت أنقرة بعض الجهات السورية المعارضة لاستخدامها كمرتزقة في حروبها خارج الحدود، استقبلت تل أبيب معارضين سوريين بينهم عسكريين وسياسيين بذريعة تقديم العلاج للجرحى منهم ضمن أراضيها وهؤلاء أيضاً تستخدمهم إسرائيل اليوم لأهدافها الخاصة.
وبالتالي إن كلّ ما يجري في سوريا وليبيا ودول أخرى تشهد توتراتٍ أمنية في العالم العربي، يصب في مصلحة الكيانين، ويعني من دون أدنى شك وجود تعاون كبير بينهما كي يتمكن كلا الجانبين من تحقيق أهدافه، لذا يمكن وصف علاقتهما بعبارة واحدة: أنقرة وتل أبيب وجهان لمشروعٍ تخريبي واحد في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة