رغم أن الدراسة التي كشفت عنها الوكالة المدنية السويدية للطوارئ MBS"" مؤخرا لم تأتِ بجديد حول وجود تنظيم للإخوان المسلمين في السويد يعمل على خلق مجتمع موازٍ للمجتمع السويدي مختلف في القيم، إلا أنها أثارت جدلا واسعا بين المؤيدين والمعارضين للدراسة
رغم أن الدراسة التي كشفت عنها الوكالة المدنية السويدية للطوارئ MBS"" مؤخرا لم تأتِ بجديد حول وجود تنظيم للإخوان المسلمين في السويد يعمل على خلق مجتمع موازٍ للمجتمع السويدي مختلف في القيم، إلا أنها أثارت جدلا واسعا بين المؤيدين والمعارضين للدراسة، مع أن هذه حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها ولا يمكن إنكار ولاء الكثير من المنظمات الإسلامية لهذا التنظيم. وبمراجعة بسيطة لمواقفهم مما حدث في مصر على سبيل المثال، أو اطلاع بسيط على ما يكتبه أتباع التنظيم في السويد في مواقع التواصل الاجتماعي؛ يمكن إدراك أن نتائج الدراسة حقيقة، والعلاقة بين تلك المنظمات والإخوان أعمق بكثير مما قيل.
وربما يسأل سائل: لماذا يُخفي أتباع التنظيم أو قياداته علاقتهم به، أو ينكرونها أساسا، وهم يعيشون أو يحملون جنسية بلد يحترم الحريات والمعتقدات؟! وهل لدى أتباع التنظيم ما يخشون أن يُفضح أو يخضع لمحاسبة القانون؟
قبل سنوات كنت قد أنتجت فيلما وثائقيا عن تنظيم الإخوان في دولة الإمارات ومحاولاته السيطرة على نظام الحكم في هذه الدولة الخليجية التي لم تعرف الأحزاب منذ تأسيسها.. وعند اطلاعي على ملفات التنظيم التي كُشِف عنها خلال محاكمتهم، أو من خلال المقابلات التي أجريتها في هذا الوثائقي مع أعضاء سابقين في التنظيم، تأكد لي أن أهم مقومات العمل في تنظيم الإخوان هو السرية، وهو مبدأ يتم تدريب المنتمين إليه منذ نعومة أظفارهم عند انخراطهم بنشاطات اجتماعية أو رياضية أو ثقافية، قبل أن يدركوا أنهم أصبحوا أعضاءً في أكبر التنظيمات الإسلامية المثيرة للجدل. ومبدأ السرية في العمل قد يبرره البعض بعلاقة هذا التنظيم مع الحكومات العربية التي اتسمت بين المد والجزر طيلة العقود الماضية. لكن ما معنى أن تعمل بسرية في بلد أوروبي حر يسمح لأفراده اعتناق أي فكر أو دين حتى وإن كان هذا الفكر ضالا ومؤذيا في بعض الأحيان، والقانون لا يحاسب على النيات أو المعتقدات ما لم يرتكب الأشخاص جريمة بحق المجتمع داخل البلاد.
ما تمر به أوروبا من مخاطر إرهابية يتطلب مكاشفة حقيقية لوضع اليد على الأسباب التي تدفع بالشباب السويدي والأوروبي للالتحاق بمنظمات إرهابية تفخخ أجسادهم ليقتلوا الأبرياء
ولعل خير مثال على ذلك التحاق الكثير من الإسلاميين المتطرفين في السويد بتنظيم داعش الإرهابي وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات المتطرفة، ومشاركتهم في القتال وتنفيذ عمليات إرهابية في العراق وسوريا، لكنهم عادوا إلى السويد دون تبعات قانونية، بل إن بعض الجهات الرسمية بدأت تبحث في كيفية إدماجهم في المجتمع من جديد، لإبعادهم عن الأفكار المتطرفة؟
إن من النتائج السلبية لأي عمل أو تنظيم سري هو إخفاء حقيقة ما يفكر به أصحاب هذا الفكر أو التنظيم؛ لأن من يحمل نوايا سليمة ومفيدة للمجتمع يكشف عن نفسه دون الاختباء خلف مسميات عديدة!! ومن حق المجتمع السويدي، بما فيه السويديون من ذوي الأصول العربية، أن يطمئن إلى أن كل المنظمات والجمعيات الإسلامية وغير الإسلامية تعمل وفقا للقانون ولا تشوبها شائبة، مادية أو فكرية أو سياسية مخالفة للقيم في السويد أو للقيم الإنسانية.
وبغض النظر عن الجمعيات الموالية للإخوان في السويد؛ فإن ما تمر به البلدان الأوروبية من مخاطر إرهابية غير مسبوقة يتطلب مكاشفة حقيقية لوضع اليد على الأسباب الحقيقية التي تدفع بالشباب السويدي والأوروبي إلى ترك بلدانهم والالتحاق بمنظمات إرهابية تفخخ أجسادهم ليقتلوا الأبرياء في العراق وسوريا؟!
هل نخفي رؤوسنا في الرمال حتى يحدث ما لا تُحمد عقباه، نتيجة التغاضي عن الإرهابيين الذين ذهبوا سرا للقتال مع داعش؟ دون أن نبحث عن الذي زرع هذا الفكر الضال في عقول هؤلاء وغرر بهم للالتحاق في ساحات المعارك بحثا عن (الشهادة)؟!
وهل نبرئ بعض المساجد ورجال الدين في السويد من التحريض وزيادة الشحن الطائفي وتجنيد الشباب وجمع الأموال تحت مسميات وهمية كالصدقات والمساعدات الإنسانية لأطفال سوريا والعراق وعلاج المرضى، لكنها في الحقيقة تذهب لشراء الأسلحة وقتل الناس ودعم المسلحين بمختلف انتماءاتهم ليقتل بعضهم بعضا؟!
إن تقرير الوكالة السويدية يجب ألا يقف عند حد الإعلان عن جهة تنتمي لهذا التنظيم أو ذاك، وعلينا ألا نسمح لأي طرف أن يبني مجتمعات موازية خلف الكواليس، وعلى الجميع العمل تحت الضوء طالما أنه لا يوجد لديهم ما يخفونه أو يخشون فضحه.
وهنا أود أن أقتبس ما قاله أحد المسؤولين الإماراتيين عندما خاطب أتباع تنظيم الاخوان في بلاده: هل أنتم على استعدادا للعمل كمواطنين تحملون جنسية هذا البلد وتتركون الولاء لتنظيمات خارجية؟ وأتمنى ألا يكون جوابهم مماثلا لما قاله إخوانهم هناك!!
* نقلا عن صحيفة "يورو تايمز"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة