العرب وروسيا حول سوريا.. تطابق الهدف واختلاف الأدوات
العرب وروسيا متفقان على وحدة الأراضي السورية، لكنهما مختلفان على أدوات تحقيق هذه الوحدة
في مارس/آذار من العام الماضي، سرت شائعة بأن قوى كبرى قريبة من محادثات السلام بشأن سوريا تبحث إمكانية تقسيمها اتحاديا بشكل يحافظ على وحدتها كدولة، ويمنح السلطات الإقليمية فيها حكما ذاتيا موسعا.
وقتها خرج المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في 12 مارس/آذار الماضي بتصريح لا يقبل التأويل، إذ قال إن "الحفاظ على وحدة أراضي سوريا يعد هدفا أساسيا بالنسبة لروسيا".
هذا الهدف الذي أعلنته تصريحات بيسكوف، يتطابق مع الأهداف التي تعلنها أغلب الدول العربية، والتي تأتي تصريحات قياداتها مؤكدة تماما على أهمية وحدة الأراضي السورية، ولكن يقف "بشار الأسد" كحجر عثرة في طريق التطابق الكامل بين الموقفين.
وتتخذ أغلب الدول العربية موقفا رافضا للرئيس السوري بشار الأسد، وترى أن أي حل للأزمة للحفاظ على وحدة الأراضي السورية يجب أن يتضمن تنحيته، بينما تدعم روسيا بقاءه كضمان لتحقيق هذا الهدف.
هذا الاختلاف في الأدوات اللازمة لتحقيق الهدف، وإن كان يبدو "ظاهريا" كخلاف كبير، إلا أنه "عمليا" ليس كذلك.
ويعطي اتفاق الهدف فرصة للتفاوض على أدوات تحقيقه، وصولا إلى التطابق الكامل، وهذا ما لا يوجد في الموقف الإيراني من الأزمة السورية، والذي يشعر البعض أحيانا أنه قريب من الموقف الروسي، بخلاف الواقع.
ويأتي الشعور بتقارب الموقف الروسي والإيراني من دعمها لبشار الأسد، ولكن الاختلاف أن إيران تدعمه من منظور طائفي، لمساعدتها في استقطاع جزء من سوريا ضمن ما يعرف بـ"الهلال الشيعي"، بينما روسيا تدعمه من منظور سياسي.
وإذا كانت المواقف في السياسة لا تعرف الثوابت ويمكن أن تتغير من حين لآخر، فإن ذلك يعطي أملا بتغير الموقف الروسي، بينما لا يبدو الوضع كذلك عندما تتخذ المواقف من منظور طائفي، إذ لا تعرف المواقف من هذا النوع ديناميكية السياسة.
من هذا المنطلق فإن التدخل الروسي في الأزمة السورية، وإن كان لا يزال إلى الآن مرفوضا بالنسبة لأغلب الدول العربية، فإنه من وجهة نظر منصفة قد حرم المنظور الطائفي الإيراني من الانفراد بإدارة الملف السوري، وهو ما يصب في قلب المصلحة الاستراتيجية العربية.
ويعكس الموقف الإيراني من مؤتمر "الأستانة" الذي استضافته العاصمة الكازخية مؤخرا، ترجمة لهذا التوجه الطائفي، إذ كانت حريصة على إفشاله، حتى قبل أن يبدأ.
وآثارت إيران قبل بداية المؤتمر مسألة مشاركة أمريكا في المحادثات، الأمر الذي دفع موسكو إلى اتهامها بمحاولة عرقلة الحوار.
وقال دميتري بيسكوف، الناطق باسم الكرملين، إن "موقف إيران يسهم في تعقيد مسألة مشاركة واشنطن في المفاوضات".
ولم تكتفِ بذلك، بل حاولت تسميم الأجواء بتصريحات استفزازية، مثل قول رئيس وفدها في المفاوضات حسين أمير عبداللهيان، مساعد رئيس مجلس الشورى للشؤون الدولية، قبل انطلاقها، إن "المبادرة إلى عقد اجتماع كازاخستان جديرة بالاهتمام، لكن أي حل سياسي يجب ألا يحول إرهابيي الأمس إلى ساسة اليوم"، حسب وكالة فارس الإيرانية.
وبعد انتهاء المؤتمر، عملت إيران بشكل مباشر على إجهاض نتائج المؤتمر، وحرصت على خرق الهدنة عن طريق إعطاء أوامرها لمليشيات "حزب الله" لمواصلة هجماتها على بلدات وادي بردى بريف دمشق، الأمر الذي أحرج روسيا الضامنة للاتفاق.
وكان رئيس وفد المعارضة السورية في محادثات أستانة محمد علوش، قد استشعر هذه المشكلة قبل مفاوضات الأستانة، وقال "إن رغبة روسيا في الانتقال من دورها القتالي في سوريا إلى دور محايد تعرقلها إيران والنظام السوري".
لكنه شدد في الوقت ذاته، على أن عدم تمكن موسكو من الضغط على إيران والنظام السوري لوقف -ما تصفها المعارضة بالانتهاكات واسعة النطاق- إطلاق النار الذي توسطت فيه تركيا وروسيا، سيوجه ضربة للنفوذ الروسي في سوريا.
فهل تستطيع روسيا الحفاظ على نفوذها في مواجهة إيران، بما يساعدها لاحقا في قيادة مفاوضات تفضي إلى حل وسط ينهي الاختلاف مع العالم العربي حول مصير بشار الأسد؟
الواقع يقول إنها قادرة على ذلك، ولكنها لم تتخذ بعد قرار تحجيم إيران، وإن كانت الشواهد تقول إنه آت لا محالة، بعد أن أصبح دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.
ويتخذ ترامب -في تصريحاته- موقفا معاديا لطهران، وهو في المقابل على توافق مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين، ومن ثم فإن المتوقع منهما العمل سويا على تحجيم الدور الإيراني في سوريا، وهو أمر بلا شك يخدم المصلحة العربية.
aXA6IDMuMTI4LjIwMS4yMDcg جزيرة ام اند امز