لدينا مشكلة كبيرة إذا كنا نقاتل الإرهابيين، وفي الوقت ذاته، تقوم ثلة من الفاسدين بتغذية وحماية تجار المخدرات
حتى شهر مايو/ آيار الماضي، لم يكن هناك وجود يذكر للإرهاب في بلدان غرب إفريقيا الساحلية. في مقابل ذلك، كان الجميع يعرف أنهم يختبئون في المناطق الحدودية بساحل العاج وغانا وبنين وتوغو وعلى الحدود بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر. وتتكون هذه الحدود، في الغالب، من مناطق غابوية كثيفة يتم استخدامها كملاذٍ للإرهابيين. ويبدو أن هناك ما يشبه الاتفاقية غير المكتوبة والتي تقضي بأن "أسمح لك بالتواجد مقابل عدم مهاجمتي".
ودفع الضغط على الإرهابيين في منطقة الساحل والسعي إلى تجنيد مقاتلين جدد تلك الجماعات إلى التوسّع، حتى عن طريق خلق اشتباكات بين القاعدة وداعش في غرب إفريقيا للسيطرة على الأراضي. وقاد هذا العنف تنظيم "داعش" في غرب إفريقيا إلى البدء في التوجه نحو البلدان الساحلية واحتلال المناطق المذكورة أعلاه.
لدينا مشكلة كبيرة إذا كنا نقاتل الإرهابيين، وفي الوقت ذاته، تقوم ثلة من الفاسدين بتغذية وحماية تجار المخدرات.
وأصبحت سواحل شرق إفريقيا الممتدة من الصومال إلى جنوب إفريقيا تُعرف باسم "ساحل الهيروين"، بينما أضحى الساحل الغربي يُعرف باسم "ساحل الكوكايين". ولهذه المناطق الحدودية أهمية استراتيجية كبرى لدى مهربي المخدرات، لأنها منطقة ممر إلزامية للعبور من هذه البلدان الساحلية إلى أوروبا. وخلال رحلة التهريب، يتحتّم المرور عبر المناطق الحدودية الممتدة لحوالي 2000 كيلومتر داخل أراضي سيطرة الجهاديين. ويجعل ذلك من الصعب للغاية الاعتقاد بعدم وجود تعاون بين الإرهابيين ومهربي المخدرات أو حتى أن الإرهابيين أنفسهم هم جزء من عصابات تهريب وتجارة المخدرات.
قد يبدو ذلك وكأنه جزء من نظريات المؤامرة، ولكن للأسف، يستند هذا الأمر إلى وقائع على الأرض. فقد أشارت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية مؤخرا إلى وجود صلات بين وزير الدفاع الإيفواري، حامد باكايوكو، وتجارة وتهريب المخدرات، وهو الخبر الذي وجد صداه في العديد من وسائل الإعلام وبقدر من التفصيل. الجزء السيئ في كل ذلك هو أن ثلاثة عشر جنديا إيفواريا كانوا في مهمة للدفاع عن حدود بلادهم مع بوركينا فاسو قد قتلوا على يد الإرهابيين. ونتساءل هنا: هل تمّت تصفيتهم حتى لا يكونوا شهوداً على المخالفات التي تُرتكب أم أن ذلك تم لأن حضورهم بدا مزعجاً؟ ومهما كانت الدوافع، فإن الأمر المثير للاشمئزاز هو أن هؤلاء الجنود فقدوا أرواحهم لمصلحة البعض، وأن الإرهابيين يسيطرون على منطقة بتبريرات وحجج واهية يتم ربطها غالباً بالدين، بينما يظل الهدف الخفي من وراء ذلك هو الثراء.
وأجبرت هذه الأحداث جهاز المخابرات الإيفوارية، الجدير بالتقدير، على سرد حقيقة ما حدث. لقد كان الهجوم على القوات الإيفوارية في كافولو في 11 يونيو/ حزيران 2020 معلوما منذ 5 يونيو/ حزيران بفضل عمليات التنصت على المكالمات الهاتفية. ويتعلق الأمر بخلية من مقاتلي "داعش" يتزعمها، سيديبا عبد الرحمن إلياس حمزة، وهو معروف جيداً لدى أجهزة المخابرات في بوركينا فاسو. هل كانت هناك رغبة بتحويل منطقة الغابات في شمال ساحل العاج إلى ملاذ للإرهابيين أو المهربين كما تُشير إلى ذلك كل الدلائل؟ يبدو أن الأمر كذلك.
وبعد يومين من الهجوم، أي في 13 يونيو/ حزيران 2020، تم نشر أسماء الإرهابيين من قبل قنوات غير رسمية. وبعد أسبوعين، أعطى وزير الدفاع في ساحل العاج اسم أحد عناصر الخلية دون ذكر اسم المجموعة التي ينتمني إليها. ولو لم يتم الضغط عليه في وسائل الإعلام، لقام بنسب هذا الهجوم إلى شخص بريء والتضحية به ككبش فداء واتهامه بمحاولة الانقلاب.
لدينا مشكلة كبيرة إذا كنا نقاتل الإرهابيين، وفي الوقت ذاته، تقوم ثلة من الفاسدين بتغذية وحماية تجار المخدرات من خلال تزييف الحقائق وتغيير المعلومات حسب ما يخدم مصالحهم. ومن المثير للقلق أنه قبل أسبوعين فقط من مجزرة ساحل العاج، تم اعتقال مدّع عام وثلاثة أشخاص متعاونين معه بمدينة كاندي "بنين"، بعد تخابرهم مع الإرهابيين المختبئين في حديقة في شمال البلاد وإطلاق سراح أحدهم.
إن مكافحة الإرهاب في إفريقيا معقّدة، ولكنها أكثر تعقيداً مع تغلغل الفساد في مختلف مفاصل الدولة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة