كسر التحرك العربي اتجاه سوريا، حالة الستاتيكو التي هيمنت على أزمة سوريا خلال السنوات الماضية واجتماع جدة التشاوري الذي جاء في سياق الاهتمام العربي بهذه الأزمة وضع ما يشبه خريطة طريق لها، وسط قناعة عامة بأنه لا جدوى من بقاء سوريا معزولة عن محيطها العربي.
ولعل زيارات وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى عدد من الدول العربية، مقابل زيارات عربية رفيعة المستوى إلى سوريا، تؤكد أهمية بث الروح في هذه التحركات المأمول منها إعادة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية خلال القمة العربية المقررة عقدها في السعودية الشهر المقبل، ليكون العمل العربي المشترك إطاراً للعمل من أجل حل منشود.
وفي هذا ينبغي النظر إلى النهج الشجاع لدولة الإمارات عندما قررت إعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2018، وبذلت جهودا كبيرة لبلورة ما نشهده اليوم من حركة عربية تجاه أزمة سوريا، ومحاولة نقلها إلى مرحلة جديدة في ضوء المتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم.
أهمية التحرك العربي اتجاه سوريا تنبع من عدة عوامل، لعل أهمها:
1- إن الأزمة الإنسانية في سوريا بلغت مرحلة غير مسبوقة، لا سيما بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا فجر السادس من فبراير/ شباط الماضي، حيث أدت الحرب إلى موجة هجرة غير مسبوقة، وتدمير البنية التحتية للبلاد، وشح كبير في المواد الأساسية، وهو ما ضاعف من أزمة السوريين في كل الاتجاهات، وبات الوضع يتطلب تدخلا عربيا يخفف من الجراح، ويضع البلاد على طريق استعادة عافيتها.
2- إن تجربة العقد الماضي لأزمة سوريا، أكدت أن الحل الوحيد لهذه الأزمة هو سياسي كما جاء في بيان اجتماع جدة التشاوري، وأن الاستمرار في الرهان على الوسائل العسكرية لن يؤدي سوى إلى المزيد من العسكرة والدمار والتدمير لسوريا والسوريين، وهو يعني إطالة الأزمة إلى ما لا نهاية منظورة.
3- إن التحرك العربي يشكل مدخلا لا لنقل أزمة سوريا إلى مسار الحل السياسي فحسب، بل إلى مرحلة البحث عن مستقبل الوجود الأجنبي في سوريا والحد من التدخلات الإقليمية والدولية في هذه الأزمة، ولعل المناخات التي أشاعها الاتفاق السعودي - الإيراني برعاية صينية، وكذلك التقارب التركي مع الدول العربية، يشكلان مدخلا مناسبا لبحث مستقبل هذا الوجود، وصولا إلى خريطة طريق لإخراجها في إطار توافقات إقليمية ودولية للحل، وبما يؤدي كل ذلك إلى استعادة الدولة السورية وحدة أراضيها، والانخراط في حل سياسي منشود ومقبول، وعودة اللاجئين والنازحين من الخارج، كل ذلك عبر دفع السوريين إلى حوار بدلا من التخندق ولغة القوة والحرب.
4- إن الظواهر التي أوجدتها سنوات الحرب من تنظيمات إرهابية على رأسها داعش والنصرة وحراس الدين، وكذلك مليشيات تهدد أمن دول المنطقة، وتهريب للمخدرات، وغيرها من المشكلات والظواهر الخطرة، لا يمكن حلها إلا من خلال تعاون مشترك في إطار عربي وإقليمي مع الجانب السوري، ووضع آلية عملية لإيجاد حل تدريجي لهذه المشكلات التي تهدد أمن الجميع ومستقبلهم.
من دون شك، التحركات العربية تجاه أزمة سوريا تأخذ إلى الآن شكل تهيئة الظروف لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وهو مسار من شأنه دفع الدول الكبرى إلى مراجعة سياستها السابقة تجاه أزمة سوريا، خاصة إن الزلزال المدمرة فتح نافذة دبلوماسية للتعامل معها سياسيا، كما أن الانشغال الغربي بالأزمة الأوكرانية - الروسية، والصينية- التايوانية، دفع إلى الاعتقاد بأن أزمة سوريا لم تعد مشكلة تشكل أولوية لها.
ويمكن البناء على التحرك العربي في الانتقال إلى مرحلة جديدة في التعامل مع أزمة سوريا، وما المبادرة الأردنية التي تقوم على مبدأ خطوة مقابل خطوة، والتي تجري بعلم الإدارة الأمريكية إلا تعبير يمكن البناء عليها سياسيا، وهو ما يضع الجهود العربية في امتحان مع نفسها، وأهمية تجاوز التباينات الحاصلة من خلال التوافق، من أجل استعادة سوريا إلى محيطها العربي وإيجاد حل لأزمتها، وبما يشكل كل ذلك نجاحا للدبلوماسية العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة