الناخبون العرب.. خسرهم بايدن فهل تخطفهم هاريس؟
تاريخيا، عُرف عن العرب المسلمين في الولايات المتحدة، تأييدهم للحزب الديمقراطي، إلى أن جاءت حرب غزة، وتغير المزاج.
فقد ترك موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن الحرب بين إسرائيل وغزة شعورا بالغربة لدى بعض الأمريكيين العرب، وتخلوا عنه في الانتخابات التمهيدية، وهددوا بمقاطعة التصويت للحزب في الانتخابات الرئاسية المقررة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
بالنسبة للناخبين العرب، كان بايدن هو أكبر مشجع للهجوم الإسرائيلي العقابي والمتواصل على قطاع غزة، والذي أودى بحياة أكثر من 39 ألف فلسطيني على مدار ما يقرب من 10 أشهر، وفقا لوزارة الصحة التي تقودها حماس في غزة.
تقول ياسمين الجمل، وهي أمريكية من أصل عربي ومستشارة سابقة في البنتاغون لشؤون الشرق الأوسط لمجلة "التايم" الأمريكية: "لا أعتقد أن بايدن كان متوازنا كما كان من الممكن أن يكون، وكان ذلك مؤلما حقا لكثير من الناس".
وتشير الجمل إلى أن موقف بايدن من الحرب على قطاع غزة، جعلها وغيرها يشعرون "بعدم الأولوية كبشر بسبب هويتهم".
وتقول المجلة إنه كان لهذا الشعور تأثير ملموس. ففي غضون الشهر الأول من الحرب، انخفض دعم الأمريكيين العرب لبايدن والحزب الديمقراطي إلى أدنى مستوياته على الإطلاق.
وبدا أن ولاية ميشيغان، وهي ولاية ساحة معركة حاسمة تضم أحد أكبر التجمعات السكانية الأمريكية العربية في البلاد، خاسرة تقريبا.
وخلال الفترة التي أعقبت اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أطلق بعض العرب والمسلمين في ميشيغان حملة “التخلي عن بايدن” – وهي جزء من حركة وطنية أوسع لا تزال متواصلة.
هل تستعيد هاريس الناخبين العرب؟
ومع خروج بايدن من السباق، فإن السؤال السائد الآن هو: هل تستطيع نائبة الرئيس كامالا هاريس استعادتهم؟
حتى الآن، يبدو أن هناك تفاؤل حذر. يقول العديد من الناشطين والمحللين العرب الأمريكيين الذين تحدثوا مع مجلة "التايم".
وينتظر هؤلاء معرفة التغييرات، إن وجدت، والتي ستتعهد المرشحة الديمقراطية المفترضة بإدخالها على سياسة الولايات المتحدة بشأن غزة إذا فازت في نوفمبر/تشرين الثاني.
ووفق ما طالعته "العين الإخبارية" في المجلة ذاتها، يدرك معظم هؤلاء أن هاريس لديها القدرة على إقامة علاقة أفضل مع الأمريكيين العرب من سلفها.
يقول جيمس زغبي، مؤسس ورئيس المعهد العربي الأمريكي، لـ"التايم" عن قرار بايدن الانسحاب من السباق،"هناك شعور بالأمل".
ووجد أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة زغبي على مستوى البلاد بين الأمريكيين العرب، والذي أجري في مايو/أيار الماضي، أن الأغلبية الساحقة (79٪) لديهم وجهة نظر غير مواتية للرئيس بايدن.
ورغم أن المعهد الأمريكي للأبحاث السياسية لم يجرِ استطلاعات رأي بعد بشأن آراء الناخبين تجاه هاريس، يرى زغبي أنها كانت أكثر تعاطفا إلى حد كبير.
وأضاف "لقد تواصلت مع المجتمع والأفراد بطرق مختلفة لإبلاغهم بمخاوفها، وكان موظفوها متجاوبين، وهو ما يختلف كثيرا عن البيت الأبيض".
على الرغم من العداء العميق تجاه بايدن، يشير زغبي إلى أن استطلاعات الرأي التي أجراها المعهد الأمريكي العربي أظهرت أن الديمقراطيين يمكنهم استعادة الكثير من الدعم الذي فقدوه بين الناخبين العرب - الذين انضم العديد منهم إلى الحملة "غير الملتزمة" في محاولة للضغط على بايدن لتغيير مساره بشأن غزة.
وفي الاستطلاع المذكور أعلاه، قال 60% من المشاركين إنهم سيكونون أكثر ميلا للتصويت لصالح بايدن في نوفمبر/تشرين الثاني إذا طالب بوقف فوري لإطلاق النار ومساعدات إنسانية غير مقيدة إلى غزة أو إذا عّلق الدعم الدبلوماسي وشحنات الأسلحة إلى إسرائيل حتى تنفذ وقف إطلاق النار وتسحب قواتها من القطاع.
وفي حين كشف بايدن عن اقتراح لإنهاء الحرب يتضمن وقف إطلاق نار لمدة ستة أسابيع وانسحاب إسرائيل من المناطق المأهولة بالسكان في غزة، إلا أنه كان أقل استعدادا لحجب المساعدات العسكرية عن إسرائيل، باستثناء أكبر كمية من الذخائر فقط.
ما بين بايدن وهاريس
وفيما لم تعلن هاريس عن أية انحرافات سياسية كبيرة عن بايدن عندما يتعلق الأمر بغزة، إلا أنها تعهدت مرارا وتكرارا بدعم أمن إسرائيل.
وبدلا من ذلك، عرضت على الأمريكيين نهجا خطابيا مختلفا. ففي مارس/أذار الماضي، أصبحت أول مسؤول كبير في الإدارة يدعو إلى وقف إطلاق النار الفوري في غزة.
وكانت أيضا أسرع من بايدن في دق ناقوس الخطر بشأن الكارثة الإنسانية في الجيب الفلسطيني المحاصر، حيث أُجبر العشرات من الفلسطينيين على العيش في ظروف غير إنسانية تشبه المجاعة، وألقت باللوم صراحة على الحكومة الإسرائيلية لدورها في خلق الأزمة.
وعلى عكس بايدن، الذي أكسبه تفويضه الطويل لإسرائيل سمعة كونه ربما الرئيس الأمريكي الأكثر تأييدا لتل أبيب في التاريخ، لطالما اعتبرت هاريس أكثر تعاطفا عندما يتعلق الأمر بالإسرائيليين والفلسطينيين.
وفي هذا الصدد، تقول هالة رهاريت، الدبلوماسية الأمريكية السابقة والمتحدثة باللغة العربية في الحكومة الأمريكية والتي استقالت في وقت سابق من هذا العام احتجاجا على سياسة إدارة بايدن تجاه غزة، لمجلة "التايم"، إن وزارة الخارجية اعتمدت غالبا على خطاباتها عند التواصل مع العالم العربي لهذا السبب.
ويأمل بعض الأمريكيين العرب في أن يجعل هذا السجل هاريس مناسبة بشكل فريد لإصلاح الانقسام داخل الحزب الديمقراطي نتيجة للحرب على غزة.
وهو ما عبّر عنه سامي الخالدي، رئيس نادي ديربورن الديمقراطي ومندوب بايدن السابق لعام 2020 والذي من المقرر أن يعيد تمثيل دوره في المؤتمر الديمقراطي القادم في شيكاغو: "أعتقد أنها الوحيدة التي يمكنها توحيدنا".
ويشير إلى أنه في حين لا يزال الأمريكيون العرب في مجتمعه يريدون الانتظار ورؤية من قد تختاره هاريس كنائبة لها، "فإنهم يفضلونها على ترامب".
غير أن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة لواشنطن، تبقى اختبارا مبكرا لكيفية تعامل هاريس مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إذا فازت بالرئاسة. وفق المجلة.
إذ رحّب العديد من الأمريكيين العرب والديمقراطيين التقدميين المنزعجين من سلوك إسرائيل في غزة بقرار هاريس بعدم رئاسة خطاب نتنياهو أمام الكونغرس.
وبالنسبة لطارق حبش، وهو فلسطيني أمريكي أصبح في وقت سابق من هذا العام ثاني شخص معين سياسيا يستقيل بسبب سياسة إدارة بايدن تجاه غزة، فهو "متفائل، لكنه ينتظر".
ويقول هو وآخرون إنه في حين أنهم واقعيون بشأن ما هو ممكن عندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فإنهم يعتقدون أيضا أن هناك مجالا للتغيير.
عرب ومسلمو أمريكا.. العدد والثقل
بحسب المعهد العربي الأمريكي والإذاعة الوطنية، بلغ عدد الأمريكيين من أصول عربية ومسلمة أكثر من 3.7 مليون في الولايات المتحدة، من إجمالي 332 مليون نسمة في الولايات المتحدة.
ووفق بيانات التعداد السكاني لعام 2020 بلغ عدد الأمريكيين الذين قالوا إنهم من أصول عربية 2.2 مليون شخص.
ويقع أكبر تجمع للأمريكيين العرب والمسلمين في منطقة ديربورن الكبرى بولاية ميشيغان - التي أسهمت في وصول ترامب للحكم عام 2016 قبل أن تنقلب لصالح بايدن في سباق 2020.
ويرجع مراقبون تغير مزاج الناخب العربي والمسلم ضد ترامب في 2020، إلى سياسته المنحازة لإسرائيل خاصة قراره نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
كما أنه استهل ولايته بإعلانه عن إجراءات تمنع دخول مواطني دول مسلمة إلى الولايات المتحدة، قبل أن يبطل القضاء الأمريكي هذا الإجراء.
ويتوزع عرب ومسلمو أمريكا على ولايات أخرى مثل:
كاليفورنيا
فلوريدا
تكساس
بنسلفانيا
إلينوي
نيويورك
فرجينيا
في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2020، أدلى نحو 71 بالمائة من الناخبين المسلمين المسجلين في الولايات المتحدة بأصواتهم، بحسب إحصاء أجرته مجموعة Emgage، وهي جماعة مدنية أمريكية مسلمة.
وكشف الإحصاء أن ما يقرب من 1.1 مليون ناخب مسلم شاركوا بأصواتهم في الانتخابات، وأن أصواتهم ساهمت بشكل لافت في الاستحقاق الذي فاز به بايدن ضد ترامب.
وفي الولايات الاثنتي عشرة التي عملت فيها المنظمة وحشدت الناخبين المسلمين، زاد عدد الناخبين المسلمين المسجلين بنسبة 27 في المائة.
ففي ولاية بنسلفانيا، التي فاز فيها بايدن بما يقرب من 81000 صوت، شارك حوالي 125000 ناخب مسلم.
وفي جورجيا، حيث فاز بايدن بما يقرب من 12000 صوت، حضر أكثر من 61000 ناخب مسلم إلى صناديق الاقتراع.