كشف فريق من العلماء عن أدلة جديدة على بداية عصر جيولوجي جديد على كوكب الأرض، ربما بدأ منتصف القرن الماضي.
يطلق العلماء على الحقبة الجديدة اسم "الأنثروبوسين Anthropocene"، أي عصر تأثير الإنسان، نسبة إلى التأثيرات الهائلة للبشر، التي تسببت في تغيير طبيعة الأرض، بما في ذلك الرواسب الناتجة عن التغيرات المناخية، والملوثات الكيميائية، ونواتج التجارب النووية.
وأعلن العلماء، في مؤتمر بالعاصمة الألمانية برلين، مساء الثلاثاء 11 يوليو/تموز، عن مزيد من الأدلة على بداية العصر الجيولوجي الجديد، وحددوا بحيرة "كروفورد" في كندا، كنقطة انطلاق رمزية لعصر "الأنثروبوسين"، والذي يقول الفريق العلمي إنه بدأ منذ عام 1950.
وأكد الفريق العلمي أن البحيرة الصغيرة، التي تبعد حوالي 50 كيلومترا عن تورنتو، تحتوي على معلومات عن بداية عصر تأثير الإنسان، حيث تمتلئ رواسب البحيرة العميقة بشكل مذهل بالأدلة على تأثير البشر على الأرض، تتضمن طبقة من النيتروجين نتيجة استخدام الأسمدة الكيميائية، والملوثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى رواسب نووية من البلوتونيوم.
جاء الإعلان عن تحديد بحيرة "كروفورد" كنقطة انطلاق للحقبة الجديدة، بناءً على توصية من قبل اللجنة الدولية للطبقات الأرضية، إحدى منظمات الاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية، بتكليف "مجموعة عمل الأنثروبوسين" لتحديد ما إذا كانت الأرض قد دخلت بالفعل حقبة جيولوجية جديدة، على أن يتم عرض النتائج أمام المؤتمر الجيولوجي الدولي في كوريا الجنوبية العام المقبل.
وعمل العلماء على دراسة نحو 11 موقعاً مرشحاً لإعلان أحدهم كموقع "السنبلة الذهبية"، الذي يمكن عن طريقه قياس تاريخ بداية ونهاية الحقبة الجيولوجية، ويتم تحديده من خلال محتويات الحفريات التي تشير إلى حدث عالمي كبير، ومن تلك المواقع بحيرة "سيهايلونغوان" البركانية في الصين، وخليج "بيبو" على الساحل الياباني، إضافة إلى بحيرة "كروفورد" في كندا.
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، فقد تمت صياغة مصطلح الأنثروبوسين لتوضيح مدى تأثير التراكم المتسارع لغازات الاحتباس الحراري على مناخ الأرض وعلى التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى الأضرار الدائمة، والتي لا رجعة فيها، الناجمة عن إفراط البشر في استهلاك الموارد الطبيعة المحدودة للكوكب.
ويقسم العلماء تاريخ الأرض، الذي يمتد لنحو 4.6 مليار سنة، إلى عصور وحقب جيولوجية، ترتبط بداياتها ونهاياتها بالأحداث الكبرى، وفي حال إذا ما تمت الموافقة على التوصية بالإعلان عن بداية عصر "الأنثروبوسين" رسمياً فإن ذلك يعني نهاية حقبة "الهولوسين Holocene"، التي يعود تاريخها إلى ما يقرب من 11700 سنة، وتُعرف بالعصر الحديث.
الباحثة الرئيسية في المعهد البرازيلي للمعلومات في العلوم والتكنولوجيا ليز رجان إيسبرنر أكدت، لـ"العين الإخبارية"، أن هناك نقاشا محتدما بين العلماء بشأن بداية العصر الجيولوجي الجديد، مما أدى إلى تأخر الإعلان عن بداية حقبة "الأنثروبوسين"، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الأيديولوجيات الاستهلاكية لدى البشر، إضافة إلى ضغوط أصحاب المصلحة من الشركات والتحالفات الاقتصادية.
وأضافت إيسبرنر أن العلماء بدأوا، قبل عقود، في تحليل تأثيرات النشاط البشري على طبيعة الأرض، إلى أن وجدوا، خلال السنوات الأخيرة، العديد من عوامل التأثير المباشرة، منها حجم الانبعاثات الهائلة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، التي تسببت بالفعل في ارتفاع حرارة الأرض، وارتفاع مستوى سطح البحر، كما تسببت في موجات مدمرة من الفيضانات والجفاف.
ووفقاً للباحثة البرازيلية، فقد ظهر مصطلح "الأنثروبوسين" من طرف عالم الأحياء الأمريكي أوجين ستورمر، مع ظهور مشكلة ثقب الأوزون، ومع بداية الألفية الجديدة استخدم العالم الهولندي بول كروتزون، الحائز على جائزة نوبل للكيمياء، مصطلح "الأنثروبوسين" للدلالة على بداية عصر تأثير الأنشطة البشرية في إحداث تغييرات إيكولوجية وجيوفيزيائية على كوكب الأرض.
وأشارت إلى أن العالمين الأمريكي والهولندي اتفقا على أن التغييرات التي شهدها الكوكب، منذ اختراع المحرك البخاري في أواخر القرن الـ18، وبداية استخدام الطاقة الأحفورية والثورة الصناعية، تخرج نظام الأرض من التوازن النسبي، الذي تعيشه منذ بداية عصر الهولوسين، واقترحا عام 1784 كنقطة رمزية لبداية العصر الجيولوجي الجديد.
وعمل البرنامج الدولي للغلاف الأرضي والمحيط الحيوي، مشروع علمي واسع ومتعدد التخصصات، على جمع بيانات حول تأثير الأنشطة البشرية في تغيير خصائص نظام الأرض، خلال الفترة بين عامي 1987 و2015، وأظهرت النتائج أن الكوكب يشهد تراكماً متسارعاً لانبعاثات الاحتباس الحراري، خاصة غاز ثاني أكسيد الكربون، مما تسبب في تفاقم التغيرات المناخية.
ووفق موقع اليونسكو فقد وضع فريق من العلماء بمركز ستوكهولم للمرونة، بقيادة السويدي يوهان روكستروم والأمريكي ويل ستيفن، بوضع قائمة تضم 9 محددات من شأن تجاوزها أن يشكل خطراً جسيماً على نظام الأرض، وتبين أن 4 من ضمن تلك المحددات قد تم تجاوزها بالفعل، وهي المناخ، والتغير في الغطاء النباتي، وتدهور التنوع البيولوجي، وتقلص أعداد الحيوانات، فيما يطلق عليه العلماء اسم "الانقراض الجماعي السادس".
كما أظهرت نتائج التي أجراها فريق الباحثين أن جميع المؤشرات المتاحة حول استهلاك الموارد الأولية، واستخدام الطاقة، والنمو الديموغرافي، والنشاط الاقتصادي، وتدهور المحيط الحيوي، قد ارتفعت بقوة بعد الحرب العالمية الثانية، وقاموا بتسمية هذه المرحلة، باسم "التسارع العظيم".
وقال فيل غيبارد، أمين اللجنة الدولية لطبقات الأرض، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، إن العلماء يرون أن نقطة التحول هي منتصف القرن العشرين، عندما شهدت جميع المؤشرات على مدى التأثير البشري في رواسب الأرض، ارتفاعاً كبيراً، وهي فترة "التسارع العظيم"، معتبراً أن عصر الهولوسين كان مجرد حقبة جليدية بينية.
أما يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام للأبحاث، والذي قاد فريق ستوكهولم للمرونة، فقد شدد على قوله: "علينا أن نعترف بوجود نقاط تحول في نظام الأرض"، واعتبر أن الإعلان رسمياً عن بداية عصر تأثير الإنسان، كحقبة جيولوجية جديدة، من شأنه أن يدفع البشر إلى التفكير العلمي بشمل أكبر، للتركيز على التحديات المستقبلية التي أصبحت تهدد الحياة على كوكب الأرض.