في يوم الجمعة 21 فبراير/شباط عام 1958، جرى في مصر وسوريا في وقت واحد استفتاءان شعبيان على قيام وحدة اندماجية بينهما.
وانتهى الاثنان إلى موافقة شعبية تعدت في كل من البلدين نسبة 99%، ليعلن في اليوم التالي السبت 22 فبراير/شباط أول وحدة اندماجية في التاريخ العربي الحديث، ولتظهر للوجود: الجمهورية العربية المتحدة، بإقليمها الجنوبي وهو مصر، وإقليمها الشمالي وهو سوريا.
وفي فجر يوم الخميس 28 سبتمبر/أيلول 1961، وقع انقلاب جديد في سوريا، هو السادس في سلسلة توالت منذ عام 1949، ليطيح بالوحدة الوليدة والجمهورية العربية المتحدة التي لم تكمل السنوات الأربع، ولتعود مصر وسوريا إلى وضعهما السابق على الوحدة، بلديْن مستقلين.
حملت سوريا بعد الانفصال اسمها الجديد الذي ظل معها حتى اليوم: الجمهورية العربية السورية، بينما ظلت مصر تحتفظ باسم دولة الوحدة، أي الجمهورية العربية المتحدة، طوال حياة الرئيس جمال عبدالناصر التي انتهت بوفاته، وبترتيب القدر عام 1970 في نفس يوم انفصال سوريا وانهيار الوحدة معها، يوم 28 سبتمبر/أيلول ذاته.
ولم يتغير اسم الجمهورية في مصر سوى بعد رحيل عبدالناصر وفي دستور البلاد الدائم الذي صدر في سبتمبر/أيلول 1971، في عهد الرئيس محمد أنور السادات، ليصبح الاسم الحالي، أي جمهورية مصر العربية.
كانت الوحدة المصرية – السورية في زمنها، علامة كبرى ومهمة في تطور التيار القومي العربي وطموح قطاعات واسعة من الشعوب العربية حينها إلى تحويل القسمات والخصائص والعناصر المشتركة فيما بينهم، إلى حالة سياسية تتخذ شكلاً من أشكال الوحدة.
وكانت هذه الأفكار والطموحات القومية العربية "الوحدوية" قد بدأت في أخريات الحكم العثماني لعديد من الدول العربية، وخاصة المشرقية منها، وتوالت أسماء المفكرين والدعاة لها والتيارات السياسية المؤيدة لها، طوال عقود القرن العشرين وخصوصاً في بدايات النصف الثاني منه.
وكان إنشاء جامعة الدول العربية في 22 مارس/آذار 1945، قبيل الانتهاء الرسمي للحرب العالمية الثانية باستسلام كل من ألمانيا واليابان بعد شهور قليلة، سابقاً على قيام منظمة الأمم المتحدة التي أعلنت رسمياً في 24 أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، بعد استسلام دولتي "المحور".
ولم تنشأ الجامعة العربية من فراغ، بل سبق قيامها الرسمي دعوات سياسية وفكرية من رموز قومية عربية، أفراداً وتيارات، ومباحثات متوالية بين قيادات الدول العربية التي كانت قد حصلت وقتها على استقلالها السياسي، حتى لو بدا شكلياً.
وتشكلت الجامعة الجديدة حينها من 7 من هذه الدول، هي مصر، وسوريا، والمملكة العربية السعودية، وشرق الأردن، ولبنان، والعراق، واليمن.
ومع تنامي مشاعر وشعبية الأفكار القومية العربية الساعية للتوحد العربي خلال نهاية سنوات الأربعينيات وعقد الخمسينيات، وتزايد انتشارها في أوساط مختلف النخب السياسية والثقافية في كل الدول العربية تقريباً، كان التحاق قائد ثورة يوليو/تموز 1952 جمال عبدالناصر بها طبيعياً، وصاغ هذه القناعة بهذه الأفكار في كتابه السياسي - الفكري الأول "فلسفة الثورة"، الذي جعل فيه الدائرة الأولى لانتماء مصر هي الدائرة العربية، والتي لحقت بها الدائرة الأفريقية وبعدها الدائرة الإسلامية.
وتوالت تفاعلات مصر – عبدالناصر مع الفكرة القومية العربية في الممارسة، بصورة جعلته أكثر اقتناعاً بها وسعياً إلى تحقيق الوحدة، وكانت أبرزها الوقفة العربية الموحدة مع مصر ضد العدوان الثلاثي عام 1956، من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل.
وتحول "ناصر" من ملتحق بهذه الفكرة، إلى الرمز السياسي الأكبر والأهم في التاريخ العربي المعاصر للقومية العربية.
وقد كانت هذه القناعات لدى عبدالناصر وتلك المكانة التي اكتسبها كرمز لهذه الفكرة، هي التي دفعته في بداية عام 1958 لقبول فكرة الوحدة الاندماجية مع سوريا، التي طلبها منه بإلحاح مجموعة من الضباط السوريين المؤمنين بها، على الرغم من أن المعطيات الواقعية للبلدين، وبعض الآراء التي أبداها هو بنفسه لهؤلاء الضباط، كانت تشير إلى أن عناصر استمرار "الجمهورية العربية المتحدة" أقل من عناصر انهيارها، وهو ما جرى بالفعل قبل أن تكمل من الزمن 4 سنوات.
بالرغم من كل شيء، تظل هذه التجربة الفريدة في سبقها التاريخي في عالمنا العربي، رائدة وموحية بكل عناصرها، سواء الإيجابية التي دفعت إليها، أو السلبية التي أدت إلى انهيارها.
في الحالتين، أصبح لدينا في تاريخنا العربي المعاصر "تجربة" يمكن الرجوع إليها والاستفادة من خبراتها في عالمنا الراهن والمستقبلي، إذا ما كان "حلم" الوحدة العربية ما زال قائماً.
diaarashwan@gmail.com
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة