الواقع العربي لم يتغير كثيرا خلال ساعات القمة العربية التي عُقدت في عمّان، ولكن دون أي شك كانت هناك ملامح لغد عربي أفضل
لم يتغير الواقع العربي كثيرا خلال ساعات القمة العربية التي عُقدت في عمّان، ولكن دون أي شك كانت هناك ملامح لغد عربي أفضل قد ظهرت بوادره في هذه القمة.
لا يمكننا إنكار أن الأزمات مستمرة؛ فالإرهاب لا يزال يطل بوجهه القبيح في منطقتنا العربية، وما زال الصراع قائما في سوريا، ومحاولات الانقلابيين في اليمن تتواصل بدعم من إيران؛ لزعزعة استقرار هذا البلد العروبي الأصيل، وهناك الأزمة الليبية وتداعيات ما عُرف زيفًا بالربيع العربي الذي طالت مصائبه العديد من دولنا.
ولكن لا يمكن التعامل مع هذه القمة العربية على أنها لحظة انتقال من حال إلى حال، بل عادة ما تكون القمم بداية طريق، وفي هذا السياق فإن المراقب للشأن العربي بحرص؛ سيرى في قمة عمّان بداية لطريق جديد للعالم العربي.
تلك البداية التي قد ظهر جليا من خلالها أن الجميع أصبح مدركا أن الإرهاب خطر تجب مواجهته بمختلف السبل دون أي تساهل أو تراخٍ، وأن مواجهته يجب أن تكون شاملة، وجزء من هذه المواجهة هو مواجهة أفكار التطرف والعنف، صحيح أنه لم يشِر البيان تحديدا إلى أفكار الإخوان التي أسست عنفا وإرهابا طال عالمنا العربي لما يقرب من 90 عاما، لكن المواجهة الفكرية ودعم المؤسسات الدينية وفي مقدمتها الأزهر الشريف ستؤول بما لا يقطع مجالا للشك إلى محاربة أفكار هذه الجماعة، التي كانت وما زالت الحاضن الرئيسي للجماعات الإرهابية في العالم وفِي مقدمتها "داعش" و"القاعدة".
في الوقت ذاته، فإن قراءة ما حدث في القمة يدفعنا للحديث بكل ثقة عن غلق ملف سعت جماعة الإخوان الإرهابية لتضخيمه واللعب عليه بطريقتها الشيطانية، وهو ملف العلاقات السعودية المصرية. فكان لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمثابة الصفعة المؤلمة على وجه "الإخوان" الإرهابية.
في سياق آخر، فإن الدعوة إلى الانفتاح على الإدارة الأمريكية وتجنب الخضوع لابتزازات كانت تسعى لدفع العرب إلى مواجهة مع إدارة ترامب، عبّرت عن إدراك عربي جماعي مفاده أن المستفيد من توتر العلاقات العربية الأمريكية بالأساس هي الجماعة الإرهابية ذاتها؛ فالرئيس الأمريكي بات يمثل كابوسا للإخوان بمواقفه الواضحة ضد دعواتها الإرهابية وإنهاء اختراقها للإدارة الأمريكية، وهو الاختراق الذي كان واضحا في إدارة سلفه باراك أوباما.
وفي الملف السوري، فإن إدراك ضرورة الحل السياسي وإدانة الجماعات الإرهابية إلى جانب إيقاف التدخلات الأجنبية في هذا البلد العربي، كانت بمثابة رسائل للإخوان الإرهابية بأن الدول العربية لن تسمح أن تكون المأساة السورية عبارة عن "كعب أخيل" يمكن أن تعود من خلاله تلك الجماعة المشؤومة إلى الواجهة مرة أخرى، بعد أن طُردت غير مأسوف عليها إلى جحورها في أغلب الدول العربية.
إن قمة عمّان شكّلت قمة لخيبة الأمل لجماعة الإخوان الإرهابية لمن يقرأ بين السطور، وبالتالي لا تستبعد عزيزي القارئ خلال قراءتك لهذا المقال أن تكون هناك حملة مسعورة جديدة من هذه الجماعة الإرهابية قد بدأت تظهر مقدماتها ضد القادة العرب وقرارات القمة والتفاعلات البينية التي جرت خلالها.
إن "الإخوان" الإرهابية عادت لتبث سمومها في المنطقة العربية، مستفيدة من "الخريف" العربي الذي بدأ في 2011، وبالتأكيد ستكون أي خطوة نحو استعادة الشعوب العربية لرشدها مجددا، هي بمثابة هزيمة جديدة للجماعة الإرهابية.
قمة عمّان أغلقت ملفّاً سعت جماعة الإخوان الإرهابية لتضخيمه واللعب عليه بطريقتها الشيطانية، وهو ملف العلاقات السعودية المصرية
ومما يجدر التنويه والإشارة إليه أيضا، أنه وبالتزامن مع الكلمة الختامية للقمة ومراسم توجيه الدعوة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لاستضافة القمة الـ29، تابعنا جميعا تلك الخطوة الإماراتية الرائعة والتي عبّرت بشكل قوي وواضح عن مشاعر الأخوة والمصير المشترك، حين تقدمت دولة الإمارات العربية المتحدة بطلبها بأن تستضيف المملكة العربية السعودية القمة العربية المقبلة، وهذه الخطوة تعبّر بلا شك عن تقدير الإمارات وقيادتها للدور القيادي الكبير الذي تقوم به المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في لم الشمل العربي، وهذا الموقف من الإمارات يؤكد لنا من جديد مدى التكامل والتوافق بين البلدين الشقيقين تجاه جميع الملفات والقضايا العربية والعالمية، وهو ما قابلته المملكة على الفور بالموافقة على استضافة القمة المقبلة وتلبية الطلب الإماراتي.
وهنا يطيب لي أن أوجّه التحية لقمة عمّان، وتحية أخرى للقادة العرب، وتحية يملؤها التفاؤل والأمل لغد أفضل لشعوبنا العربية نحو المزيد من الاستقرار والتنمية والإبداع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة